الرئيسية / أقلام / اللجنة الجهوية للإعلام والثقافة لحزب العمّال بسوسة عرض ونقاش شريط “زاد” لكوستا غافراس
اللجنة الجهوية للإعلام والثقافة لحزب العمّال بسوسة عرض ونقاش شريط “زاد” لكوستا غافراس

اللجنة الجهوية للإعلام والثقافة لحزب العمّال بسوسة عرض ونقاش شريط “زاد” لكوستا غافراس

لقطة من فيلم زاد

لقطة من فيلم زاد

في إطار مسامراتها الثقافية، تعتزم اللجنة الجهوية للإعلام والثقافة لحزب العمّال بسوسة عرض جملة من الأشرطة السينمائية مشفوعة بنقاش مساء أيام الإثنين والخميس من كل أسبوع وتكون البداية بشريط “زاد” “Z” للمخرج اليوناني الفرنسي كوستا غافراس عن رواية فاسيلي فاسيليكوس تحمل نفس العنوان و ذلك يوم الإثنين 22 حوان 2015 على الساعة التاسعة و النصف ليلا. 

تعيدنا مشاهدة حديثة لفيلم “زاد” الفرنسي الإنتاج، الجزائري التمويل للمخرج الفرنسي (اليوناني الأصل) كوستا غافراس إلى الوراء 45 عاما، إلى عصر الصراع الأيديولوجي والانتفاضات الشبابية والطلابية الغاضبة التي كانت قد بلغت ذروتها عام 1968 في خضم اشتعال الحرب في فيتنام، وما شهدته الساحات الأوروبية من ثورات في باريس ولندن وبرلين والتي انتقلت إلى جامعات الولايات المتحدة أيضا.
كان “زاد” أول فيلم من نوعه يتناول موضوعا سياسيا بأسلوب الفيلم “البوليسي” المثير، ولكن وفق المواصفات الأوروبية، أي مواصفات “الموجة الجديدة” وليس مواصفات هوليوود. فقد اعتمد على التداخل بين الأزمنة، والانتقال الحر بين الماضي والحاضر وعلى تدفق التداعيات التي قد تتبدى للحظة من وعي إحدى الشخصيات مثلا، قبل أن نعود لمتابعة ما يحدث في الزمن المضارع.
يقوم البناء الفني للفيلم على اللقطة كوحدة للفيلم وليس المشهد. أي أن المشهد المكون عادة من لقطات عدة، كان يقوم على مبدأ تحليل اللقطات، وقد يتجاوز في ذلك وحدتي الزمان والمكان، وكان هذا الأسلوب في ذلك الوقت جديدا.
يدور الفيلم حول التوتر السياسي الذي سبق وقوع انقلاب عسكري في اليونان (وقع في الحقيقة عام 1967) وسيطر بموجبه العسكريون على السلطة بدعوى ضبط الفوضى السياسية التي كانت سائدة في المجتمع.

المخرج اليوناني الفرنسي كوستا غافراس

المخرج اليوناني الفرنسي كوستا غافراس

وكان الفيلم جديدا تماما في أسلوب التحقيق في جريمة قتل سياسية، تستخدم هنا مدخلا أو حيلة سينمائية درامية للكشف التدريجي، عما تخفيه تلك الجريمة في طياتها من مفاجآت بحيث تطال في النهاية أعلى مستويات السلطة في البلاد.
وقد صورت جميع المناظر الخارجية للفيلم بمدينة الجزائر لتشابهها مع طبيعة مدينة أثينا التي لا تذكر بالاسم في الفيلم، بل يتعمد المخرج وكاتب السيناريو جورج سمبران أن يبقيا البلد الذي تدور فيه الأحداث غامضا، حتى تتاح الفرصة للفيلم للعرض في فرنسا وغيرها دون أن تنتج عن هذا أزمة سياسية مع اليونان، لكن غافراس كان بالتأكيد يريد توجيه رسالة احتجاج ضد الانقلاب العسكري الذي وقع في بلاده وأطاح بالديمقراطية.
كان الفيلم وقت ظهوره (1969) مختلفا في مظهره وأسلوبه ولغته، فقد كان يستخدم الإيقاع السريع، ويصور مطاردات مثيرة ومشاهد جماعية لمظاهرات مؤيدة ومعارضة، واشتباكات تنشب بين الطرفين أحيانا، وموقف شرطة كانت تبدو محايدة في الظاهر، غير أنها كانت تتآمر في الباطن وتشجع الاعتداء على رموز المعارضة وعلى رأسهم ذلك النائب البرلماني الذي يتم اغتياله بالفعل، على أيدي جماعة فاشية تخضع لسلطة العسكريين وتتلقى التعليمات من الشرطة.
ولم تكن الأفلام السياسية التي سبقت “زاد” مثل فيلم “الأيدي فوق المدينة” (1963) للمخرج الإيطالي فرنشيسكو روزي قد توصلت بعد إلى أسلوب من هذا النوع، بل كانت عادة ما تتبع الأسلوب التسجيلي الذي ساد أفلام الواقعية الجديدة في إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية.
ترمز شخصية النائب الذي اغتيل في الفيلم (يقوم بالدور إيف مونتان) إلى النائب الديمقراطي الدكتور غريغوريس لامبراكيس الذي اغتيل عام 1963. وما يصوره الفيلم من شخصيات في السلطة، من وزير الداخلية والنائب العام ورئيس الشرطة وقائد الجيش وغيرهم، إنما قصد بها تقديم معادل درامي بشكل ساخر للشخصيات العسكرية التي كانت في السلطة باليونان وقت تصوير الفيلم.

