الرئيسية / صوت الوطن / دفاعا عن سيادة تونس على ثرواتها: الشّعب التونسي يخوض معركة جوهريّة
دفاعا عن سيادة تونس على ثرواتها:  الشّعب التونسي يخوض معركة جوهريّة

دفاعا عن سيادة تونس على ثرواتها: الشّعب التونسي يخوض معركة جوهريّة

في خطوة فاجأت البعض، وانتظرها آخرون، حصل المحظور في تطاوين، التي أعلن جزء هام من شبابها وأهاليها منذ مدّة تنظيم حركة احتجاجية واسعة ومنظّمة دفاعا عن حق أبناء الجهة في التشغيل، وفي التنمية، التي ظلّت غائبة لعقود من الزّمن. حصل المحظور بتنظيم هجوم على اعتصام الكامور الذي تحوّل جزء منه الى “الفانة” أو محطّة الضخّ.الإفتتاحية

ولئن اجتنب الجيش التّصادم مع المعتصمين وفضّل مواصلة التّفاوض معهم، بل ولم يردّ الفعل عن قطع الضخ أو التّخفيض فيه حقنا للدماء في لحظات هي الأصعب في مسار الحركة الاحتجاجية، فإنّ قوّات الأمن لم تتوان عن التدخل بعد أن جاءتها التّعزيزات من خارج تطاوين.

لقد انقضّت هذه القوّات عن المعتصمين العزّل، فأحرقت خيامهم ومؤنهم، وانهالت بالعصيّ على أجسادهم المنهكة ورشّتهم بوابل من الغازات المسيلة للدّموع ولم تتورّع عن دهس البعض منهم بسيّاراتها رباعية الدفع، التي كانت تتحرّك بصورة جنونيّة، فكان الشّهيد الأوّل أحمد السّكرافي الذي قضى يوم الإثنين في مستشفى تطاوين، ثمّ الشّهيد الثاني عبد الله العوال، الذي قضى نحبه في اليوم الموالي بمستشفى صفاقس متأثرا بجروحه.

لقد خلقت هذه الهجمة القمعيّة الشرسة والحاقدة التي تأتي بعد زمن قليل من خطاب رئيس الدّولة، الذي هدّد فيه وتوعّد، حالة احتقان شديدة فتجمّع الأهالي صبيحة الإثنين أمام مقرّ الولاية، فكانوا هم أيضا على موعد مع للعصا والغازات المسيلة للدّموع وربّما، حسب ما بثّت بعض وسائل الإعلام، مع الرّصاص المطّاطي. وكانت النتيجة طبعا جرحى وإغماءات وإصابات شملت مواطنين كما أمنيين. وبعد ذلك حصل بشكل مريب فراغ أمني ترتّب عنه حرق ونهب مقرّات ومؤسّسات رسميّة.

إنّ استعراضنا لهذه المعطيات إنما الغرض منه إبراز شراسة رد فعل السلطة كلما احتج الفقراء والمعدمون، وهذه الشراسة تتضاعف إن طُرح موضوع الثروات الوطنيّة، وخاصة موضوع الطاقة الذي ظلّ إلى اليوم صندوقا أسود لا يعلم تفاصيله إلّا المتنّفذون والمتحكّمون والمستفيدون. ويزداد انزعاج السّلطة حينما تتنامى هنا وهناك حركات اجتماعية مدنيّة للمطالبة بكشف حقيقة الموارد الطبيعية والمقدّرات الباطنيّة لتونس، وخاصة كشف حقيقة العقود وتفاصيلها والمنتفعين منها، والأهمّ من ذلك نصيب الدولة التونسيّة من هذه المقدّرات.

