الرئيسية / الافتتاحية / سيّدي ‫#‏الرّئيس‬ …هل آن أوان أكل ‫#‏الرّجال‬؟
سيّدي ‫#‏الرّئيس‬ …هل آن أوان أكل ‫#‏الرّجال‬؟

سيّدي ‫#‏الرّئيس‬ …هل آن أوان أكل ‫#‏الرّجال‬؟

 

في الزّمن الذي اتّفق فيه كلّ العالم على أنّ الإنسان اليوم يعيش محنة كبرى سببها التطرف الديني والإرهاب… زمن الدواعش وقطع الرّقاب وأكل القلوب والسبي وجهاد النكاح… الزمن الذي تجرّعنا فيه ويلات التطرف الديني وما تبعه من إرهاب أقضّ مضاجعنا وحوّل حياتنا إلى جحيم نحترق بنيرانه إضافة الى جحيم العوز والفاقة والتهميش، يطلع علينا رئيسنا بخلاصة مدوّية وهي أنّ “اليسار المتطرّف أشدّ خطرا وشراسة من التّطرّف الاسلامي”.

 قالها هكذا بكلّ بساطة في لقاء صحفي مع رؤساء تحرير الصحف البحرينية: “كنّا نقاوم التطرّف الإسلامي ونجحنا في ذلك لكنّ التطرف ليس خاصيّة قاصرة على الإسلاميّين فقط، فهناك أيضا يسار متطرّف وهو أشرس من نظيره الإسلامي ونحن كذلك نقاومه…”

 طبعا في كلام السيّد الرئيس إشارة واضحة إلى الجبهة الشعبية، فلا يسار غيرها في تونس. سيّدي الرّئيس، للألفاظ سلطتها الّتي يُعتبر تحريفها أو إساءة استعمالها جرما في حقّ المعرفة وضحكا على ذقون السّذج والبلهاء من أبناء هذا الوطن وخارجه.

 هل يوجد فعلا في تونس يسار متطرّف أنت بصدد محاربته بعد أن قضيت على الإرهاب والتطرّف الديني!؟

عجبي …سيدي الرّئيس، مثل هذا الكلام يمكن أن يمرّ مرور الكرام هناك حيث صرّحت به. لدى أهل “الكشطة” والعقال أمّا هنا في تونس فلا. التونسي ذكيّ وميّال إلى الاستكشاف والمعرفة حتى لو كان أمّيا لا يفكّ الحرف.

قالها الشهيد شكري بلعيد يوما ما:”التونسيّ ليس له ثروة بترولية أو مناجم من الذّهب، لكن لديه ثروة واحدة هي ذكاؤه”. سيدي الرّئيس، شعب تونس منحك ثقته وبصم لك بأصابعه ودموعه وحرقته على أمل تخليصه من التطرّف الديني والإرهاب وتحقيق حلمه في العدالة والحرية والكرامة والخبز. ولم يطلب منك أن تخلّصه من “التطرف اليساري” كما قلت، هذا إن كان يوجد في تونس أصلا ما يسمّى بـ”التطرف اليساري”.

هل لديك مانع أن نقوم ببعض التحليل والعودة إلى جذور الكلمات؟

جذور اليسار كمصطح سياسي يعود إلى اجتماعات الجمعيّة الوطنيّة الفرنسية إبّان الثورة الفرنسية، حيث كان الثوريّون المنادون بالعدل والمساواة والنّظام الجمهوريّ يجلسون على مقاعد إلى يسار رئيس البرلمان، ومنذ ذلك الحين أصبح هذا المصطلح مرتبطًا بالجماعة السياسيّة التي تنادي بالمساواة الكاملة بين البشر والأشخاص الذين يمتلكون وجهات نظر ثوريّة تدعو إلى تغييرات سياسيّة واجتماعيّة.

فهل تختلف أنت سيّدي مع اليساريّين فيما يطمحون إليه وينادون به؟

 هل أصبح الدّفاع عن حقوق الفقراء والمهمشين تطرّفا عليك أن تستبسل لمحاربته والقضاء عليه؟ سيّدي الرئيس التطرّف يمكن أن نعرّفه لغويّا بأنّه الغلوّ والإسراف، أو الشطط بعيدا عن التوسّط والاعتدال. أمّا اصطلاحا، فيمكن القول إنّه يعني الخروج على المفاهيم والأعراف والتقاليد والسلوكيّات العامّة.

