الرئيسية / القضية الفلسطينية ماي 2021 / تجريم التطبيع، لماذا؟
تجريم التطبيع، لماذا؟

تجريم التطبيع، لماذا؟

علي البعزاوي

أطلق حزب العمال حملة كتابة على الجدران في عديد المدن بشعار وحيد “تجريم التطبيع يا منظومة التجويع”، تفاعلا منه مع انتفاضة الشعب الفلسطيني التي اندلعت في أحياء القدس لتنتشر وتتواصل لأكثر من عشرة أيام في غزة والضفة وكل مدن الـ48 التي تعيش مباشرة تحت الاحتلال الصهيوني وتُعامل معاملة لا إنسانية وعنصرية حيث التضييق والتنكيل والتهجير وهدم المنازل وانتزاع الأراضي واستغلال اليد العاملة على مرأى ومسمع من “المجتمع الدولي” ومن الدول العربية المتواطئة والمطبّعة في السر والعلن مع الصهاينة.

شعار معبّر
لا شك في أنّ الربط بين التطبيع والتجويع منطقي بالنظر إلى طبيعة وهوية دولة الكمبرادور في تونس التي ولئن لم تطبّع في الوضوع وبشكل رسمي وعلني مع الكيان الصهيوني مثلما تم في الحقبة النوفمبرية فإنها تصمت دائما أمام كل أشكال العمل التطبيعي الرياضي والثقافي والسياسي والاقتصادي وخاصة في مستوى السياحة والتجارة لأنّ ما يهم هذه الطبقة المافيوزية هو مصالحها الضيقة ومراكمة الثروات دون اعتبار لهوية الشعب التونسي القومية العربية ودون اعتبار للسيادة الوطنية التي وقع التفريط فيها منذ إعلان 1956 ,ودون وعي بأهمية دور تونس في إسناد الشعب الفلسطيني ودعم قضيته المشروعة.

إنّ منظومة الحكم تجوّع شعبها بفعل خياراتها اللاوطنية واللاشعبية وسياساتها التقشفية التي تسعى دائما من خلالها إلى تحميل أزمة هذه الخيارات للأغلبية الشعبية من عمال وموظفين وفلاحين صغار ومتوسطين وحرفيين وتجار وصناعيين وأصحاب مؤسسات صغرى ومتوسطة، خدمة لمصالح الأقلية الثرية وهي تسكت عن أعمال التطبيع لنفس الأسباب تقريبا، أي خدمة مصالح السماسرة ومشغليهم من الشركات والقوى والمؤسسات المالية الأجنبية.

منطقي جدا إذا أن يتمّ زواج المتعة بين تجويع الأغلبية والسكوت عن التطبيع الجاري تحت الطاولة وبطرق فجة ووقحة أحيانا. فكل شيء يهون في سبيل مصالح السماسرة الذين لا تربطهم أيّ علاقة بهذا الوطن إلاّ من زاوية ما يسمح لهم بتكديس الثروات الهائلة.

ما الجدوى من تجريم التّطبيع
إنّ النضال ضد الأقلية الجشعة المنتصبة على ظهور التونسيات والتونسيين لا يقتصر على ما يتعلق بالخيارات الاقتصادية والاجتماعية والخدمات الأساسية والحقوق والحريات الواجب توفرها والتمتع بها عمليا، ولا على ما يهم السيادة الوطنية والعدالة الاجتماعية والمساواة. بل يتعدى ذلك إلى علاقات تونس الخارجية ومنها العلاقة مع الكيان الصهيوني العنصري الغاصب لفلسطين على حساب شعبها العربي الذي تعرض ويتعرض للتهجير والقتل ويُجبر على العيش في المخيمات في ظروف لا إنسانية وقاسية.

ومن أجل منع تمدّد هذا الكيان في ربوع الوطن العربي حيث يسعى بكل الطرق إلى ربط علاقات اقتصادية وثقافية ودبلوماسية وعسكرية وتجارية مع عديد الدول العربية – وقد نجح في ذلك إلى حدود كبيرة – ومن أجل سد الباب أمام كل أشكال التطبيع الذي يتم قطرة قطرة وبأشكال مرنة وسرية، وحتى نضع حدا لكل مساعي التطبيع فقد بات من الضروري سن قانون لتجريم التطبيع، قانون من شأنه المساعدة على مساءلة المطبعين ومحاسبتهم قانونيا وتسليط أقصى العقوبات عليهم.

إنّ قانون تجريم التطبيع هو شكل من الحصانة للشعب الفلسطيني الشقيق حتى لا تسقط حقوقه التاريخية بمرور الزمن وللشعب التونسي حتى لا يبتلع حربوشة التطبيع التي بات يروّج لها كالافيون بل كالسرطان الذي يسري في الجسد لينتهي إلى الفتك به وتدميره.