فالانقلاب العسكري في اليونان لم يسقط إلا عام 1975 بعد فشل الجيش في التدخل لوقف العملية العسكرية التي قام بها الجيش التركي لاحتلال الجزء الشمالي من جزيرة قبرص. وتمر هذه الأيام 45 سنة على عرض فيلم “زاد” (الحرف يعني في اللغة اليونانية القديمة “إنه حي”) في إشارة إلى أن الرجل الذي اغتالته يد الغدر في الفيلم لايزال حيا بأفكاره).
كان استقبال النقاد الفرنسيين للفيلم وقت عرضه الأول، استقبالا احتفاليا حماسيا بالطبع. وكان الاختبار الحقيقي للفيلم عندما عرض بالولايات المتحدة التي كانت قد أيدت الانقلاب. لكن الناقد الأميركي الشهير روجر إيبرت كتب بتاريخ 30 ديسمبر/أيلول 1969 في صحيفة “شيكاغو صن تايمز” عن الفيلم يقول “إنه فيلم عصرنا.. إنه يصور كيف يمكن تخريب انتصارنا الأخلاقي”.
وكتب الناقد تاي بير في صحيفة بوسطن غلوب “إن ما يجعل “زد” يختلف عن “معركة الجزائر” لبونتيكوفو (1966) هو قدرة كوستا غافراس على تصوير فيلم من أفلام التحقيق البوليسي الشائعة في سياق الأحداث الجارية، بعد اغتيال النائب هناك، مشهد مطاردة ليس هناك ما يشبهه على الإطلاق في الأفلام التي ظهرت عام 1969، يعقبه دراما ماهرة مثيرة مشوقة.
ويشير بير إلى أن بعض شخصيات الفيلم قد لا تشعر بها مثل “إيرين باباس” التي تقوم بدور أرملة السياسي القتيل، إلا أن “زد” يظل محتفظا بقدرته على شد المتفرج بقوة برسالته القوية تجاه ما يحدث في اليونان. وإذا كانت أفلام هوليوود السياسية قد استطاعت هضم هذا الفيلم – كما يقول بير- لكنها نادرا ما تمكنت من محاكاته في سخونته.

و على اثر تكريمه بمهرجان كان الاخير قال كوستا قفراس عن فيلم زاد… لا يزال هذا الفيلم يعرف رواجا عبر العالم، وهو كما تعرف مقتبس من رواية للكاتب اليوناني “فاسيليس فاسيليكوس”، وقد صوّرته في الجزائر، وأشركت فيه الممثل الشهير المرحوم حسن الحسني، من منطلق أن الفيلم يعد إنتاجا مشتركا مع الجزائر. وقد اخترت الجزائر كمكان للتصوير لاستحالة التصوير في اليونان، بسبب حكم العقداء. لقد أخذ “زاد” مساره وأصبح رجلا يسلك مسالكه بنفسه. هناك أفلام كثيرة تعرف مثل هذا الرواج والانتشار وتقاوم النسيان والاختفاء بسبب جدية المواضيع التي تتناولها. أعتقد أن الفيلم السينمائي الذي يتناول موضوعا جيدا مرتبطا بالحدث التاريخي، هو الذي يجد كل هذا الرواج والبقاء. وأنا جد سعيد بعرض فيلم “زاد” ضمن برنامج خاص بعروض كلاسيكية، إلى جانب أفلام عمالقة السينما العالمية، أمثال أورسن ويلس واينغريد برغمان.

 بقلم منير الفلاح

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×