الرئيسية / صوت العالم / العمل اليومي لحزب الطبقة العاملة بين الجماهير
العمل اليومي لحزب الطبقة العاملة بين الجماهير

العمل اليومي لحزب الطبقة العاملة بين الجماهير

الجزء 4 من 7
ترجمة مرتضى العبيدي

III ـ التغيرات الطارئة على أوضاع العمال والكادحين، وعمل الحزب

17. كانت السنوات التي سيطرت فيها التحريفية الحديثة على الحركة الشيوعية العالمية وعواقبها، أيضًا فترة حدثت فيها تطورات جديدة، بنتائج متعددة الأبعاد، لكن لم تغير لا جوهر ولا التوجهات التاريخية لسيرورة التطور الرأسمالي … ، بل عمقت تناقضاتها العدائية. إن إحدى الخصائص الأساسية لنمط الإنتاج الرأسمالي هي تجديد عملية الإنتاج وتقدمها، ولا سيما قاعدتها التقنية، حتى لو انقطع هذا مؤقتًا من حين لآخر في هذا البلد أو ذاك. وتستمر هذه الخاصية في مرحلة الاحتكار، المرحلة الأخيرة من الرأسمالية، لأن الاحتكار، على الرغم من تأثيره المحدود على تقدم القوى المنتجة، لا يقضي على المنافسة بل يحافظ على وجودها جنبا إلى جنب معه. إن التطور اللامتكافئ هو قانون مطلق للرأسمالية من جميع النواحي، وهو يصبح أكثر أهمية في مرحلة الاحتكار. إذ تتطور عملية الإنتاج، ولا سيما قاعدتها الفنية، بطريقة تشمل التفاوتات والارتدادات.

18. إن التطورات في عملية الإنتاج تترتب عليها حتماً عواقب تؤثر على جميع قطاعات الاقتصاد، من الصناعة إلى الزراعة، ومن النقل إلى الاتصالات، ومن التجارة إلى التمويل، ومن التعليم إلى الصحة، وكذلك في البنيتين التحتية والفوقية، وعلى جميع الطبقات الاجتماعية والعلاقات بينها. عندما تكتسب هذه التطورات طابعًا نطاطا (rebondissant)، مثل الثورة العلمية والتكنولوجية، فإن آثارها ونتائجها المتعددة تصبح أعمق وأكثر وضوحًا. إن الثورة الصناعية، وتطورات النصف الثاني، وخاصة الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وكذلك الثورة العلمية والتكنولوجية أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية وعواقبها الحالية، كلها أمثلة بارزة في هذا الصدد.

19. إن التطورات التي أحدثت تغييرات في هيكل وتركيبة الطبقة العاملة أدّت إلى نتائج متعددة الأوجه على الطبقات الاجتماعية الأخرى وكذلك على الطبقة العاملة ذاتها: فمن ناحية هنالك التمديد في ساعات العمل اليومية أو الأسبوعية أو الشهرية، وزيادة كثافة العمل وإنتاجيته؛ بصفة موازية تجديد وتطوير قطاعي النقل والاتصالات، وتحويل الإنتاج، لا سيما في الفروع التي تتطلب كثافة لليد العاملة، في جميع القطاعات تقريبًا، إلى بلدان حيث إمكانات الربح أعلى وتتميز بالقرب من الأسواق والمواد الأولية إلخ. بالإضافة إلى ما ذكر أعلاه، ونظرًا لتقدم الأساس التقني للإنتاج والتخصص وتطوير تقسيم العمل، فإن بعض المهام التي كانت جزءًا من تنظيم العمل داخل المصنع – البحث والتطوير والصيانة والإصلاح ، الأمان ، إلخ. ـ أصبحت تعتبر، جزءًا من قطاعات أخرى. بالإضافة إلى ذلك، تم نقل بعض أقسام المؤسسات الصناعية إلى قطاعات أخرى واعتبارها جزءًا منها لإضعاف وتقسيم حركة وتنظيم العمال الصناعيين. من ناحية أخرى، بالإضافة إلى الزيادة في إنتاجية العمل بسبب التقدم التقني، فقد تم إطالة ساعات العمل على مدار الثلاثين عامًا الماضية، فيتم مضاعفة الانتاج بعدد أقل من العمال. نتيجة لكل هذه التطورات والممارسات، بينما انخفضت حصة العمال الصناعيين من إجمالي العمالة في بعض البلدان، ففي العديد من البلدان الأخرى، والأهم من ذلك، على الصعيد العالمي، استمرت حصة العمال الصناعيين في إجمالي العمالة في النمو. فوفقًا لبيانات منظمة العمل الدولية، على مدى فترة 30 عامًا بين عامي 1990 و2019، زادت حصة الصناعة في إجمالي العمالة، على الرغم من التقلبات بسبب الركود والأزمات، من 22٪ (498.6 مليون) إلى 23٪ (749.6 مليون). أما حصة قطاع الخدمات فتطورت من 34٪ إلى 51٪، بينما انخفضت حصة الزراعة من 44٪ إلى 27٪.
وبالإضافة إلى الزراعة والنقل والاتصالات، انتشرت الميكنة واستخدام الآلات في جميع فروع قطاع الخدمات تقريبًا، من التمويل إلى التجارة، من التخزين إلى الخدمات المحلية، من الصحة إلى التعليم. وتطورت عملية البلترة (prolétarisation) حيث أصبحت قطاعات أكبر وأكبر من العمال امتدادًا للآلات تماما مثل البروليتاريا الصناعية. أصبحت هذه المجالات أماكن تم فيها استثمار رأس المال على نطاق واسع وتحققت أرباح ضخمة من خلال تكثيف الاستغلال. مع تزايد أهمية النقل والاتصالات في عملية الإنتاج، مع إضافة سياسات الخصخصة، أصبح المعلمون والعاملون الصحيون، على سبيل المثال، مجرد عمال بأجر إلى حد كبير. وبفضل التقدم التقني وغيره، يتم إنتاج نفس الكمية من السلع بعدد أقل من العمال، بينما يزداد استخدام المنتجات الصناعية وتتغلغل الصناعة بشكل أكبر في جميع فروع الاقتصاد. يُلاحظ سرعة تفكك طبقة الفلاحين وتقلص عددهم ونسبتهم من عموم السكان، وهو ما جعل التناقضات والانقسامات الطبقية أكثر بروزًا. وبالموازاة مع الطبقة العاملة، ازداد عدد أشباه البروليتاريا التي تتدفق إلى المناطق الحضرية. كما وصلت الهجرة الجماعية بين البلدان والقارات إلى مستويات غير مسبوقة، محدثة تحولات هامة في البلدان الرأسمالية المتقدمة. لذلك، يجب على أحزابنا ومنظماتنا مراجعة عملها في ضوء هذه التطورات وآثارها، ودفع أنشطتها إلى الأمام على أساس التحليل الملموس للظروف الملموسة. وبهذه الكيفية فقط يمكننا دفع عملنا إلى الأمام.