إنّ المعركة ضد التطبيع هي معركة سياسية بامتياز فإمّا أن نساعد الشعب الفلسطيني على التحرر والانعتاق ونفتح في نفس الوقت الطريق أمام الشعب التونسي من أجل تحقيق الديمقراطية الشعبية والسيادة الوطنية والعدالة الاجتماعية. وإمّا القبول بالأمر الواقع والرضوخ للتطبيع مع الكيان الصهيوني والعيش تحت أقدام السماسرة المحليين المطبّعين في السر والعلن بكل ما يعنيه ذلك من تهميش وفقر وانعدام للصحة ولكل الخدمات الأساسية. إنّ العلاقة جدلية بين تجريم التطبيع كمرحلة نحو دحر العدو الصهيوني وطرده من فلسطين وبين المشروع الوطني الديمقراطي الشعبي الذي نناضل من أجله على مستوى وطني. فهي علاقة أخذ وعطاء وتفاعل.

منظومة الحكم : موقف مزدوج
ستة سنوات ونيف ومشروع القانون الخاص بتجريم التطبيع الذي تقدمت به كتلة الجبهة الشعبية يراوح مكانه في أدراج مكتب المجلس لأنّ الكتل الأساسية المشكّلة للأغلبية: كتل نداء تونس والنهضة في 2014 وكتل النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة والدستوري الحر في 2019 ترفض عرضه على الجلسة العامة والمصادقة عليه.

إنّ هذه الكتل لا تدين بالولاء لشعبها ولا تستمع لنبضه القومي التحرري. بل ترتهن لأسيادها ومشغّليها إقليميا ودوليا وتأتمر بأوامرهم مقابل السند السياسي والمالي والإعلامي حتى تستمر في الحكم أو تسطو عليه من جديد. لكن هذه الكتل وأحزابها تضطرّ عندما يعلو صوت الانتفاضة الفلسطينية ويتسع مدى المساندة الشعبية عربيا وعالميا إلى محاولة الظهور بمظهر المساند للقضية والقابل بسن قانون لتجريم التطبيع. وهو ما يحصل اليوم من قبل حركة النهضة التي دعت اتباعها إلى التظاهر دعما للفلسطينيين وتنديدا بالعدوان على غزة. لكنه في الحقيقة سلوك لا يتجاوز مستوى الأقوال والشعارات ومجرد انحناء إلى حين مرور العاصفة دون اتخاذ الإجراءات العملية الملموسة التي تتمثل اليوم في سن قانون لتجريم التطبيع وهو الحد الأدنى الذي يمكن أن يتخذه نظام حكم كإجراء لدعم الفلسطينيين في قضيتهم الوطنية العادلة وتضييق الخناق على الكيان الصهيوني المجرم.

أمّا بالنسبة إلى باقي الأطراف الوازنة في المشهد السياسي فلئن خيّر الحزب الدستوري الحر الصمت وفاء منه لخطه التطبيعي المفضوح الذي سار عليه سلفه بن علي، واختبأ ائتلاف الكرامة وقلب تونس وراء تصريحات حركة النهضة الطرف الأكبر والأهم في الحزام الداعم للحكومةفإنّ رئيس الدولة اكتفى من جهته بترديد شعار “التنكر للحق الفلسطيني خيانة” قبل أن يتراجع في فرنسا على هامش انعقاد قمة تمويل الاقتصاديات الافريقية ليؤكد عبثية كلمة التطبيع ويعتبرها دخيلة. وهو هروب مقنع من موقف واضح من هذا المطلب الشعبي الذي رفعته الجماهير المحتجة ضد العدوان على الفلسطينيين.

هكذا يتعامل معسكر الرجعية بمختلف تعبيراته داخل الحكم وفي المعارضة مع قضية العرب المركزية: رفض لتجريم التطبيع والسكوت عن أعمال التطبيع المتفشية باستمرار من جهة وتظاهر بالمساندة والدعم لفلسطين والفلسطينيين كلما اضطرته الظروف إلى ذلك من جهة أخرى. مواقف مركبة ومزدوجة لا تعرف كنهها إلاّ الرجعيات العميلة التي جاءت بها صناديق الاقتراع بعد الثورة.

إنّ الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية العادلة بحاجة إلى مواقف عملية وإجراءات ملموسة لا إلى الأقوال بلا أفعال.
عاشت الثورة الفلسطينية
من أجل سن قانون يجرّم التطبيع مع الكيان الصهيوني

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×