الرئيسية / الافتتاحية / تواصل التّعذيب في تونس: الإفلات من العقاب وغياب منظومة قانونيّة يغذّيان هذه الآفة
تواصل التّعذيب في تونس:  الإفلات من العقاب وغياب منظومة قانونيّة يغذّيان هذه الآفة

تواصل التّعذيب في تونس: الإفلات من العقاب وغياب منظومة قانونيّة يغذّيان هذه الآفة

media_temp_1421665919أكّدت الأستاذة راضية النصرواي رئيسة المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب أنّ ظاهرة التعذيب وسوء المعاملة مازالت متواصلة في مراكز الاحتجاز وداخل السجون التونسيّة.

وقالت النصراوي، خلال ندوة صحفية عقدتها المنظمة بمقرها بتونس العاصمة يوم 07 ماي الجاري لتقديم تقريرها السنوي لبرنامج المساعدة القانونيّة لضحايا التعذيب لسنة 2015، إنّ إفلات مرتكبي جرائم التعذيب من العقاب يشجّع على تواصل ممارسة هذه الآفة خصوصا في ظلّ غياب منظومة قانونيّة صلبة تكافح هذه الظاهرة، مشيرة إلى الاكتفاء بعقوبات إداريّة بسيطة.

ونبّهت رئيسة المنظمة إلى التلكّؤ الكبير في بعث الآليّة الوطنيّة للوقاية من التعذيب، مشيرة إلى غياب الإرادة السياسيّة ما ساهم، حسب قولها، في استمرار هذه الممارسة.

كما عبّرت النصراوي عن احتراز المنظمة من الاتفاقيّة التي أمضتها وزارة العدل مع عدد من منظّمات المجتمع المدني بخصوص زيارة السجون، موضحة أنّ المنظمة رفضت التوقيع على هذه الاتفاقيّة لعدّة اعتبارات من بينها التّنصيص على ضرورة الإعلام بالزيارة قبل 24 ساعة من موعدها.

 ضرورة إصلاح المؤسّسة الأمنيّة

ومن جانبه، دعا الكاتب العام للمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب الأستاذ منذر الشارني إلى ضرورة القيام بإصلاحات جذريّة على مستوى المؤسسات الأمنيّة بشكل يجعلها تحترم حقوق الإنسان، خصوصا وأنّ ما يزيد عن 70 بالمائة من الانتهاكات تمارس من قبل الأجزة الأمنيّة.

وأوضح الشارني أنّ حالات التعذيب وسوء المعاملة يتمّ تصويرها على أنها “مجرّد استخدام شرعي للقوّة من أجل السيطرة على الجريمة”، مبرزا أنّ حالات كثيرة من التعذيب تتمّ من أجل اقتلاع اعترافات من الموقوفين، في حين أنّ الحصول على اعترافات تحت الإكراه لا تساعد على كشف الحقيقة، باعتبار أنّ المتّهم يضطرّ، في كثير من الأحيان، إلى الإدلاء بمعلومات مغلوطة حتّى ينجو من التعذيب.

وبيّن الشارني أنّ التعذيب وسوء المعاملة في السجون التونسيّة يتّخذ أشكالا متعدّدة من بينها عقوبات بالسجن الانفرادي والحرمان من الرعاية الصحيّة ومن التغذية، وذلك لمجرّد مطالبة السجين بمطالب بسيطة على غرار حقّه في العلاج أو في خدمة اجتماعيّة.

وأكّد أنّ العقوبات وسوء المعاملة تطال أحيانا عائلات السجناء وذلك عبر تمطيط مدّة الانتظار أثناء الزيارة وعدم قبول سلال الطعام.

 التّعذيب ليس ظاهرة معزولة

وعرض التقرير حالات التعذيب كميّا وجغرافيّا وقدّم إحصائيات واستنتاجات خلصت إلى أنّ هذه الآفة منتشرة في كافة أنحاء الجمهوريّة، وإن بشكل متفاوت، ما يعني أنها ليست ظاهرة معزولة بقدر ما تمثّل منهجا أمنيّا وأسلوبا عامّا في تعاطي الأجهزة الأمنيّة مع المجتمع خاصّة في المناطق الشعبيّة المهمّشة، حيث خلص إلى أنّ “التمييز والتخويف عادة ما يستهدف الفئات الاجتماعية الفقيرة، نظرا إلى أنّ الذهنيّة الأمنيّة يقودها منطق الفرز الاجتماعي الذي يبيح ممارسة التعذيب على الفئات الفقيرة”.

وفي نفس السياق، أكّد التقرير أنّ الساعات الأولى للاحتفاظ هي الأشد خطورة على الموقوفين، حيث يمارس فيها التعذيب في ظلّ خروقات قانونيّة ووإنسانيّة من أهمّها عدم تمكين الضحيّة من محام ومن العرض على الفحص الطبي.

