الرئيسية / صوت الجهات / هل تتعرّض قابس إلى عمليّة تحيّل حكومي ثالثة؟
هل تتعرّض قابس إلى عمليّة تحيّل حكومي ثالثة؟

هل تتعرّض قابس إلى عمليّة تحيّل حكومي ثالثة؟

لو أردنا استعراض الكارثة البيئية التي تعيشها ولاية قابس، وجب علينا العودة بعقارب الساعة إلى خمسين سنة خلت ولتطلّب الأمر منا مجلدات. ولو أردنا استعراض ما عاشه الأهالي طيلة هذه السنين الطوال من آلام ومآسي لتطلّب الأمر وقتا طويلا.

لكننا سوف نقتصر على ما بعد ثورة الحرية والكرامة. حيث تواصلت معاناة أهالي قابس الذين هبّوا مثل غيرهم ببقية الجهات المهمّشة للمطالبة بحقهم في حياة كريمة وبيئة سليمة وبحر نظيف وهواء نقي، لعلّهم يضمنوا للأجيال القادمة ظروف حياة أفضل، خالية من الأمراض القاتلة والمعدية التي تفشّت منذ انتصاب معامل الموت بالمنطقة الصناعية التي دمّرت البحر بكلّ مقوّماته والواحة والبشر.

 وتقدّم الأهالي بمقترحاتهم العملية والقابلة للتنفيذ، مراوحين في ذلك بين الحوار الهادئ والتحركات الاحتجاجية كردة فعل منهم على الصمت المريب الذي قوبلت به مطالبهم ممّا تسبّب في شعور بالإحباط واليأس لدى البعض. وأمام ضغوطات المجتمع المدني بكلّ مكوناته، فُرض على حكومة الترويكا عقد مجلس وزاري خاص بالجهة في 5 ديسمبر 2013 صدرت عنه مجموعة من القرارات في علاقة بالجانب البيئي والصحي والتنموي والبنية التحتية. لكن لا يعدو أن يكون ذلك سوى عملية تسويف ممنهجة لربح الوقت بهدف تخفيف الاحتقان الاجتماعي، الذي تشهده كل جهات البلاد، والتململ الذي أصبحت تُجابه به الحكومة في تعاطيها مع استحقاقات الجهات.

ومرت تلك الفترة وبقيت قرارات الحكومة حبرا على ورق. وتملّصت منها الحكومة التي خلّفتها، ليعاود الأهالي سلسلة تحرّكاتهم الاحتجاجية التي شهدت تطورا نوعيا في الدفاع عن حق الجهة في بيئة سليمة وتشغيل شبابها باعتبارها تحتل المرتبة الرابعة وطنيا من حيث نسبة ارتفاع البطالة إضافة إلى الوضع الصحي المتردي بشهادة المختصين، ليصل الأمر إلى شل حركة السكة الحديدية بنشاطيها التجاري الحامل لمادة الفسفاط من منطقة الحوض المنجمي إلى غاية مصانع المجمع الكيميائي بقابس ونقل المسافرين بالقطار الذي يؤمّن رحلات عبر الترابط بين جهات الجنوب وشمال البلاد.

ودامت هذه الحالة ما يفوق الشهر لتستجيب عندها رئاسة الحكومة وتعقد مجلس وزاري ثان بقابس يوم 25 جوان 2015 حضره عدد من الوزراء ومكونات المجتمع المدني والمنظمات في مقدمتها الاتحاد الجهوي للشغل ليستعيد ما قرّره المجلس الوزاري السابق معزّزا بعدد من المطالب المضافة منها الفلاحي والثقافي والرياضي والعقاري والتنموي. ووضعت لها رزنامة زمنية ورصدت لها الأموال الضرورية لإنجازها في مواعيدها. فرفع المحتجون اعتصامهم. وعادت حركة القطار إلى طبيعتها. وانتظر الجميع دخول المشاريع المبرمجة حيّز التطبيق، ليتفطّنوا أنّ الحكومة مفلسة وفاقدة للثقة وأعجز من أن تُوفي بتعهداتها التي قطعتها على نفسها ليس بجهة قابس فحسب بل بكل الجهات.

