الرئيسية / الافتتاحية / اليمين الفرنسي ينظّم صفوفه استعدادا لانتخابات 2017
اليمين الفرنسي ينظّم صفوفه استعدادا لانتخابات 2017

اليمين الفرنسي ينظّم صفوفه استعدادا لانتخابات 2017

 أجرت أحزاب اليمين والوسط في فرنسا انتخابات داخلية أوّلية لتعيين مرشّحها للانتخابات الرئاسية التي تدور العام القادم. وقد ترشّح لها سبعة متنافسين أبرزهم الرئيس السابق “نيكولا ساركوزي”.137

وإن كانت استطلاعات الرأي رجّحت كفّة “ألان جوبي” رئيس الحكومة السابق في عهد الرئيس شيراك، فإنّ النتائج المعلنة أعطت السبق لـ”فرانسوا فيون” الوزير الأول في عهد ساركوزي، الذي حصل على أكثر من 44 ℅ من أصوات الناخبين بينما لم يحصل “ألان جوبي” الذي احتلّ المركز الثاني سوى على 28 ℅. ونظرا إلى عدم حصول أيّ منهما على الأغلبية المطلقة، فإنّ دورا انتخابيا ثان سيجري الأحد القادم للحسم بينهما. وتبدو حظوظ “فيون” أوفر للفوز، بما أنّ أغلب المرشّحين الذين تمّت إزاحتهم عبّروا عن مساندتهم له وخاصة منهم “نيكولا ساركوزي” الحائز على المركز الثالث بنسبة تفوق 20 ℅ من أصوات الناخبين. أمّا المترشحون الخمسة المتبقّين فقد حصلوا على نسب تراوحت بين 0,3 و2,6 ℅ من أصوات الناخبين.

          وقد لفت انتباه الملاحظين الإقبال المحترم على هذه الانتخابات الداخلية من قبل أعضاء وأنصار أحزاب اليمين والوسط، إذ فاق عددهم الأربعة ملايين. وقد صرّح “فرانسوا فيون” حال الإعلان عن النتائج: “أتقدم محفوفا بناخبي اليمين والوسط الذين يريدون انتصار قيمهم، ويقيني أن لا شيء بإمكانه إيقاف أمّة تنهض من أجل عزّتها”. وأضاف “أنّ “الهزيمة” لا يجب أن تخدش كبرياء أيّ كان لأننا في حاجة إلى الجميع”.

أمّا “ألان جوبي” فإنه عبّر عن استعداده لخوض الدّور الثاني وقال إنّه قرّر مواصلة المعركة من أجل كلّ الذين آمنوا به، وبأفكاره وبالصورة التي يحملها عن فرنسا. وأضاف: “أعتقد أكثر من أيّ وقت مضى أنّ الشعب الفرنسي بحاجة إلى رصّ صفوفه لطيّ صفحة الخماسية الكارثية التي نمرّ بها والتي حطّت من منزلة فرنسا، وكذلك لقطع الطريق أمام الجبهة القومية التي قد يؤدّي بنا فوزها إلى أسوأ المغامرات”.

فيما يختلف المتنافسون؟

          لكن من المفيد أن نتساءل عمّا يفرّق المتنافسين ويسمح للناخبين بترجيح كفّة هذا عن ذاك، وهما المنتميان إلى نفس المدرسة الليبرالية والمدافعان عن سياسات التقشف الكارثية بالأمس لمّا كانا يتحمّلان المسؤولية الأولى على رأس الحكومة الفرنسية، واليوم وهما يستعدّان للرجوع إلى سدّة الحكم. وحتى خلال المواجهات التلفزية التي انتظمت قبيل هذه الانتخابات، فإنّ الفوارق بين برنامج كلّ منهما بدت جزئيّة في غالب الأحيان، ومهمّة أحيانا أخرى.

          فعلى المستوى الاقتصادي، تعهّد “فرانسوا فيون” بالتقليص في حجم النفقات العمومية في ميزانية الدولة بحجم 100 مليون يورو سنويا، كما تعهّد بالتخفيض في عدد الموظفين العموميين بحذف 500 ألف خطة خلال خماسية “حكمه” والعودة إلى العمل بنظام 39 ساعة أسبوعيا عوض الـ35 الحالية. أمّا في القطاع الخاص، فإنّ “فيون” يعد بالسماح للمؤسسات بالتفاوض حول حجم الساعات الأسبوعية على ألاّ يتعدّى الـ48 ساعة التي تسمح بها القوانين الأوروبية. كما تعهّد بالترفيع بنقطة في الأداء على القيمة المضافة من 21 إلى 22 ℅ والتخفيض في الضرائب على المؤسسات الصغرى والمتوسطة إلى حدود 30 ℅. أمّا “جوبي” فإنّه كان أكثر حذرا في كلّ هذه المسائل، فهو فإن تعهّد بالتخفيض في النفقات العمومية فإنه لم يُفصح عن رقم دقيق وجعل التخفيض يحوم حول 85 ℅، وكذلك بالنسبة إلى حذف الوظائف في القطاع العمومي، إذ حصره في رقم 200 ألف فقط. ونفس التمشي بالنسبة إلى الترفيع في ساعات العمل الأسبوعية، فهو وإن لم يقدّم رقما محدّدا بالنسبة إلى الوظيفة العمومية فإنه اعتبر أسبوع الـ39 ساعة هو المرجع بالنسبة إلى القطاع الخاص.

          أمّا على المستوى الاجتماعي، فإنّ المتنافسين يتّفقان على الإبقاء على حق المثليّين في الزواج، لكن “فيون” يريد مراجعة قانون “توبيرا” الذي يمنحهم حقّ التّبنّي، كما أنّ “جوبي” يريد مراجعة منح الجنسية للأطفال المولودين على أرض فرنسا، وربطها بضرورة إقامة أحد الأبوين بصفة مسترسلة بفرنسا. كما يختلف المتنافسان حول مسألة التعامل مع الجهاديّين الحاملين للجنسية الفرنسية. ففي حين يرى “فرانسوا فيون” ضرورة منعهم من العودة إلى فرنسا، يعتقد “جوبي” أنّ السّماح لهم بذلك ومحاكمتهم ووضعهم تحت الرّقابة أفضل.

        أمّا على مستوى السّياسة الخارجيّة، فبينما يميل “فيون” إلى مزيد التقارب مع روسيا وسوريا، ويقترح رفع الحظر المفروض أوروبيّا على روسيا منذ إقدامها على ضمّ بلاد القرم، والتعاون معها في الملف السوري، بل ويذهب إلى اقتراح إقامة تحالف مع سوريا بشّار الأسد قصد اجتثاث تنظيم الدولة الإسلامية، فإنّ “جوبي” يبدو أقل حماسا لمثل هذه المقترحات حتى وإن كان يوافق على تكثيف الحوار مع روسيا حول كل الملفات دون التخلي عن نقدها في كل ما تأتيه، ومن ذلك القصف المكثّف على حلب في الآونة الأخيرة. أمّا بالنسبة إلى الفضاء الأوروبي، فإنّ “جوبي” يؤكّد على ضرورة إعادة النظر في مؤسّسات الاتحاد الأوروبي لجعلها أقل بيروقراطية، والتقدّم أكثر باتّجاه إقامة منظومة الدفاع الأوروبية. بينما يطمح “فرانسوا فيون” إلى الذهاب أكثر من ذلك باتجاه إقامة حكومة أوروبية موحّدة لبلدان منطقة اليورو.

 مرتضى العبيدي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×