الرئيسية / صوت الوطن / رئيس خارج الصورة
رئيس خارج الصورة

رئيس خارج الصورة

منيرة يعقوب

الآن وقد اانتهت زيارة الرّئيس قيس سعيّد لفرنسا وبقطع النّظر عمّا أثاره البعض من “ااحترازات شكليّة” حول البروتوكول أو مدى”حرارة اللّقاء” بنظيره الفرنسي يمكن إثارة بعض الملاحظات خاصّة بما جاء في اللّقاءين الإعلاميّين (مع الرّئيس الفرنسي بحدائق الإيليزي وفي حوار مع قناة 24) فلست لا خبيرة بالبروتوكول ولا مبتهجة بحفاوة ماكرون…

الأهمّ، حسب رأيي المتواضع الذي يحتمل الخطأ، هو ما صرّح به بكامل الأريحيّة. فالرّئيس قيس سعيّد كان وفيّا لما دأب عليه: تحميل القوانين “الحاليّة” على مختلف المجالات التي تنظّمها هي سبب المشاكل:

– الوضع السّياسي، النظام السّياسي والدّستور الجديد هو السّبب،

– المشهد البرلماني،القانون الاانتخابي هو السّبب،

– عدم إيفاء الدّولة بتعهّداتها (كما هو الشّأن الآن بتطاوين)،القوانين هي السّبب…

وتراكم هكذا تبريرات في خطاب رئيس دولة قد يفهم منه أنّ كلّ القوانين المنظّمة لحياة شعب ما هي سبب الخراب ولا نستغرب حينها أن تأتي مجموعات أو أطراف ما تنتهك حتّى قواعد العيش المشترك وتسعى إلى فرض نظرتها “الخاصّة” بـ”عرشها” أو”جهتها”أو “مجموعتها”… وبالمقابل، يعتبر الرّئيس قيس سعيّد أنّ “تونس لم تكن مستعمرة فرنسيّة بل محميّة” في تقيّد تام بما جاء في وثائق القوّة الااستعماريّة وهذا طبعا يُعفي المُتبنّي لطرح الحماية من أيّ حديث عن ماآسي الااستعمار ومخلّفاته.

في نفس الحديث على قناة فرنسا 24 تطرّق الرّئيس سعيّد إلى علمه بوجود مؤامرات ولكنّه يتكتّم حتّى لا يزيد من تأزّم الوضع! هل المسألة تتعلّق بعلمه بمسائل لا تتعدّى مثلا “تقطيع وترييش”داخل عائلة أو دائرة أصدقاء حتّى يصبر و”يطيّح”حفاظا على تلك العلاقات، المسألة تتعلّق بمؤامرات تظلع فيها قوى أجنبيّة بمساعدة أطراف داخليّة والمُتحدّث هو رئيس دولة وقائد أعلى للقوات المسلّحة ورئيس مجلس الأمن القومي فهل يتناسب حديثه مع موقعه؟

الواضح أنّ خلافاته مع حزب حركة النّهضة تشهد نسقا تصاعدي ممّا جعله يتطرّق إلى مسائل تهمّ الحكومة وتركيبتها ومطالب توسيع قاعدتها الحزبيّة في وسيلة إعلام أجنبيّة! وقد يكون “تعديل” موقفه من حكومة السرّاج يدخل في هذا السّياق…

كما لفت اانتباهي ااقتراح رئيس الدّولة قيس سعيّد خلال النّقطة الإعلاميّة المشتركة مع الرّئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بخصوص تسوية الوضع في ليبيا، اقتراحه يتلخّص في الااعتماد على القبائل على شاكلة ما وقع سنة 2002 بأفغانستان واانتصاب “اللّويا جيرغا”… للتّذكير فقط، “المجلس” هذا كان يتركّب من قرابة 1550 عضوا من “مشايخ القبائل”. وتمّ “تخصيص” 160 مكانا للنّساء وأفضى لااختيار حميد قرضاي… ومجلس المشايخ هذا لم يكن فيه انتخابات وأفضى إلى دستور يعتبر الشّريعة مصدرا لكلّ التّشريعات… وهذا المقترح (بالصّيغة التي ااقترحها السيّد قيس سعيّد) يثير أكثر من تساؤل، أوّلها هل يمكن ااعتماد نفس صيغة للحلّ لبلدين مختلفين تاريخا وجغرافيا وتركيبة سكّانيّة ومحيط إقليمي؟ وثانيا هل يُعقل أن يُقترح حلّ “قبلي” ونحن في العشريّة الثّالثة من القرن 21 ومن قبل رئيس دولة صعد لسدّة الحكم بفضل انتخابات عامّة ودستور ينبني على المواطنة (على الأقلّ في النّصوص)؟ ثمّ أ ليس في هذا النّوع من المقترحات شيء من “إرضاء” نظرة استعماريّة ما زالت ترى في كلّ الدّول غير المنتمية للفضاء “المتمدّن” (الدّيمقراطيّات الغربيّة) مجتمعات متخلّفة ولا يليق بها سوى النّمط القبلي؟ وحتّى لا أذهب لقراءة أخرى مفادها أنّ كلّ خطاب يشي بالأفكار العميقة لصاحبه، سأنهي بأنّ “اللّويا جيرغا” التي اانتصبت بتشجيع ودعم ومباركة الولايات المتّحدة الأمريكيّة، لم تفض إلى حدّ هذه السّاعة للاستقرار في أفغانستان التي عاشت أسبوعا دمويّا (الأسبوع الفارط) وتقول وكالات الأنباء أنّه الأكثر دمويّة منذ 18عاما.

رئيس الدّولة قيس سعيّد قد يكون مختلفا في بعض الشّكليّات عن الرؤساء السّابقين، لكن وجوهريّا وبالمحصّلة: عاد بقرض ووعود بمشاريع ستنفّذها طبعا شركات فرنسيّة كبرى…

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×