الرئيسية / أقلام / الخبير حسين الرّحيلي: “العمليّة الإرهابيّة بسوسة: تداعياتها الاقتصاديّة والاجتماعيّة”
الخبير حسين الرّحيلي: “العمليّة الإرهابيّة بسوسة: تداعياتها الاقتصاديّة والاجتماعيّة”

الخبير حسين الرّحيلي: “العمليّة الإرهابيّة بسوسة: تداعياتها الاقتصاديّة والاجتماعيّة”

حسينالدراسات والمخططات التي يكتبها منظّرو التيارات الإرهابية المتطرفة دينيا، تبيّن أنّ هذه التيارات، ولتحقيق أهدافها في قلب نظام الحكم وتدمير الدولة المدنيّة لقيام “دولة الخلافة”، تعمل على ضرب مقوّمات اقتصاد الدولة وتخريب ممنهج لقطاعات الخدمات الأكثر استقطابا لليد العاملة، لنشر الفقر والجهل والأمية كمحاضن أساسية لنشر فكرها: فكر الموت والظلام.

وتعدّ تبعا لذلك عملية باردو الإرهابية خلال شهر مارس 2015 وعملية سوسة الأخيرة يوم 26 جوان 2015، تحوّلا نوعيا في مخططات الإرهابيين، من استهداف الأمنيين  والعسكريين، إلى ضرب القطاع السياحي كأحد القطاعات الحساسة والمهمة باعتبار موارده من العملة الصعبة ومن حيث  قدرته التشغيلية. إضافة إلى ما يمثّله القطاع من أهمية على مستوى التعريف بالبلاد وبمقوماتها الحضارية والتاريخية والثقافية. وهو ما مكّنه من لعب دور محوريّ في ضمان التوازنات المالية الكبرى.

السّياحة محرّك للاقتصاد:

بلغة الأرقام، ينشط في القطاع السياحي عدد كبير من النزل والفنادق على طول الشريط الساحلي الرملي من بنزرت إلى جربة – جرجيس مرورا بالحمامات وسوسة المنستير، حيث تبلغ طاقة الإيواء بالمؤسسات السياحية حوالي 221 ألف سرير، تشغل بشكل مباشر 110 آلاف وحوالي 211 ألف بشكل غير مباشر، وحوالي 60 ألف آخرين في شكل عمل موسمي. وهو ما يمثّل قدرة تشغيلية بحوالي 400 ألف موطن شغل، كما يساهم القطاع السياحي في تنشيط أكثر من 700 وكالة أسفار تشغل بشكل مباشر حوالي 14 ألف عون.

يساهم هذا القطاع بحوالي7 % من الناتج المحلي الخام وحوالي 08% من مداخيل العملة الصعبة سنويا، ما جعله يمثّل ركيزة أساسية في المنظومة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد على طول الفترات السابقة.

فالسياحة بهذه المكانة ليست “دعارة مقنعة”، بل هي قطاع يمثل رافعة مهمة لمحركات الاقتصاد ودعامة لتوفير العملة الصعبة ومجالا حيويا لتوفير الشغل القار لآلاف المواطنين بشكل مباشر أو غير مباشر.

تداعيات خطيرة على الاقتصاد:

ولئن مرّ القطاع بمرحلة صعبة بعد 14 جانفي 2010 ومازال يعاني بسبب انعدام الاستقرار وتواتر العمليات الإرهابية، فإنّ العمليتين الإرهابيتين الأخيرتين كانتا قاسيتين عليه. ولا نتخيّل أنها ستكون ظرفية. ذلك أنّ أكبر وكالات الأسفار البريطانية اعتبرت أنّ نتائج عملية سوسة وارتفاع عدد ضحاياها ستكون كارثية لثلاث أو أربع سنوات القادمة على القطاع السياحي، الذي يعاني أصلا من إشكاليات هيكلية ومديونية كبيرة تتجاوز 3500 مليون دينار.

كما أنّ الخسائر المباشرة للقطاع خلال هذه السنة، ووفق تقييم جل المختصّين في القطاع، قد تصل إلى حوالي 550 مليون أورو. وهو ما يمثل خسارة كبرى من العملة الصعبة لاقتصاد يعاني أصلا من تدنّي نسبة النمو وتراجع الاستثمارات المباشرة، مع ارتفاع نسق البطالة، وما يسبّبه كل ذلك من تأثير على الواقع الاجتماعي واستقرار الأوضاع.

