الرئيسية / صوت الجهات / ولاية جندوبة عشر سنوات من الثّورة: أهمّية الموقع وبؤس الواقع
ولاية جندوبة عشر سنوات من الثّورة: أهمّية الموقع وبؤس الواقع

ولاية جندوبة عشر سنوات من الثّورة: أهمّية الموقع وبؤس الواقع

حسين الذوادي

مازال سؤال: ماذا نالت ولاية جندوبة بعد الثّورة مطروحا بقوّة، ورغم أنّ هذا السّؤال يتعلّق بكلّ جهات البلاد إلّا أنّ اِرتباطه بولاية جندوبة يكشف تناقضات عميقة بين ما كان من المفروض أن تتمتع به هذه الولاية وبين ما هو كائن فعلا. وتقدّم الجغرافيا والتّاريخ أرقاما تكشف إحراج هذا السّؤال لدى كلّ الطّبقات الّتي حكمت ومازالت تحكم البلاد. فالولاية لا تبعد كثيرا عن العاصمة باعتبار أنّ مسافة 150 كلم لا تساوي شيئا أمام إمكانات دولة. وهي بالتّالي في محيط العاصمة وإن كان من واجب أيّ طبقة حاكمة أن تقوم بواجبها تجاه مختلف الجهات أيّا كانت المسافات. تتمتّع هذه الولاية بساحل يمتدّ على 25 كيلومترا، وهو أطول من ساحل ولاية المنستير (15 كم) وهي بالتّالي ولاية ساحليّة تتوفّر فيها مقوّمات تتجاوز ولايات أخرى بحكم مساحتها الّتي تبلغ 2% من مساحة البلاد ككلّ ونسبة سكّان مهمّة تصل إلى 34،3 % من إجمالي سكّان الشّمال الغربي و 3،6% من إجمالي سكّان البلاد. وحسب الأرقام الواردة وحسب المحتوى الجهوي من المخطّط الثّاني للتّنمية 2016 – 2020 فإنّ “الأراضي الصالحة للفلاحةتُعدّ 300،7 ألف هك، وهو ما يمثل حوالي 97% من مساحة الولاية منها 170 ألف هك محترثة و 130،7 ألف هك غابات ومراع.

وتعتبر الجهة الخزان المائي للبلاد حيث تقدر الموارد المائية بنحو 703 مليون متر مكعب، تمّ التحكم في نسبة 59 % منها بخمسة سدود كبرى: بوهرتمة – بني مطير – بربرة – المولى- الزرقة و17 سدّا تلّيا و40 بحيرة جبلية. وتدعم هذه الموارد المائية المعبئة نحو 40 ألف هك من المناطق السقوية والمخزون الوطني من مياه الشرب”. غير أنّ ثراء المشهد الطّبيعي في الولاية لم يستثمر بشكل كامل وكاف باعتبار أنّه يتركزّ في طبرقة وعين دراهم ونسبيّا في حمّام بورقيبة. ورغم أنّ ولاية جندوبة تزخر بتاريخ ضارب في القدم إلاّ أنّ رصيدها ينحصر في منطقتين فقط هما بلاريجيا وشمتو. وهذا يعود بشكل واضح إلى الإهمال في مستوى البحوث والحفريّات المختصّة في هذا الشأن من الحكومات المتعاقبة. ومع ذلك فإنّ القطاع السّياحي في الجهة يمرّ بأسوإ فتراته منذ 2011 إلى اليوم. فإغلاق النّزل يتواتر بشكل مكثّف إضافة إلى أنّ أغلبها تعمل بشكل موسميّ، وتضاف إلى ذلك أزمة مطار طبرقة والمناطق السّياحيّة عموما، وهو أمر يكشف التّناقض بين ما يتوفّر في الجهة من إمكانات وبين إنجازات الحكومات المتعاقبة في الولاية الّتي ظلّت ذات طابع ريفي.

إذ يبلغ سكّان المناطق الغابيّة 220 ألف ساكن 52 % من سكّان الجهة البالغ عددهم 400 ألف ساكن، وبالتّالي فإنّ النّشاط الغالب هو العمل الفلاحي الّذي يستقطب ثلث الكادحات والكادحين الّذين يوفّرون للبلاد 20 % من البطاطا و13 % من الألبان و10 % من الحبوب و8 % من اللّحوم الحمراء و90 % من الإنتاج الوطني للخفاف. ويلاحظ في هذا الخصوص استغلالا غير كاف للثّروة السّمكية المقدرة بـ20 ألف طن. ومن المفارقات الّتي سيقع بيانها لاحقا أنّ ولاية جندوبة ومعتمديّاتها تحتلّ المرتبة الأخيرة في مؤشّر التّنمية الجهويّة لسنة 2015، إذ تنتشر الأمّية بنسبة 32 % والبطالة بنسبة 25،6 ، ويفوق عدد العائلات “المعوزة” 20 ألف عائلة، وتبعا لهذا فإنّ حقوق ومقوّمات العيش الإنساني غير متوفّرة لدى الأغلبيّة ومازالت مطالب عالقة: السّكن اللاّئق، الصّحة، الماء الصّالح للشراب، المسالك الرّيفية، التطهير، وهو ما أثّرسلبا في التّلاميذ وتسبّب في اِرتفاع نسبة الاِنقطاع عن التعلّم وارتفاع نسبة الأمّية خاصّة بين الفتيات، وتعاني الجهة من مشكلتين تهدّدان التربة وهما: الانزلاقات الأرضيّة والانجراف المائي، وتضرّر البنية التّحتيّة والسّهول من ذلك وخاصّة في مدينتي جندوبة وبوسالم وتمثل ظواهر الحرائق والإحراق والقطع العشوائي للأشجار الغابيّة والرعي المكثّف الجائر والزّحف العمراني تهديدا مباشرا للثّروة الغابيّة والرّعويّة والحيوانيّة بالجهة، ويشمل هذا الأمرالشريط السّاحلي خاصّة في مستوى المنطقة السياحية وذلك بسبب البناءات المتاخمة للكثبان الرمليّة.

