الرئيسية / صوت الوطن / الصّناديق الاجتماعيّة ونظام التّقاعد في تونس: فليتحمّل الأزمة من تسبّب فيها
الصّناديق الاجتماعيّة ونظام التّقاعد في تونس:  فليتحمّل الأزمة من تسبّب فيها

الصّناديق الاجتماعيّة ونظام التّقاعد في تونس: فليتحمّل الأزمة من تسبّب فيها

(الجزء الثّالث)

 نظام التّقاعد في تونس

 يتميز التقاعد في تونس بالنظام التوزيعي، وهو النظام الذي يرتكز على أنّ مساهمة الناشطين تموّل المحالين على التقاعد. ويموّل جرايات التقاعد لهؤلاء النشطين الجيل الذي يليهم وهكذا دواليك. ورغم ما في هذا النظام التوزيعي من أبعاد تضامنية بين أجيال الطبقة العاملة، فإنه شديد التأثر بطرق التصرف في موارد صناديق الضمان الاجتماعي والقدرة التشغيلية للاقتصاد وهيكلته والتحولات الديموغرافية للمجتمع.

ويسمى النظام التوزيعي صرفا (Parfaite) عندما تكون مستحقات المتقاعدين متأتية حصريا من مساهمات النشيطين مباشرة، أي دون الاعتماد على احتياطات أو مساهمات أخرى.

كما يحافظ النظام التوزيعي على توازناته عندما تكون المساهمات مساوية للمستحقات دون فائض أو عجز.

 

ويقوم النظام التوزيعي في تونس على خمس ركائز أساسية وهي:

 

  1. 1.    نسبة المساهمات
  2. 2.    معدل الجراية
  3. 3.    معدل الأجر المصرح به
  4. 4.    عدد المتقاعدين
  5. عدد الناشطين المصرح بهم

وبالتالي فإنّ توازن النظام التوزيعي مرتبط بالأساس بتوازن نسبة المساهمات والتي تحتسب كما يلي:

  • ·       نسبة المساهمات = نسبة الاسترجاع / المؤشر الديموغرافي  X 100

 

مع العلم أنّ:

 

  • ·       نسبة الإسترجاع =  معدل الجراية / معدل الأجر المصرح به  X100
  • المؤشر الديموغرافي = عدد الناشطين المصرح بهم / عدد المتقاعدين

ويظهر جليّا أنّ توازن النظام التوزيعي مرتبط بالعناصر الخمسة المكونة له،       وهو ما يعني أنّ أيّ مشروع إصلاح لنظام التقاعد يجب أن يمسّ حتما الخمسة عناصر.

أمّا بالنسبة لسن التقاعد واحتساب جرايته وفق نظام التقاعد في تونس فهو كما يلي:

–         سن التقاعد 55 سنة لبعض المهن التي تعتبر متعبة كالتعليم والمناجم

–         سن التقاعد 60 عاما لبقية المهن

–         تحديد المدة الدنيا للعمل بين 5 و10 سنوات حسب نظام المنخرط

–         يحدّد الأجر المرجعي على أساس الثلاث سنوات الأخيرة للعمل محيّنة بالنسبة إلى الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية وعلى أساس العشر سنوات الأخيرة بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي

–         الحد الأقصى لجراية التقاعد تسقف بست مرات الأجر الأدنى المضمون على أن لا تتجاوز 80 بالمائة بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والحد الأدنى نصف أو ثلث الأجر الأدنى المضمون

–         تحيين جراية التقاعد مرتبط بتحيين الأجر الأدنى المضمون

ويساهم العمّال في تمويل أنظمة التقاعد بنسب تتراوح ما بين 5 إلى 9 بالمائة، وهي نسب مرتفعة بالمقارنة مع ما يساهم به عمال بعض الدول الأخرى كالجزائر  والمغرب والأردن والكمرون وساحل العاج وإسبانيا.

وتمثّل جرايات التقاعد والتأمين الصحي من الخدمات الأساسية المسداة من طرف الصناديق الاجتماعية، حيث تمثل نفقات هذه الخدمات حوالي 70 بالمائة من جملة نفقات الصناديق.

