الرئيسية / صوت الوطن / مقاومة الفساد مهمّة صعبة لكنّها ليست مستحيلة
مقاومة الفساد مهمّة صعبة لكنّها ليست مستحيلة

مقاومة الفساد مهمّة صعبة لكنّها ليست مستحيلة

كثر الحديث في المدة الأخيرة عن الفساد وسوء التصرف في المال العام. ولعلّ ما أثار هذه المسألة بشكل ملفت للانتباه في الشارع التونسي من جهة ولدى المهتمين بهذا الشأن من منظمات وجمعيات المجتمع المدني ومن أحزاب من جهة أخرى هو استفحال هذه الظاهرة وتواصلها خصوصا بعد مرور 5 سنوات على الثورة. 

ولئن ارتبط مفهوم الفساد، في أذهان التونسيين، بإهدار المال العام وبالرشوة والمحسوبية، فإنّ تعريف هذه “الآفة” التي تنخر الاقتصاد التونسي  خاصة بعد الثورة، يظلّ أشمل. كما تظلّ مهمّة الحد منها مسؤولية الجميع دون استثناء، حكومة ومعارضة وشعبا ومكونات المجتمع المدني على وجه مخصوص نظرا لأهمية الدور الذي تضطلع به في مرحلة الانتقال الديمقراطي.

الآليات الكفيلة بمقاومة الفساد 

الخوض في هذه المسألة يستوجب وضع تعريف للفساد باعتباره ظاهرة اجتماعية ليست حكرا على بلد دون آخر أو مجتمع دون آخر أو مؤسسة دون أخرى. فالفساد ظاهرة مرتبطة بوجود الإنسان. لكن تختلف حدّتها ومدى انتشارها بحسب الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وعادة ما يتفشّى الفساد في البلدان التي تمرّ بمرحلة انتقالية كما هو الحال بالنسبة إلى تونس.

تعريف الفساد

الفساد، حسب تعريف الخبراء وأهل الاختصاص، هو إساءة استعمال السلطة العامّة أو الوظيفيّة من أجل تحقيق منفعة خاصّة أو كسب خاص. وهو لا يستثني أي مجال وينتشر بكثافة في المؤسسات الاقتصاديّة والماليّة على وجه الخصوص. وتُعتبر المنافذ الحدودية من موانئ ومطارات ونقاط عبور موطنا للفساد بأنواعه نظرا إلى تدفّق البضائع والسلع وتشابك المصالح وتوفّر غطاء لحماية الفاسدين.

الفساد المالي

 يرتبط الفساد المالي ارتباطا وثيقا بالمناقصات والصفقات العموميّة وعالم المال والأعمال عموما. ويتمظهر هذا النوع من الفساد في الاختلاسات والرشاوى والتهرب الضريبي أو ما يعرف في تونس بإهدار المال العام. ولا يستثني الفساد القطاع الخاص، وإن ظلّ أقلّ انتشارا وتفرّعا في المؤسسات الخاصة.

الفساد السّياسي

قد يكون الفساد سياسيّا ويتجلى في مخالفة القواعد والأحكام المنظمة لمؤسسات الدول وفي الانحرافات والتجاوزات القانونية وذلك عبر استعمال السلطة والنفوذ للمصلحة الخاصة وليس للصالح العام.

ويظهر هذا الصنف من الفساد في فترة الانتخابات، كما يتجلى في التعيينات المستندة أساسا على الولاءات الحزبية. وهنا يمتزج الفساد السياسي بالفساد المالي، حيث يُستعمل المال السياسي في شراء الذمم والأصوات وفي التأثير على القائمين على العملية الانتخابية وهو ما يفتح الباب لعمليات التزوير خاصة عند فرز الأصوات، أو لغضّ الطرف عن الخروقات الحاصلة.

 ولم تخل انتخابات 2011 و2014 من تجاوزات حيث عمدت بعض الأحزاب إلى شراء الأصوات وظلّت مصادر تمويل بعضها مجهولة إلى اليوم.

الفساد الإداري

نوع آخر من الفساد  يتعلّق بالمؤسسات والإدارات. وهو الفساد الإداري الذي يتمظهر في اعتماد المحسوبية في التعيينات وفي إسناد الترقيات والمنح وغيرها من الامتيازات الوظيفيّة، وذلك على حساب مقياس الكفاءة.

ومن مظاهر الفساد الإداري أيضا التراخي في أداء الواجب المهني وفي التغيّب عن العمل. وهذا النوع من الفساد هو ما يكون، أحيانا، ظاهرا للعيان، أمّا أصناف الفساد الإداري الأخرى فتتمّ بسريّة مطلقة.

