الرئيسية / صوت النقابة / في استهدافها للقطاع العام: حكومة الشاهد لم تستثن مؤسّسة البريد
في استهدافها للقطاع العام:  حكومة الشاهد لم تستثن مؤسّسة البريد

في استهدافها للقطاع العام: حكومة الشاهد لم تستثن مؤسّسة البريد

تشهد مؤسسة البريد في المدة الأخيرة أزمة تسيير غير معلنة، انعكست تأثيراتها على العاملين بها بصفة ملحوظة جدا. ويعود ذلك إلى انخراط المشرفين عليها في سياسة “حكومة صندوق النقد الدولي” التي تسعى إلى القضاء على القطاع العام رغم أهميته في النسيج الاقتصادي وإلى محاولة ضرب القطاعات العمومية ذات المردودية الكبرى.

 فبوجود مسؤول أول على رأس المؤسّسة له مرجعية سياسية معينة، تحت إشراف وزارة “متسيّسة” تدار بعقلية الغنيمة، لا نستغرب من الوصول إلى الوضع الذي يشهد تراجعات عديدة على مستوى المكاسب وتجاوزات خطيرة أعادتنا إلى مربع الاستبداد.

نحو تفتيت المؤسّسة 

إنّ السعي المحموم منذ بداية سنة 2016 من أجل إعادة هيكلة القطاع بالاستعانة بخبراء أوروبيّين يمثّل دليلا، لا يرقى إليه الشكّ، على أنّ هذه الحكومة لا همّ لها سوى تلبية رغبات صندوق النقد الدولي وتطبيق توصياته في علاقة بالشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص.Sans titre-5

فمنذ بداية سنة 2016 كلّفت الإدارة العامة للبريد مكتب دراسات من الاتحاد الأوروبي لتحضير مشروع إعادة هيكلة البريد على قاعدة الشراكة. ويرتكز هذا المشروع على 3 أعمدة أساسية تهدف كلّها إلى فتح الباب للرأسمال الخاص حتّى يضع يده على الخدمات البريدية.

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنّ القطاع الخاص قد استأثر بعديد الخدمات البريدية منذ مدة بشكل لا قانوني حيث يشهد السوق وجود عديد الشركات الأجنبية والمحلية التي تقوم بتلك الخدمات دون محاسبة. وهو ما أثّر سلبا على مداخيل البريد التونسي وخاصة على مستوى البريد السريع وبعض الخدمات المالية.

حيث أصدرت الإدارة العامة للبريد بتاريخ 26 جويلية 2016 منشورا يتعلّق بتغيير التعريفات البريدية تحت عدد 62، أُردف بمنشور ثان تحت عدد 76 بتاريخ 09 سبتمبر ،2016 يقنّن مسألة الشراكة مع القطاع الخاص. وقد تجاوزت الإدارة بهذا الإجراء القانون المنظم للخدمات البريدية وفق مجلة البريد في فصولها 2 و6 و8 المتعلقة بمعالجة المراسلات البريدية والخدمات الأساسية البريدية والمالية. وفازت بهذه الهدية شركة «tunisie edithique»  وهي حريف للبريد التونسي تمّ الترخيص له في استعمال 4 آلات تخليص بعائث الغير. وهو ترخيص غير قانوني. مع العلم أنّ عقد استعمال آلة تخليص ينصّ في الفصل الثاني: التزامات الحريف حسب البندين 2 و9 منه على عدم استعمال آلة التخليص لغير البعائث الخاصة به أو بالمصالح التابعة له. وهذا يعتبر محاولة تحيّل في استعمال آلة التخليص البريدي يترتّب عنها سحب الترخيص وتطبيق الإجراءات القانونية، ممّا يكلّف البريد خسارة بقرابة مليار و200 مليون دينارا سنويا في هذه الخدمة.