ولا تقتصر ممارسة التعذيب على مراكز الشرطة التي تحدث فيها أغلب الانتهاكات بنسبة 37 بالمائة ومراكز الحرس الوطني 6 بالمائة، إنما تتعدّاها إلى الأماكن العامة بنسبة 29 بالمائة والسجون 24 بالمائة وفضاءات أخرى على غرار سيارات الشرطة ومنازل الضحايا.

 الشّباب هم أوّل الضحايا

وتشير الإحصائيات التي أنجزتها المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب إلى أنّ الشباب بين سنّ الـ19 والـ39 هم الفئة المستهدفة أكثر من غيرها، ويمثلون 72 بالمئة من مجموع الضحايا، وإلى أنّ من بين ضحايا التعذيب أطفالا دون سنّ الـ18 وهو ما اعتبرته المنظمة “انتهاكا صارخا لحقوق الأطفال”.

ولفت التقرير إلى أنّ تجاوز مدّة الاحتفاظ لثلاثة أيام في أغلب الأحيان، دون إعلام عائلات الموقوفين بقرار الاحتفاظ أو بمكانه، من شأنه أن يوفّر أرضيّة خصبة للانتهاكات، التي تتمثّل في التعذيب وسوء المعاملة بنسبة 90 بالمائة وفي الموت المستراب 7 بالمائة وفي الاغتصاب 2 بالمائة والإيقاف غير القانوني 01 بالمائة.

واستعرض التقرير عددا من حالات التعذيب التي أدّت خلال سنة 2015 إلى وفاة مسترابة لعدد من الموقوفين أو المساجين. وقد تقدّم عدد من المحامين بتكليف من المنظمة بـ92 شكاية خلال 2015، 63 منها مازالت في طور البحث الابتدائي في حين أحيلت 29 منها أمام التحقيق وتتعلق نصف القضايا المنشورة بحالات الموت المسترابة.

وأشارت المنظمة إلى بطء إجراءات النظر في شكاوى التعذيب إضافة إلى محاولات الضغط على الضحايا للتراجع عن شكاويهم وامتناع المشتكى بهم عن الحضور لسماعهم.

وقد تقدّمت المنظمة بـ40 مراسلة إلى الإدارة العامة للسجون ووزارة العدل وبـ23 مراسلة إلى وزارة الداخليّة.

 أسباب الانتهاكات

وأرجع التقرير أسباب الانتهاكات إلى العقاب الذي يعكس الذهنيّة الأمنيّة السّائدة التي تعطي لرجل الأمن الصلاحيّات الأخلاقيّة والقانونيّة لمعاقبة الأفراد والاعتداء عليهم وإلى انتزاع الاعترافات من أجل غلق الملفّات وإرضاء الكوادر الأمنيّة. وشدّدت المنظمة، في هذا الصدد، على ضرورة اعتماد وسائل استقصاء علميّة وناجعة لمعرفة الحقيقة عوض الاعتداء على الحرمات الجسديّة والمعنويّة للأفراد.

وسجّلت المنظمة تلازما بين “الهشاشة الاجتماعيّة والتعذيب”، حيث أنّ حوالي نصف حالات التعذيب وسوء المعاملة -47 بالمائة منها- ارتبطت بقضايا سرقة ومخدرات، وهي  ظواهر تتكثف لدى الفئات التي تعاني التهميش والبطالة والفقر.

وفيما يتعلّق بتعذيب المتّهمين في قضايا إرهابيّة، اعتبرت المنظمة أنّ “أوّل خطوة في الحرب ضدّ الإرهاب تكمن في ثقافة حقوق الإنسان واحترام القانون والمعاهدات الدوليّة في هذا المجال”.

 taadib

 توصيات إلى السّلط الثّلاث

وتضمّن التقرير جملة من التوصيات من شأنها أن تحدّ من آفة التعذيب ومن بينها تعديل القانون الجزائي والتشريعات بخصوص العنف المسلّط من قبل أعوان السلطة العموميّة والشكاوى المقدّمة ضدّهم. إضافة إلى تعديل منظومة الاحتفاظ وتوفير الضمانات المتعارف عليها دوليّا للمحتفظ بهم.

كما أوصت المنظّمة مجلس نواب الشعب بإصلاح مجلّة الإجراءات الجزائيّة وبالإسراع في إصدار القانون المنظّم لحضور المحامي لدى الباحث الابتدائي.

ودعت إلى فتح تحقيقات قضائية وإداريّة في حالات التعذيب وسوء المعاملة وإنصاف ضحايا تلك الانتهاكات وإلى ملاحقة مرتكبي التعذيب قضائيّا.

وأوصت السلطة التنفيذيّة بتقديم الرعاية الصحية اللاّزمة للسّجناء والموقوفين المتضرّرين من التعذيب وبالكفّ عن الاعتداء على المواطنين وإهانتهم من قبل أعوان الأمن.

وأكّدت المنظمة على ضرورة التوقف عن تلفيق القضايا لضحايا التعذيب وعائلاتهم الذين تقدّموا بشكاوى في الغرض وإصدار توصيات واضحة لأعوان الأمن والسجون من أجل احترام القانون.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×