الرئيسية / أقلام / وباء الكورونا ووباء البرجوازية المتعفّنة
وباء الكورونا ووباء البرجوازية المتعفّنة

وباء الكورونا ووباء البرجوازية المتعفّنة

إن أولى واجبات القوى الثورية اليوم هي الحرص على عدم الإصابة، ليس فقط بعدوى الكورونا، ولكن أيضا بعدوى الإيديولوجيا البرجوازية، أي الحرص على يقظة وعيهم الطبقي والحفاظ على استقلالية خطابهم ورايتهم وبرامجهم عن كل الخطابات والرّايات البرجوازية الرّسمية أو المدُّعية للمعارضة والوقوف في وجه أرباب العمل الذين يحرصون على تكديس الأرباح قبل الحفاظ على الأرواح.

البورجوازية وحكومتها تغالط

وتطلق الدعاية البرجوازية يوميّا التأوّهات الأخلاقية ودعوات التعفّف والوحدة الوطنية الكاذبة، فتقيّد أيدي الشغيلة وعموم المفقرين وتنزع سلاح النضال من أيديهم بحكم الخوف من العدوى وبحكم حالة الطوارئ العامة. دعاية وبائيّة خطيرة تدسّ السّم في الدّسم، وتوجّه أساسا إلى الأصوات الرافضة للخيارات الاقتصادية والاجتماعية النيوليبرالية التي تصرّ الدولة على مواصلة تنفيذها غير عابئة بأزمة الكورونا الفتاكة. دعاية تصرّح أو تلوّح بالعودة إلى العمل وإعادة تشغيل المصانع والشركات في القطاع الخاص بتعلّة عدم القدرة على خلاص جرايات العمال. دعاية الرّفع التدريجي للحجر الصحي، والحال أننا لم نبلغ بعد ذروة انتشار الوباء الذي يتطوّر بسرعة فائقة، تواجهه حكومة الأيادي المرتعشة بالارتباك والارتجال وعشوائية القرارات، مُلقِية المسؤولية الكلية على المواطنين “المستهترين” !!!

يحقّ لنا أن نسائل الحكومة: أين مسؤولية أجهزة الدولة أمام تجمعات “المستهترين”؟ لماذا كل هذا التضارب بين تعليمات وزارة الصحّة والإجراءات الفوضوية لوزارة الشؤون الاجتماعية؟ أين دور الدولة في عقلنة توزيع الإعانات الاجتماعية بما يجنّب الاكتظاظ المسبّب للعدوى؟ أين حالة الطوارئ الاجتماعية المصاحبة بالضرورة للحجر الصحّي؟ لماذا يتساهل الأمن في الحدّ من التجمعات ولا يلعب دوره كاملا في تنظيم الطوابير أمام الإدارات؟ لماذا لا تتكلّم الرئاسات الثلاثة بلغة واحدة موحدة؟ عديدة هي الأسئلة الحارقة التي لا تجيب عليها حكومتنا ومسؤولي الدولة.

إن صدمات الكوارث والجوائح تعرّي حقيقة الحكومات الطبقية وإجراءاتها الشكلية، وتكشف كل يوم تنازع صلاحيات هيئاتها وأجهزتها، ناهيك عن أنها تعطّل الوعي الطّبقي وتشتّت مقاومة الطبقات الشعبية وتشقّ صفوفهم بديماغوجية شعارات الوفاق الطبقي، ذلك أن الأوبئة البيولوجيّة ليست فوق الصراع الطبقي ولا تتساوى إمكانات البقاء في وجه الوباء بين البرجوازية، التي تملك إمكانيات البقاء، والشغيلة التي تجرّد منها وسائل الوقاية والبقاء بحكم الفقر والخصاصة وموقعها من عملية الإنتاج. وبالتالي نشهد اليوم على وجود حجر صحي بسرعتين: واحد للأغنياء والآخر للفقراء.

لنقاوم الوباء والمنظومة الموبوءة

وبصفة عامة فإن الأسباب القريبة والبعيدة للأوبئة تكمن في بنية النظام الرأسمالي الموبوء أصلا، لكن مقاومتها والحد من انتشارها والقضاء عليها أمر ممكن من خلال تركيز كل موارد المجتمع تحت سلطة مركزية ديمقراطية في خدمة الشعب توفر إمكانيات فعلية جبارة لمواجه الجائحة، ترتكز على التّرابط بين التدابير الصحّية العامة الفعّالة وظروف العمل، والهشاشة والفقر على المستوى الداخلي، كما تربط مكافحة الفيروس بتعليق سداد الديون الخارجية والترشيد الصّارم للتوريد وإيقاف تحويل مرابيح الشركات الأجنبية للخارج على المستوى الوطني .

إن واجب الثّوريين المباشر هو الانخراط في حملات التوعية للوقاية من الوباء، وفي نفس الوقت ربطه بأسبابه الحقيقيّة، لقطع الطّريق أمام التفسيرات الماورائية والمثالية التي تبرّؤ الرأسمالية وتغضّ الطرف عن تجاوزات أرباب العمل وحكوماتهم الرجعية، وتسعى في نهاية المطاف لتوجيه وعي الطبقات الشعبية إلى حلول لن تُسفِر إلّا عن استمرار الكارثة الاجتماعيّة وتمهيد الأرضيّة لعودة أوبئة فتّاكة أكثر.

كما أن من واجبهم أيضا وأكثر من أي وقت مضى الدعاية للبديل المجتمعي الذي يستند الى الدولة الوطنية الديمقراطية ذات الأفق الاشتراكي المبني على الدفاع عن القطاع العمومي والدور الاجتماعي للدولة، دولة الرعاية الصحية والرفاه الاجتماعي والتعليم العمومي والبيئة السليمة والاستثمار في البشر عوضا عن الحجر أي تشجيع البحث العلمي وتطوير ميزانيّته ونشر قيم التضامن الأممي وبين الشعوب التي أثبتت التجربة فشل الرأسمالية في تكريسها.

الناصر بن رمضان

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×