الرئيسية / أقلام / مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف “تراب الغاب” مسرحية للأطفال تعيد نشوة الفرجة وتكشف سر الانتماء
مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف “تراب الغاب” مسرحية للأطفال تعيد نشوة الفرجة وتكشف سر الانتماء

مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف “تراب الغاب” مسرحية للأطفال تعيد نشوة الفرجة وتكشف سر الانتماء

"تراب الغاب" مسرحية للأطفال

“تراب الغاب” مسرحية للأطفال

في عالم سحري قوامه الألوان الزاهية والمتنوعة تأخذنا في وهلة أولى إلى عالم الإيقاعات الإفريقية التي تحتفل بالطبيعة بكل مكوناتها البكر، يتشكّل المشهد الفرجوي في انسجام اللعب الذي يخرج من روح الطّفل الحائر مع شخوص تخرج من عالم طالما عمل عليه الإبداع العربي القديم كابن المقفّع وغيره من حكايات كليلة ودمنة، عالم أنسنة الحيوانات، ينقل إلينا مشاغلنا العصيّة في أسلوب بسيط سلس من حيث الكتابة المسرحية، كتابة اللوحة والمشهد بموسيقاه وبإيقاعاته الراقصة.

مسرحية “تراب الغاب” مسرحية للأطفال، دراماتورجيا وإخراج محمد الصالح عروس تحت إدارة الأستاذ والمسرحي سامي النصري وتمثيل مجموعة من خرّيجي وطلبة المعهد العالي للموسيقى والمسرح بالكاف الذّين تشبّعوا بالنظريات وتسلّحوا بالمعرفة لينزِّلوا ما عَلِمُوه على خشبة الرّكح، فأبدعوا أيما إبداع من حيث التمّلك للشخوص التي لعبوها على تنوّعها في جانب الطاقة التي لعبوا بها طيلة العرض الذّي امتدّ على طيلة ساعة من الزّمن.. وهم على الرّكح تغيب عنك أسماؤهم وملامحهم التي عايشتهم بها في واقع الحياة لتتلبّسهم الشخوص في تمثّل كلّي في جانب الحركة وروح الشخصية. كلّهم قطط على سطح مسرح قديم عبثت الثورة بهناءة بالهم وفقدوا مورد رزقهم لأن البشر انشغلوا في ثورتهم وأخذهم التناحر وكاد يضيع الوطن والقوت اليومي.

من هنا تبدأ الرحلة، رحلة البحث عن الطعام، رحلة البحث عن أصول التطاحن والفتنة. ليجدوا الحل في كتاب قديم، في التاريخ، في الاتعاظ من تجارب الثورات السابقة. فلا شيء يعلو فوق صوت الوطن ولا هَمَّ يعشش في الأذهان إلاّ المَخْرِجْ من دائرة الظلم إلى دائرة العدل.

سهام التليلي ووهيبة العيدي ونسيبة بن يوسف ويسرى الشارني وماهر التواتي ومعين العيدودي وعبد القادر الكوكي وعثمان خليفة مجموعة من المثلين الشبان في خطواتهم الأولى في الاحتراف، لكنّهم يلعبون بحرفية كبيرة على الرّكح كأنما عاشوا وترعرعوا على الخشبة. ساعة من الزّمن تمرّ بخفّة القصيدة لما للموسيقى والرّقص والألوان الزاهية والملابس التي صممتها الأستاذة لإيمان الصامت وحمّلتها دلالاتها بجمالية توصل الطّفل إلى نشوة والتعلّق بالمشاهد دونما ملل. فقط عنصر الضّوء مازال يستوجب المزيد من العناية حتى يكون حاملا هو الآخر للمعنى وموجها ومساعدا للمثل ومنسجما مع الإطار العام للوحات الفنّية.

تراب الغاب عنوان العمل، وهو مفتاح لفكّ الرموز والمعاني المؤدية إلى ما يختلج في ذات المخرج والكاتب والممثل. للتراب دلالته من حيث هو الأصل، منه ننطلق وإليه نعود، هو الجامع وهو الوطن الذّي نشترك في الانتماء إليه. فبعد التقاتل والحرب وصراع المناصب والسلطة والتسلّط يبقى لرائحة التراب سحرها الأبدي فهي تقف حافزا أمام أنانية الفرد المحب للسلطة.

في ذروة الضياع والتشتت يتفتّق ذهن السلحفاة سيدة الحكمة على الحل. بأن تنثر التراب على الرؤوس ليثوب الجميع إلى رشدهم وتتفتّح في النفوس بذرة الخير والغيرة على وطن يلمّ الجميع رغم اختلاف مشاربهم ونوازعهم.. “حسب ما عرفته عن البشر لابدّ من تحقيق التّوافق والوفاق … والعمل لإرضاء كلّ من في الغابة”.

عمل من إنتاج مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف يعيد لمسرح الطّفل جذوته ودوره ونشوته، وهو فاصلة في مسار سيؤسس مع الزمن ذائقة مسرحية ووعي حضاري في نفوس وأذهان الناشئة، فكلما اقترب طفل من المسرح كلّما كان لتراب الوطن معنى وقيمة متجذرة في مبادئه وذهنه.

  • ملاحظة لابدّ منها: وراء كل هذا الذّي أمتعنا على الرّكح فريق من العمل سهر ويسهر على تأمين ذلك من تقنيين وهم أنور بن عطيّة في التوضيب العام وعماد حمدي في توضيب الإنارة وصابر الماجري في توضيب الصوت وسهام الرزقي في توضيب الملابس. كما لا يفوتني أن أثني على روح العمل الجماعية التي ميّزت المجموعة.

 سمير طعم الله

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×