الرئيسية / صوت الوطن / ما بعد الوباء: يتطلّب قطيعة شاملة مع منظومة الصّحة الحاليّة
ما بعد الوباء: يتطلّب قطيعة شاملة مع منظومة الصّحة الحاليّة

ما بعد الوباء: يتطلّب قطيعة شاملة مع منظومة الصّحة الحاليّة

 يحتاج المجتمع إلى مؤسسات تحميه وتنظم العلاقة صلبه بين البشر بطريقة يستفيد منها الجميع. من بين أهمّ المؤسسات التي يحتاجها الإنسان تلك الخاصة بالمجالات الحيوية من أجل العيش الكريم. إلا أن تطور المنظومة الاقتصادية والاجتماعية سارت في اتّجاه تنظيم مؤسّسات المجتمع بطريقة تخدم هدف الرّبح بدل الإنسان.

نواجه اليوم الوباء بمؤسسات عاجزة عن تأمين السلامة، لأنها لم تكن منذ البداية موضوعة ومكرّسة لحمايتنا. فالصّحة مثلا نحن نعتبرها أولويّة مطلقة، لذلك كنّا دائما نطالب بتعميمها. وتعني الصحّة المستشفيات والأطباء والصيدليات والإطار شبه الطبّي من مختلف الاختصاصات والبحث العلمي بمخابر متطوّرة ولديها كافة الإمكانيات. لكلّ ذلك دافعنا على عموميّة هذا المرفق. لكنهم جعلوا من الصّحة مجالاً للرّبح والابتزاز واللّصوصية والمتاجرة في صحّة الإنسان.

بفعل الوباء اليوم، يتبيّن للجميع حجم الضّرر الذي مارسوه منذ سنوات من خلال تكريس ثقافة “المؤسسات الخاصة لديها دور فعال”، وبالفعل دورها فعّال في نهب المال والتلاعب بصحّة البشر.

ما قبل الوباء، كلّكم تتذكرون كيف أنهم حرّضوا المواطنين وشوّهوا العاملين في قطاع الصّحة وفي قطاع التعليم وهاجموا عمّال النظافة وشوّهوا رموزهم حتى أنّ العنف الذي طال تلك القطاعات بات ظاهرة مرافقة ويومية.

إنّهم يتناسون اليوم كلّ ما فعلوه، ويتظاهرون بإنسانية عالية في وسائل الإعلام، ولكنهم في نفس الوقت يرتكبون جريمة أخرى أخطر ممّا فعلوه في الماضي، وهي محاولة محاصرة الوباء ثم العودة بنا إلى منظومة صحّية سابقة للجائحة أظهرت فشلها في حماية التونسيين.

لقد حان الوقت لإعلان تركيز مراكز وطنية للبحوث الطبية، سواء الجرثومية أو غيرها، وتمويلها وتشريكها في تسيير المرفق الصّحي.

لقد حان الوقت لمجانية الصّحة وعودة مخابر التحاليل الطبية إلى المستشفيات وتوفير الأدوية بصيدليات المؤسسات الصحية وانتداب كافة الأطباء العاطلين عن العمل.

 لقد حان الوقت لتقليم أظافر المصحّات الخاصة التي تحوّلت إلى أكبر خطر على المستشفيات العمومية، ولكم دليل على ذلك ما يقومون به من نهب دائمٍ، سواء للكوادر أو تحويلهم المرضى إلى سوق “من يدفع أكثر”.

في كلمة، لقد حان الوقت لسياسة صحّية جديدة تقوم على الإنسان أوّلا.

ليس أمامنا غير طريق العلم والمعرفة لمجابهة المستقبل، فالطريق من أجل تأمين حياة الإنسان لا تزال طويلة في كافة مناطق العالم ومنها بالأخصّ في تونس. وتامين ذلك الطريق لا يمكن أن يكون عبر تركيز مؤسّسات مجتمعيّة قائمة على جشع بعض أفراد. لقد أثبتت الدول الاشتراكية، ورغم انهيار التجربة، أنها كانت الأقرب إلى الإنسانية في مجال الصحة والعلوم الطبية ومقاومة الآفات، سواء كان منها المرض أو غيرها من الآفات الطبيعة.

وإذا كانوا يعتبرون أن تأميم قطاع الصحة وإعادة بناءه على أسس جديدة قوامها الإنسان وإعلاء البحث العلمي والإطار الطبي والشبه طبي مزايدة فإننا نعتبر أن أكبر مزايدة وأكبر جهل ما يقومون به من تدمير مستمرٍّ لكافة عناصر تضامن البشر فيما بينهم، ومن بين ذلك اشتراكيّتهم في الصحة.

ومن الواضح أننا لا نتّهم الضّمير الغالب والذي تقديره هو، بل نقصد المنظومة السياسية الحاكمة بكافة مكوّناتها. فمعركتنا مع الوباء هي معركة تحتاج إلى أسلحة من طبيعة جنس المهاجم، وتعني تعلّم درس أنّ مرحلة ما قبل الوباء وما بعده لن تكون إلا بتفكيرٍ جديدٍ ورؤية جديدة منتصرة إلى الإنسان وليس إلى ربح المعركة والعودة إلى ما كنّا عليه، مثلما هو حال الإجراءات المتخذة الآن من قبل فريق الحكم.

لقد بيّنت أوضاع الأزمة الوبائيّة التي نعيشها أن الأولويات التي دافعنا عنها ولا نزال هي الأرقى والأوضح والأسلم لخدمة الوطن والمواطن.

لطفي الهمامي

.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×