ومن الناحية الأمنية والسياسية، يمكن القول إنّ التطرّف هو الخروج عن قانون البلاد ودستورها، فهل ينطبق ما قُلته على الجبهة الشعبيّة واليسار التونسي الذي لطالما خطبت ودّه ويشهد التاريخ أنّك أبدعت في مغازلته قبل وصولك إلى كرسيّ الحكم؟

عملتمعه وذرفت الدّموع حزنا وحرقة على شهدائه الأبرار ووعدت بأنّك ستعمل على كشف الجناة ومحاسبتهم. كما وعدت بالقضاء على الفساد وقطع أيادي خونة الوطن ولصوصه… ألم تكن تعرف حينذاك أنّك تضع يدك في يد طرف سياسي متطرّف وشرس وخطره على تونس يفوق خطر الإسلام السياسي و”داعش”؟

 خطابك اليوم أصبح يلتقي إجمالا مع خطاب حركة النهضة وأكثر أئمّة الجوامع تخلّفا، وغلاة الرجعيين في مهاجمة اليسار والجبهة الشعبية. سيّدي الرّئيس، لو كان يوجد في تونس يسارا متطرّفا لكان أحرق الأخضر واليابس حين اغتيل أبرز رموزه، الشهيد شكري بلعيد، ولكان استغلّ ذلك الغضب الجماهيري وتلك الجنازة المليونيّة التي كان بإمكانها أن تنهش من يعترض سبيلها نهش الأسود الغاضبة. لكنّ اليسار لم يستغل الفرصة. وكانت مصلحة الوطن هي همّه الأول رغم جرح دمه المهدور.

 اليوم، وحين حصلت على ما تريد وجلست على كرسيّ الحكم وعلى يمينك جلست حركة النهضة ووشوشت لك بضرورة تصفية اليسار، لم تتأخّر وسارعت إلى أهل “الكشطة والعقال” طلبا لرضاهم وعطاياهم. فأعلمتهم في تصريحك النّاري باكتشافك العبقري وإنجازك الفذ وهو قضاؤك على “داعش” والإرهاب الديني وشروعك في محاربة “داعش اليسارية”.

سيدي الرّئيس من يتّهم الجبهة الشعبيّة، بالوقوف وراء أعمال الشغب والنهب واللصوصيّة التي حصلت مؤخّرا، يفضح نفسه وحزبه ويثبت أنّه المُجرم الحقيقي ومُهندس أعمال التخريب. فمن سمعناهم ورأيناهم كانوا، وهم يهاجمون الأمن والمؤسسات، ينادون “الله أكبر” ولم نسمعهم يهتفون “يا عمّال العالم اتّحدوا” ولا أيّ شعار من شعارات اليسار سواء كان متطرّفا أو معتدلا.

كما أنّه ليس لدى الجبهة الشعبية من يموّلها ويضخّ لها الأموال من الخارج لتستأجر ميليشيات من السّرّاق والمجرمين كي يقوموا بالمهمّة.

أعتقد أنّنا في الطريق نحو الأقفاص من جديد يا سيدي. والدّكتاتورية بصدد الإعداد لأداء رقصتها الأولى وإلاّ لما سوّلت لك نفسك، أو بمعنى أصح بإيعاز من أصحاب القرار الحقيقيّين أن تبدأ بنحر اليسار حتى تخرس أصوات مناضليه ومطالبهم بالحرية والكرامة والخبز.

إن كنتم فعلتم قانون الإرهاب خصّيصا للقضاء على صوت المعارضة النزيهة، لا من أجل مكافحة آفة الإرهاب، فثقوا أنّ شعب تونس لم يعد ذاك الشعب الأبله الذي يمكن أن تستخفّوا به وبذكائه. وإن كان ما حصل مؤخّرا مرّ بسلام، فثقوا أنّ الفضل يعود إلى العقول النيّرة وأصحاب الأقلام الشريفة الّتي تجنّدت في حملة للتوعية والتّحذير ولاءً لتونس وليس لك أو للنهضة.

سيدة عشتار

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×