وبالتالي فإن عجزت الصناديق عن دفع جرايات التقاعد فهو دليل فعلي على أنها قد تجاوزت مرحلة استهلاك احتياطاتها الاستراتيجية، لذلك حدّدت معايير دولية لنشاط الصناديق مرتبط  بعدد الأشهر التي تضمن فيها الصناديق دفع جرايات التقاعد لمنخرطيها والتي لا يجب أن تكون أقلّ من عام كامل. لذلك كلما اختلّت توازنات الصناديق المالية، هرعت الحكومات إلى إصلاح أنظمة التقاعد بهدف توفير سيولة للصناديق.

فما هو الوضع المالي للصناديق الاجتماعية في تونس؟

تحليل أزمة الصّناديق الاجتماعيّة

منذ أكثر من خمس وعشرين عاما، تاريخ الشروع الفعلي في تطبيق الإصلاح الهيكلي (P.A.S) الذي فرضه صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، والهجوم على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للطبقة العاملة وعموم المؤجرين والفئات الفقيرة متواصل دون توقف، وذلك كنتيجة حتمية للتفويت في مؤسسات القطاع العام وفتح الاقتصاد على مصراعيه للمستثمرين الخواص أجانب ومحليين، وما تبعه من تسريح لآلاف العمّال وغلق العديد من المؤسسات وتمتيع رأس المال بامتيازات كبيرة خاصة في الجوانب التي لها علاقة بالبعد الاجتماعي كمساهمة الأعراف في الصناديق لمدة خمس سنوات، هذا دون نسيان طرق التشغيل الهشة والسمسرة باليد العاملة وإحداث شركات المناولة في مجالات حيوية خاصة بالمؤسسات العمومية، ممّا أثّر بشكل واضح على التشغيل ومبدأ الانتداب وقلّص بشكل كبير من موارد الصناديق الاجتماعية.

فالصناديق الاجتماعية تمثّل حجر الزاوية للضمان الاجتماعي من خلال توفيرها لجرايات التقاعد للعمال لحفظ كرامتهم وضمان حياة كريمة لهم.

وتمثّل الموارد الأساسيّة لصندوقي الضمان الاجتماعي في:

– مساهمة العمّال

– مساهمة أرباب العمل

– فوائد مدّخرات الصناديق

ولقد مرّ صندوقي الضمان الاجتماعي بالبلاد بفترتين:

1 – الفترة الأولى: وتمتد من بداية الستينات إلى النصف الأول من الثمانينات. وهي فترة الرّخاء من خلال تطوّر كبير لموارد الصندوقين وتراكم مدّخراته، وذلك راجع بالأساس إلى التطور الكبير للمنخرطين كنتيجة مباشرة لارتفاع نسق التشغيل وإحداث المؤسسات العمومية والطاقة التشغيلية الكبرى في القطاع العام الذي كان يمثل الثقل الاقتصادي الأهمّ بالبلاد.

كما حافظت الصناديق خلال هذه الفترة على دورها في الضمان الاجتماعي عبر إسداء خدماتها المنوطة بعهدتها من منح عائلية وجرايات وتكاليف العلاج ومنح رأس المال عند الوفاة وجرايات الأرامل…

2– الفترة الثانية: وتمتد من النصف الثاني من الثمانينات إلى اليوم. وهي المرحلة التي دخلت فيها الصناديق مرحلة الأزمات المالية واختلال توازناتها وتوظيف مواردها لأغراض تتناقض مع دورها الأساسي. ويمكن تلخيص أسباب هذه الأزمات فيما يلي:

– التفويت في القطاع العام وما تبعه من تسريح آلاف العمّال في إطار ما سمّي بالتقاعد المبكّر

– تدنّي الطاقة التشغيلية للقطاع العام والوظيفة العمومية

– انتشار أنماط التشغيل الهشة والسمسرة باليد العاملة وشركات المناولة وما نتج عنها من تدنّي الأجور وعدم دفع الأعراف لمساهماتهم في الصناديق أو التصريح بأجور ضعيفة لا تتطابق مع الأجور الحقيقية

– تدخّل الصناديق في مجالات لا علاقة لها بدورها كالقروض وقروض الطلبة وتحمّل نفقة مجالات اجتماعية هي في الأصل من مشمولات الدولة، كمساعدة العائلات المعوزة أو صندوق النفقة وغيرها من المجالات التي هي نتيجة لتخلّي الدولة نهائيا عن دورها الاجتماعي.