 الأعمدة الثلاثة لإعادة الهيكلة 

من خلال الدراسة التي قدّمت والتي تسعى الإدارة العامّة للبريد التونسي إلى الترويج لها منذ بداية السنة الماضية بهدف إعادة هيكلة القطاع، سيقع الاعتماد على 3 أعمدة أساسيّة بإمكانها تطوير القطاع والخروج به من النمط البيروقراطي الإداري إلى نمط المؤسسة “العمومية” التي بإمكانها أن تكون في الآن نفسه مؤسسة عمومية قائمة على خدمة عموم شرائح المجتمع ومؤسسة توفّر الخدمات للشعب وفق منطق السوق، منطق الربح والمنافسة.

 وفي هذه الحالة لابدّ من توفير هذه المعادلة الصعبة التي لا يمكن أن تكون إلّا في ظلّ التعويل على الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وهو ما يقتضي التفكير في هيكلة جديدة ومرنة يكون فيها البريد شريكا أساسيا. وهذا ليس سوى ضحكا على الذقون.

الاستغناء على بعض الخدمات

إنّ البريد التونسي قد استغنى عن بعض الخدمات الأساسيّة منذ زمن المخلوع، من ضمنها نقل البريد والأموال والحراسة والتنظيف. وكلّها خدمات أوكلت للسماسرة ولعدد من الشركات المافيوزيّة عبر عقود المناولة بكلّ ما فيها من تجاوزات وإخلالات في نظام الصفقات العمومية. فهي تستعبد اليد العاملة وتنهب المال العام من خلال خدمات متردّية وتشويهها لعلاقة المؤسسة العمومية بحرفائها.

 لذلك تروّج الإدارة العامة للبريد للبحث عن شركة نقل ولوجستيك يساهم البريد في أسهمها ليقع التعويل عليها في توفير سيارات لنقل البريد وأعوان للحراسة والتنظيف والسياقة وبعض المهام الأخرى. وهذا يعني غلق باب الانتدابات نهائيّا وعدم اقتناء سيارات في المستقبل.

الخدمات الماليّة

إنّ البريد التونسي يحوز على أكثر من 60 بالمائة من السوق المالية في تونس، رغم تعدد المؤسسات الناشطة في هذا المجال (القطاع البنكي والمؤسسات المالية الاخرى)، وذلك بالنّظر إلى تنوّع خدماته في هذا المجال وتفوّقه على باقي المتدخلين واكتسابه منظومة تشمل كلّ مناطق البلاد. إلاّ أنّه يفتقر إلى منظومة خدمات القروض على غرار المؤسسات المالية الموجودة في السوق. لذلك يسعى البريد إلى بعث بنك بريدي، على غرار البريد البنكي للمغرب والبنك البريدي الفرنسي، أو المساهمة في رأس مال أحد المؤسسات البنكية الموجودة.

خدمات الانترنات

نظرا إلى دخول سياسة الخدمات الافتراضية في السوق الاقتصادية والتعويل على سياسة التكنولوجيا الحديثة والاقتصاد الرقمي الذي تمّ التسويق له من قبل حكومة الحبيب الصيد من تطوير للخدمات وخلق مواطن الشغل عبر هذا النظام، تسعى الإدارة العامة للبريد إلى بعث شركة في خدمات الانترنت باعتبار أنّ البريد يعتمد في جلّ خدماته على منظومة افتراضية وعلى الاتصال عن بعد. ومن المؤكد أنّ من سيفوز بهذا المشروع هو من يمتلك شركة خاصة لخدمات الانترنات، وهو معروف سلفا، في ظلّ الوضع الجديد للوكالة الوطنية للانترنات ما بعد الثورة.

إنّ تكريس هذا التمشي وهذه السياسة المتماهية مع برنامج حكومات صندوق النقد الدولي لا يمكن أن يتمّ إلاّ عبر إجراءات موجعة تدعمها قرارات سياسية تنفّذها منظومة حكم ليبيرالية لا يراعى فيها مصالح الشعب والوطن وستكون على حساب العاملين بالقطاع بدرجة أولى.

الحبيب التليلي

كاتب عام مساعد بالنقابة العامة للبريد

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×