الرئيسية / القضية الفلسطينية ماي 2021 / القضيّة الفلسطينيّة بين المؤامرات الامبرياليّة والاتّفاقات المذلّة.
القضيّة الفلسطينيّة بين المؤامرات الامبرياليّة والاتّفاقات المذلّة.

القضيّة الفلسطينيّة بين المؤامرات الامبرياليّة والاتّفاقات المذلّة.

المالكي بو بكري

لم تكن الحركة الصهيونية حركة اعتباطية وهامشية بل كانت لها جذور تاريخية وسياسية اتسمت بالتآمر وارتبط انتشارها بتطور انسجام الوعي الديني لدى اليهود بحلم بناء دولة “اللبن والعسل” أو دولة شعب الله المختار على أرض فلسطين، وكذلك بتنامي نزعة التحرر من عداء السامية. ويعود تاريخ الصهيونية الحديث إلى مؤتمرها الأول في بازل سنة 1897 بقيادة تيودور هرتزل، وقد كان هذا المؤتمر منطلقا لإقرار مشروع إقامة وطن لليهود المشتتين وتأسيس المنظمة الصهيونية كذراع سياسي برآسة هرتزل، وهي المنظمة التي تتكفل بالدعاية والتخطيط والمد اللوجستي .

بعد سنوات من مؤتمر بازل تمّ إبرام اتفاقية في ماي 1916 وعلى رأسها البريطاني مارك سايكس والفرنسي جورج بيكو. ويعتبر نص التفاهم جزء من التسوية العامة المبرمة خلال الحرب العالمية الأولى بين روسيا وفرنسا وبريطانيا، حيث تقاسمت هذه الدول مساحات جغرافية واسعة وغنية بالثروات الطبيعة.

يحتوي هذا التقسيم على ولايات أرمينيا التركية وشمال كردستان وما بين النهرين قرابة بغداد والضفة الشرقية للأردن والنقب ومينائي عكا وحيفا. كما تنصّ الاتفاقية على تكوين اتحاد دويلات عربية أو دولة عربية واحدة بين الأقاليم المذكورة والتابعة للدول الموقعة. ثم تلى هذا المخطط صدور وعد بلفور 1917 وعقد اتفاقية فيصل – وايزمان 1919، وهي الاتفاقية الأكثر إخضاعا للمنطقة العربية ومن بنودها وضع الحدود النهائية بين الدولة العربية وفلسطين واعتماد العربية و اليهودية في كل من المنطقتين مع تقديم أوفى الضمانات لتنفيذ وعد الحكومة البريطانية المؤرخ في الثاني من نوفمبر سنة 1917، كما تضمّن الاتفاق تشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين وتثبيت المهاجرين عن طريق الإسكان والزراعة وقيام خبراء المنظمة الصهيونية بدراسة الإمكانيات الاقتصادية بالمنطقة العربية بدعوى التشجيع على الاستثمار ومدّ العرب بوسائل الاستخراج والتصنيع الحديثة .

وإذا اعتبرنا هذه الاتفاقية هي الأكثر تدميرا وتفكيكا للشرق العربي فإنّ ذلك يعود إلى وقوف الأمير فيصل بن حسين كممثل للمملكة العربية الحجازية موقف المهادنة والاستئخاذ التام حيث اشترط فقط استقلال الدولة العربية المتفق على حدودها الاستعمارية والتسليم بباقي بنود المعاهدة.

وفي أعقاب هذه المؤامرات دخلت المنطقة بأكملها في حروب، انتهت باحتلال عدة بلدان عربية من قبل بريطانيا وفرنسا وبعث كيان صهيوني على أرض فلسطين. وقد تميزت هذه الفترة بتمزق وتخلف الجانب العربي وأصبحت القضية الفلسطينية بعد الاحتلال العنصري لفلسطين محور الصراع العربي الصهيوني. وأمام انعدام التكافؤ في الاستراتيجيات السياسية والمقدّرات المادية والمالية والعلمية كان سهلا للكيان التوسعي بعيد انتهاء الانتداب البريطاني سنة 1947 إعلان قيام ما أسماه “دولة إسرائيل”. تمّ هذا الإعلان عقب التقسيم الذي وافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة بتصويت 33 دولة. كان هدفها حماية مصالح الغرب. لقد ظلت القضية الفلسطينية حبيسة التحالفات الغربية ورهينة السياسات الداخلية للغرب الاستعماري وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية خلال حكم ترومان الذي عوّل في انتخابات بلده على تصويت اليهود، ولم يقدر العرب على المواجهة الندية لا سيما بعد قبول دولة الكيان عضوا في الأمم المتحدة سنة 1949. ومنذ هذا التاريخ تعمقت المشاكل السياسية للعرب ومحورها القضية الفلسطينية، إذ وجدوا أنفسهم في تحارب مستمر مع العدو العنصري بدءا بحرب 1948 إلى 1956 ثم حرب أكتوبر 1973 التي حقق فيها العرب تقدما نسبيا باستعمالهم سلاح النفط. وفي غياب موقف عربي موحّد تحت سقف جامعة عربية تنخرها الصراعات والمواقف المتباينة من القوى الامبريالية ومن القضية نفسها. امتدّ التوسع الصهيوني إلى بلدان الطوق وطال الاحتلال قطاع غزة والجزء القديم من القدس. وتمكّن الكيان الغاصب من تشتيت القوى السياسية الفلسطينية والعربية بجنوحه الدموي إلى التهجير والتقتيل والاغتيال والسجن للشعب الفلسطيني ورموز المقاومة المسلحة. وقد عرف الشعب الفلسطيني أقسى المحن بعد أن خَبِر حقيقة المؤامرات والاتفاقات المذلّة وأبرزها اتفاق أوسلو. هذا الأخير الذي كانت كل فصوله تصفوية لما تبقّى من الحلم الفلسطيني مقابل إقامة سلطة ذاتية انتقالية منقادة بأوامر الأطراف الصهيونية والامبريالية ذات المصلحة والمطالبة بترويج وعود زائفة حول حق العودة والقدس والانسحاب من غزة… إلاّ أنّ الشعب الفلسطيني واجه الترسانة العسكرية للمحتل ولم يُذعن لجبروته. ومن أبرز فصول المقاومة انتفاضة أطفال الحجارة 1987 وانتفاضتي الأقصى 2000 و2015 بالإضافة إلى الحرب الفسفورية المدمّرة على قطاع غزة والاعتداءات المتكررة في الضفة الغربية. واليوم نعيش على وقع طور آخر من المقاومة المسلحة والتظاهر والإضراب في داخل الأراضي المحتلة منذ 1948، وهو ما يعني النقلة الاستراتيجية في المقاومة والارتقاء النوعي للوعي الشعبي والتجذّر أكثر لضرورة الكفاح الموحد لاستعادة الأرض المغتصبة من النهر إلى البحر، دون الالتفات إلى صراع الأقطاب السياسية ومهما كانت تفاعلاتها وتأثيراتها في الخطاب السياسي الدولي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×