كلّ ذلك كان نتيجة حتمية لتداخل مفهوم الضمان الاجتماعي مع مفهوم التضامن الاجتماعي، ويمكن التعبير عن كلّ ذلك من خلال مقولة: مساعدة الفقراء للفقراء وترك الأغنياء يزدادون غنى.

– تمويل الصناديق للمؤسسات الصحية العمومية

– عدم إيفاء الدولة بديونها للصناديق

هذا دون أن ننسى التوظيف البشع لموارد الصناديق سياسيا ودعائيا من طرف نظام بن علي.

ولقد مثلت سنة 1993 بداية الاختلال الفعلي لموازنات الصناديق، إلى أن حلّت سنة 2005 لتدشّن المرحلة الحرجة للصناديق عبر بداية استهلاكها لمدّخراتها الاستراتيجية بالكامل

الوضعيّة الماليّة للصّناديق الاجتماعيّة:

منذ سنة 2002 بدأت التوازنات المالية للصناديق الاجتماعية وخاصة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالنسبة إلى نظام الأجراء غير الفلاحيين يتدحرج نحو العجز، الذي تفاقم ليصل في حدود 2007 إلى 220 مليار، مقابل عجز بحوالي 161 مليار سنة 2005، وهو ما جعله يصل إلى وضعية كارثية في حدود سنة 2014، ليصل إلى حوالي 430 مليون دينار، خاصة وأنّ بقية الأنظمة المنضوية تحته تعاني من عجز مزمن ارتباطا بطبيعة منخرطيها.

ويظهر بجلاء النتائج السلبية للصندوقين كنتيجة حتمية لضعف نسق نمو الموارد وارتفاع نفقاتهما وخاصة النفقات التي لا تندرج ضمن مهامّهما.

وللحد من هذه الاختلالات في موازنة الصناديق التي ظهرت منذ سنة 1992،  قامت السلطة منذ سنة 1994 إلى سنة 2007 بثلاث زيادات متتالية في نسب مساهمة العمّال والأعراف بهدف تحسين الموارد وكانت حجم هذه الزيادات 7.7 بالمائة، لكن  أثبت الواقع أنّ هذه الحلول الترقيعية والتي كانت دائما على حساب العمّال غير كافية لإنقاذ الصناديق من الإفلاس.

وأمام تواصل انهيار موازنات الصناديق الاجتماعية بالبلاد، وخاصة  المتعلقة بالصندوق  الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية (CNRPS) والتي تبيّن المعطيات الرسمية أنّ هذا الصندوق مرّ عجزه المالي من 115 مليون دينار سنة 2011 إلى 189 مليون دينار سنة 2012، ليصل خلال السنة الحالية 2016 إلى حوالي 320 مليون دينار.

وبالتالي فإنه يمكن القول أنّ صناديقنا الاجتماعية دخلت مرحلة الإفلاس المحقّق، وهي بهذا النزيف المتواصل يمكن أن لا تصرف جرايات التقاعد لمنخرطيها خلال سنة 2017 إذا تواصل الوضع على ما هو عليه. حيث بيّنت وزارة الشؤون الاجتماعية أنّ عجز الصناديق سيصل إلى حدود 1100 مليون دينار أواخر سنة 2016، مع العلم أنّ المتخلّد بذمّة الدولة من أموال لصالح الصناديق يتجاوز 800 مليون دينار، لو سدّدتها لاستطاعت الصناديق أن تتجاوز ولو مرحليا وضعيتها الهشّة على المستوى المالي.

فهل السّكوت عنهذه الوضعية الكارثية، وعدم طرق نواقيس الخطر حول هذا الموضوع ذي البعد الاجتماعي والاقتصادي الهام هو هروب إلى الأمام، أم هو عجز وعدم فهم        ودراية بخطورة إفلاس الصناديق وانعكاساتها الكارثية على المجتمع بأسره؟ ذلك أنّ الصناديق تؤمّن جرايات حوالي 780 ألف متقاعد، أي ما يعادل 3 مليون مواطن.

وما هي الحلول والفرضيات التي قدّمتها الحكومات المتعاقبة لتمكين الصناديق الاجتماعية من تجاوز الاختلالات في توازناتها المالية على المدى المتوسط والبعيد؟    

 -* حسين الرحيلي 

( يتبع)

 

 

 

 

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×