إنّ منظومة الحكم وخدمها يريدون صرف الأنظار عن جوهر هذا الملفّ بطرح مسائل جانبيّة مثل كمية الثروة ومقدارها، نازعين إلى التّقليل من أهميّتها. ونحن نعتبر هذا الأمر ثانويّا، والأساسي في تقديرنا هو من المستفيد من كميّة النفط والغاز والفسفاط والملح وغيرها من الثروات، مهما كان حجمها، بل حتّى إن كانت ضئيلة إن سلّمنا بذلك. إنّ ما يزعج التحالف الطبقي السّائد هو كشف من المستفيد حقّا من هذه الثّروات، سواء في الدّاخل أو في الخارج، ونقصد الشركات والاحتكارات العالمية التي تمتصّ خيرات تونس دون أن يكون للدولة التونسية منها نصيب هام. مع العلم أنّ بعض الاتفاقيات مثل التي تشمل الملح تعود إلى فترة الاستعمار المباشر، وهي أصلا اتفاقيّات مهينة على كل الأصعدة، ولم يتجرّأ حكّام تونس قبل الثورة وبعدها حتى على المطالبة بمراجعتها.

نحن نعتقد أن من حق الشعب التونسي الاطّلاع على اتفاقيّات الاستغلال وعقوده، فهذا مضمون دستوريّا بمقتضى الحقّ في النّفاذ إلى المعلومة، كما أنّ من حقّ التّونسيين المطالبة بمراجعة هذه الاتّفاقيات بما يحفظ مصالحهم ومصالح بلادهم (الفصل 13 من الدّستور)، وفوق هذا كلّه، فمن حقّ الشعب أن يطالب بسيادته الفعليّة على ثرواته مهما كان حجمها، وهذا لبّ المعركة اليوم. وحزب العمال، مثله مثل الجبهة الشعبية، وقوى أخرى سياسية واجتماعية ومدنية، يناضل من أجل سيطرة تونس على ثرواتها، إن تأميمًا بالنّسبة للثروات غير المؤمّمة، أو تصرّفا بالنسبة إلى الثروات التي تملكها إسميّا الدّولة وتتصرّف فيها واقعا شركات أجنبيّة ومحليّة.

إنّ تكريس هذا الخيار، يرتبط في اعتقادنا بالإرادة السياسية لا أكثر ولا أقل. وهي إرادة معاقة ومرتبكة ومتورّطة وتابعة عند الائتلاف الطبقي والسياسي السائد، وهذا ما يفسر تشنّج مكونات الحكم وذيولهم بمناسبة طرح هذا الملف. من هذه الزاوية تعتبر نضالات أبناء شعبنا في تطاوين وقبلّي وقفصة وقابس وماجل بلعبّاس وغيرها، والتي لم يكن نصيبها سوى مزيدا من الفاقة والبؤس والتّهميش، نضالات هامة وفي قلب التناقض الرئيسي الذي يشق بلادنا والذي يقابل بين الشعب التونسي من جهة وبين الدول والشركات والمؤسّسات الامبريالية ووكلائها المحليّين المرتبطين بها عضويا، من جهة أخرى.

إن حزب العمال منحاز للمطالب العادلة والمشروعة لجماهير شعبنا سواء ما تعلّق منها بالحق في تخصيص نسبة من عائدات الثروات المعنيّة للتنمية الجهوية أو ما تعلق بالحق في السّيادة على الثروة وهو شعار مركزي من شعارات الثورة. إن هذه المعركة قد انطلقت وما على شعبنا وقواه الوطنية الحقيقية إلّا مواصلتها، ولن ترهبنا في ذلك حملات التّشويه والمغالطة مهما تفنّنت البرجوازية العميلة في تنظيمها ومهما جنّدت من أبواق، فالمسقبل للشعب ولقضاياه العادلة، وان سقوط الشهداء برصاص الغدر الطبقي سيعمّد هذه المعارك الاجتماعية والوطنية ويزيدها صلابة، وما على القوى الثوريّة والتقدّميّة، ومنها خاصّة الجبهة الشعبيّة، إلاّ أن تستوعب اللّحظة وتفتح الأفق، مشروعا وبرنامجا وتنظيما لجماهير الشعب كي تنجح في مسارها الثوري، الذي بدأته منذ 17 ديسمبر 2010 وتمّ الالتفاف عليه، وتحقّق بالملموس ذلك الشّعار الذي أطّر ثورتها “شغل، حرية، كرامة وطنيّة”.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×