 وماذا يمكن أن يكون مصير حكومة مهزوزة تخضع لضغوطات بعض الأحزاب والشخصيات النافذة بعيدا عن مراعاة المصلحة العامة، ممّا دفع المنظمات والأحزاب التقدمية بالمطالبة بإقالتها وتعويضها بحكومة وحدة وطنية توضع لها طريقة تسير على هديها. ومع قدوم الحكومة الجديدة، عاود أهالي قابس طرح مطالبهم القديمة الجديدة المبرمجة منذ سنة 2015. لكن الحكومة تنكّرت لما تعهّدت به سابقاتها، متعلّلة بأنّ الوضع المالي بالبلاد لا يستجيب إلى تنفيذ كل المشاريع المبرمجة، ممّا دفع الأهالي إلى معاودة التحرك في الجانب البيئي خاصة الذي حدّد له المجلس الجهوي تاريخ 30 جوان 2017 كموعد نهائي لوقف صب مادة “الفوسفوجيبس” في البحر.

وتكفل الطرف النقابي بتبنّي المسائل الصحية والتنموية والبنية التحتية والتشغيل وكل القرارات التي أقرّها المجلس الوزاري سنة 2015 ليصل به الأمر إلى عقد هيئة إدارية جهوية يوم 27 جوان 2017 برئاسة الأمين العام المساعد سامي الطاهري تمّ خلالها إقرار مبدأ الإضراب العام بيوم واحد بكل القطاعات بالولاية.

 وفي المقابل توجهت أنظار الجميع إلى المجلس الوزاري الذي انعقد بمقر رئاسة الحكومة للنظر في مرحلة أولى في الوضع البيئي بالجهة. لكن النتائج جاءت دون انتظارات الأهالي. حيث اعتمد المجلس للمرة الثالثة سياسة التسويف والمماطلة بوضع برنامج لتفكيك المعامل الكيميائية ونقلها إلى مكان آخر في غضون ستة أشهر، في حين أنّ الدراسة الميدانية التي قام بها خبراء الجهة بثلاثة مواقع تُثبت قابليتها لعملية تكديس الفوسفوجيبس ريثما تتّخذ الدوائر المسؤولة قرارها في نقل المعامل لاحقا. وقد راعت الدراسة الجوانب الصحية والجيولوجية وحماية المائدة المائية. لكنّ الحكومة الحالية مازالت تسير على خطى سابقاتها تبني قراراتها على وقع ردود أفعال البعض لتؤجّل بذلك عملية وقف صب مادة الفوسفوجيبس المدمرة للبحر لما يقارب الثلاثين سنة أخرى بكلفة تفوق ثلاثة آلاف مليار من المليمات، وهو مبلغ ضخم يصعب توفيره في ظلّ الوضعية الاقتصادية المتردية التي تمرّ بها البلاد. لقد عاشت قابس عملية تحيّل من قبل الحكومات سنة 2013 ثم سنة 2015 وها هي تعيد الكرّة سنة 2017. نفس المطالب تراوح مكانها بنفس الوعود وطريقة التسويف السخيفة. ويبقى لدى الجميع بصيص من الأمل في الجلسة المرتقبة بين الطرف النقابي والحكومة في خصوص مطالب الجهة الواردة في لائحة الهيئة الإدارية الجهوية لعلّها تخفّف من وطأة الشعور بالغبن والقهر ممّا تأتيه الحكومات في حقّ أبناء الشعب الذي رفعوا شعار “شغل حرية كرامة وطنية” وأقرّ الدستور حقّهم في الصحة والبيئة السليمة والشغل والتنمية.

عبد الخالق قفراش                     

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×