وقد تفاقم هذا المشكل عند تهيئة ميناء الصّيد البحري والميناء التّرفيهي، ومازالت الجهة تشكو عدة نقائص فيما يتعلّق بشبكات التّطهير إضافة إلى توسّع بعض التجمعات الريفية وافتقارها إلى منظومة تصريف ومعالجة المياه المستعملة وانتشار المصبّات العشوائيّة وهو ما يمثل مشكلة تهدّد الأرض والسّكان. ويضاف إلى هذا، تعطل إنجاز عدة مشاريع عمومية في المستويين الجهوي والمحليّ، وغياب أفق حقيقي للتّنفيذ رغم الوعود الدّائمة بتسريع إنجاز ما بقي مجرّد فكرة منذ سنوات. فقد زاد الوضع تردّيا بسبب عدم توفير الإمكانات اللاّزمة لتنويع النشاط الاقتصادي، المرتكز على القطاع الفلاحي الّذي يشكو من عدّة أزمات و تراجعا في مردوده بسبب تدهور أوضاع الفلاحين والعمّال وتراكم ديونهم وقدم التّجهيزات المائيّة وشبكة الرّي بالمناطق السّقوية وتردّي حالة المسالك الفلاحيّة، إضافة إلى اضطراب مسالك التّوزيع وقلّة وحدات تحويل وتصنيع المنتوجات الفلاحيّة مثل الحبوب والغلال، والخضروات، وهي مشكلة متفاقمة خاصّة في المعتمديات الحدودية والجبلية الّتي تنعدم فيها بنية صناعيّة أساسيّة : غارالدماء، وادي مليز، عين دراهم، فرنانة، بلطة بوعوان، وهي تعاني أيضا إلى جانب بقيّة المعتمديّات من ضعف الخدمات المسداة في مجالات الصّحة، والتّعليم، والنقل، والاتّصالات، والماء الصّالح للشراب، والتطهير، والتّرفيه، وغير ذلك ممّا يمكن أن يتاح بأقلّ التّكاليف مقارنة بولايات أخرى…

أين التّناقض إذن؟
إنّ التّناقض يكمن في كلّ المبرّرات الّتي تسوّقها المنظومات الطّبقيّة الحاكمة والّتي تفسّر بها تردّي واقع ولاية جندوبة، فأسوأ مشاكل ولاية جندوبة هي الحكومات المتعاقبة لأنّها أصل كلّ النّتائج الحاصلة.

أولا: إنّ ولاية جندوبة هي خزّان البلاد التّونسيّة من المياه وجمال الطّبيعة، و هي أيضا خزّان البلاد التّونسيّة من الكادحات والكادحين في كلّ القطاعات. ولا توجد ولاية من ولايات الجهة لا تستفيد من طاقات العمل القادمة من جندوبة، ويضاف إلى ذلك العدد المهمّ من العاملات والعمّال بالخارج الّذين يوفّرون للدّولة تحويلات ماليّة ضخمة بالعملة الصّعبة، وبالتّالي فإنّه من غير الدّقيق اعتبار سكّان هذه الولاية مشكلة اقتصاديّة واجتماعيّة

ثانيا: إنّ هذه الولاية ليست فقيرة بل هي مفقّرة، وهذا الأمر يخدم مصلحة أباطرة التّهريب والسّوق الموازية، وهو ما يخدم الإرهاب بالضّرورة.

ثالثا: إنّ ولاية جندوبة شريان تونس وبالتّالي فتطوّرها هو تطوّر لباقي الجهات لأنّ ما توفّره من ثروات يتحوّل إلى إنجازات في كامل البلاد وقد أدرك الرّومان ذلك منذ قرون.

رابعا: إنّ أدوات الدّعاية الليبراليّة والعولمة رسّخت التّمايز الجهوي منذ السّبعينيّات و انخرطت في اقتصاد السّوق أثناء الثّمانينات تحت مسمّى الإصلاح الهيكلي الّذي أحدثت بمقتضاه تفاوتا في توزيع الثّروات والاستثمارات فجعلت جانبا من الشّعب وجهات محدّدة خادمة لطبقات متركّزة في جهات أخرى. وهذا الأمر مازال متواصلا رغم وهم “التمييز الإيجابي” . وهو ما يكشفه واقع ولاية جندوبة وغيرها من الولايات.

أخيرا إنّ مشكلة ولاية جندوبة هي قضيّة كلّ التّونسيّات والتّونسيين تماما مثل كلّ شبر في تونس، فعندما اندلعت ثورة بن غذاهم وحلّ الاستعمار كان أهالي خمير في المقدّمة، ولكن لن يأتي الحلّ بانتظار الوعود من خدّام البنك الدّولي وأباطرة الرّأسمالّية العالميّة وإنّما بوقوف مواطنات ومواطني الجهة بقوّة من أجل حقوقهم على رأي الشّاعر:

وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّـــــــي ☀ وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِــلابا
وَما اِستَعصى عَلى قَومٍ مـَنالٌ ☀ إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُم رِكابا

( مصادر الأرقام والإحصاءات: مخطط التنمية : 2016 – 2020 – المجلد الثاني: المحتوى الجهوي)

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×