كما أنّ تداعيات العملية الإرهابية الأخيرة بسوسة، لن تشمل فقط القطاع السياحي بل ستتعداها إلى تراجع في الاستثمارات الخارجية المباشرة، إضافة إلى تقلص الطلب الداخلي على العديد من البضائع التي كان القطاع السياحي يستهلكها، ممّا سيؤثر على الطاقة الإنتاجية للمنتج المحلي. كلّ ذلك ستكون تداعياته كبيرة على تدهور المقدرة الشرائية وارتفاع معدلات البطالة وانسداد الآفاق لدى الشباب وارتفاع نسب التضخم.

المعركة مع الإرهاب لم تعد تقليديّة:

إنّ المعركة مع الإرهاب بهذا المعنى لم تعد معركة تقليدية، من خلال المواجهة الأمنية والعسكرية فقط. بل تحوّلت نوعيّا إلى حرب اقتصادية واجتماعية. ذلك أنّ توجيه ضربات موجعة إلى محرّكات الاقتصاد يجعل من الدولة عاجزة عن تحمّل مسؤولياتها تجاه الطلبات المتزايدة للشعب. وهو ما يؤشّر إلى أنّ المقاربة في هذه الحالة يجب أن تتغيّر وأن تعيَ الحكومة أنّ معالجة الأوضاع بالهروب إلى الأمام وتوجيه الاتهامات والتخوين لن يُجدي نفعا. بل من شانه أن يصبّ في خانة أهداف الإرهاب ومن يدعمه وطنيّا وإقليميّا ودوليّا.

كما أنّ التّنظير لتحويل الاقتصاد من اقتصاد تنمية، كما حلمنا جميعا بعد 14 جانفي، إلى اقتصاد حرب كما ينظر حاليا العديد من أباطرة هذه الحكومة الفاقدين لمقاربة شمولية للمسألة، لن يؤدّي إلاّ إلى مزيد الفقر والتهميش وبالتالي توفير مناخات جديدة للإرهاب.

إنّ المقاربة الشّاملة لمقاومة الإرهاب، يجب أن تقوم على قاعدة تعدّد محاور المقاومة:

–  محور أمني عسكري يقوم على العمل الوقائي الاستباقي لا التدخل العلاجي وما يخلّفه من نتائج كارثية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. وذلك من خلال إعادة النظر بشكل جذري في المنظومة الأمنية والعسكرية ممّا يجعلها في مستوى حرب استنزاف طويلة الأمد

–  محور تربوي تعليمي ثقافي يقوم على أساس العلم والمعرفة ومقاومة الفكر الظلامي التكفيري وبناء عقلية نقدية لدى الناشئة والشباب حتى نبني حصنا منيعا للمجتمع من الاختراقات الوهّابيّة والاخوانية التي تملك كلّ وسائل الخداع والتّضليل، حتى أنها تحوّلت بفعل فاعل إلى “قوى ديمقراطية” تحت يافطات “ديمقراطية رأس المال” على الطريقة الأمريكية، إضافة إلى الاستثمار في الثقافة والإبداع والفن ليتحوّل المجتمع من فضاء لنشر الموت إلى مجال للحياة والرّفاه.

–  محور تنموي يرتكز على خلق الثروة وتوزيعها توزيعا عادلا، ممّا يقوّي الجبهة الداخلية ويُغلق الباب أمام أفكار الظلام ويدعم إحساس كلّ مواطن بانتمائه إلى هذا الوطن.

إنّ تطبيق هذه المقاومة الشاملة في إطار خطّة وطنيّة طموحة، هي الوحيدة الكفيلة بجعلنا قادرين على الانتصار على الإرهاب بكلّ أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، والتخلّص نهائيّا من عقليّة التّباكي وتجاوز منطق العزاء والحداد الذي لا يعبّر إلاّ عن الأيادي المرتعشة، والأيادي المرتعشة لا تصنع التاريخ ولا تحقّق أهداف الثّورة في الشّغل والحرّيّة والكرامة الوطنيّة.

إنّ المعركة مع الإرهاب لم تعد معركة تقليديّة، من خلال المواجهة الأمنيّة والعسكريّة فقط، بل تحوّلت نوعيّا إلى حرب اقتصادية واجتماعيّة

على الحكومة أن تعيَ أنّ معالجة الأوضاع بتوجيه الاتّهامات والتّخوين لن يُجدي. بل من شأنه أن يصبّ في خانة أهداف الإرهاب ومن يدعمه وطنيّا وإقليميّا ودوليّا.

كتب ل”صوت الشّعب:

الخبير والجامعي حسين الرّحيلي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×