 وعرفت تونس بعد 14 جانفي2011،  خصوصا زمن حكم الترويكا،  وفي عديد المناسبات احتجاجات واسعة على ظاهرتي المحسوبية والتعيينات المسقطة في عدد من مفاصل الدولة ومؤسساتها التي لا تستند إلى مبدأ تكافؤ الفرص ولا إلى أيّ نوع من الكفاءة العلميّة أو المهنيّة. ونذكر في هذا الصدد ما حدث من تجاوزات في تعيين المعتمدين وفي مناظرات شركة فسفاط قفصة وفي مناظرة القيمين والمعلمين وغيرها من المناظرات التي شهدت استبدال أسماء الناجحين بأسماء أخرى.

عديد القطاعات الأخرى طالتها هذه الآفة الخطيرة. فلم يسلم منها لا القضاء ولا الإعلام ولا المؤسسة الأمنيّة، وهو ما يستوجب من القوى الديمقراطية ومن المجتمع المدني ومن الإعلام النزيه ضرورة كشفها والتصدي لها ومقاومتها بكلّ الوسائل المتاحة.

 آليّات مكافحة الفساد

إذا اعتبرنا أنّ ظاهرة الفساد استشرت في تونس منذ عقود وخاصة في ظلّ النظام السابق، فإنّ نسب الفساد ارتفعت بعد الثورة، وهذا ما أظهرته “تقارير مؤشرات الفساد في العالم” الذي أعدّته “منظمة الشفافية الدولية”. وهو ما يؤثّر سلبا على اقتصاد البلاد ويتسبّب في تراجع نسبة النمو الاقتصادي باعتبار أنّ الفساد قد قلّص من نمو الاقتصاد التونسي بنقطتين. وفي المقابل يمكن أن يساهم تعزيز الشفافية والحوكمة الرشيدة في دفع الاقتصاد التونسي.

تدعيم النزاهة والشفافية لا يتمّ إلاّ عبر المساءلة والمحاسبة وذلك للقطع مع الانحرافات المالية واستعمال النفوذ والسلطة من أجل المصالح الشخصية، وبذلك يمكن الحد من أشكال التلاعب بالمصلحة العامة، مع هذا تبقى مكافحة الفساد مهمة شاقة نظرا لانتشاره في مفاصل الدولة من مؤسسات وإدارات ونظرا إلى تفشّي هذه الظاهرة في المجتمع التونسي عموما.

منظومة قانونيّة وقضائيّة صلبة

وإن كانت تونس قد صادقت سنة 2003 على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد فإنّ مقاومة الفساد، واقعيا وموضوعيا، تستلزم إرساء منظومة قانونية ومؤسساتية وقضائية صلبة، لا يمكن التلاعب بها أو تطويعها لمصلحة أيّ طرف من الأطراف. وذلك إلى جانب ضمان الاستقلالية الفعلية للقضاء التونسي وضمان حرية التعبير عبر إعلام مسؤول ونزيه ومحايد حتى يتسنّى كشف التجاوزات والخروقات في كلّ المجالات وخاصة تلك التي يستشري فيها الفساد.

دور مكوّنات المجتمع المدني لا يقلّ أهمية عن الهياكل المعنية، بشكل مباشر، بمقاومة الفساد. لذلك أصبح الاستئناس بمقترحاتها وتشريكها في استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد أمرا ضروريا. بالإضافة إلى ذلك يمكن للجمعيات والمنظمات المعنية والمتخصصة في هذا الشأن أن تقوم بدور رقابيّ مهم جدّا، على أن تضطلع مؤسسات رقابية منتخبة ومستقلة هيكليا وماليّا بهذا الدور.

وهنا يظهر جليّا أنّ مقاومة الفساد في القطاعين العام والخاص وفي جميع المجالات لا يمكن أن تتمّ إلاّ بتعزيز النزاهة والشفافيّة ومحاسبة الفاسدين ومكافحة الإثراء غير المشروع.

وهذه مسؤولية وطنيّة يجب أن يتحمّلها الجميع دون استثناء، بدءً بالهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد وصولا إلى الأحزاب الديمقراطيّة، ومنظمات المجتمع المدني وكذلك الأفراد. ومقاومة هذه الآفة يجب أن تتحوّل إلى ثقافة وإلى سلوك وممارسة يوميّة لدى عموم التونسيين الشرفاء لأنّ الفساد بأصنافه السياسي والمالي والإداري يهدّد المجتمع بأسره ويُعيق النمو الاقتصادي ويعرقل مسار الانتقال الديمقراطي الحقيقي.

لطفي الوافي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

11 + 6 =

إلى الأعلى
×