20. في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، انتهت الهيمنة الطويلة للتحريفية الحديثة على الحركة العمالية بتفكك الأحزاب التحريفية والكتلة التحريفية بقيادة الاتحاد السوفيتي، وأدّى تسارع التفكك إلى إضعاف الأحزاب والتيارات التحريفية بكل أشكالها. وإذا تفكك بعضها وتحولت بقاياهم إلى أحزاب اجتماعية ديمقراطية إصلاحية بتوجهات يمينية أو يسارية، حافظ آخرون على وجودهم بتجديد برامجهم. هذا التفكك، الذي صورته جميع الدوائر البرجوازية الرأسمالية على أنه إفلاس للاشتراكية، لم يُنظر إليه بهذه الطريقة فقط من قبل الأقسام المتخلفة من الجماهير ولكن أيضًا من قبل الغالبية العظمى من القطاعات المتقدمة من العمال، جزئيًا بسبب أن التحريفين المعاصرين استمروا في نظامهم، الذي كان برجوازيًا رأسماليًا في جوهره، مع الحفاظ على القشرة الاشتراكية الماركسية حتى اللحظة الأخيرة. فأطلقت البرجوازية العالمية وجميع التيارات والدوائر الرجعية، باستخدام كل الوسائل المتاحة لها، الحملة الأكثر فاعلية ضد الشيوعية من حيث النتائج، من أجل القضاء على جميع مكاسب الطبقة العاملة والشعوب، وتشويه كل ما يتعلق بالثورة والشيوعية من أجل اقتلاعه من جذوره. ومن ناحية أخرى، كان لتجديد وتقدم القاعدة التقنية للإنتاج والنقل والاتصال في هذا المسار تداعيات أثرت أيضًا على عملية التنمية، وكذلك على الطبقة العاملة والطبقات والشرائح الاجتماعية الأخرى وعلى علاقاتها المتبادلة. كان من أهم النتائج قصيرة المدى لكل هذا، إلى جانب عوامل وتطورات أخرى، إضعاف الاشتراكية بكل تياراتها، وأفكارها والتيارات المناهضة للإمبريالية، والديمقراطية التقدمية، وحتى الاشتراكية الديمقراطية بكل ما فيها، وتقوية ونشر وزيادة تأثير الأيديولوجيا والتيارات السياسية البرجوازية، من الأشكال الليبرالية والنيوليبرالية إلى الأكثر رجعية، بما في ذلك التيارات الدينية والطوائف والأفكار القروسطية بين العمال والكادحين. إن تطوير أحزابنا يعتمد، إلى حد ما، على تعزيز العمل الذي تقوم به في صلب الجماهير وتجديده والنهوض به على أساس كل هذه التطورات والظروف الملموسة في بلدانهم، وكذلك على تطوير أرضيتها الإيديولوجية – النظرية.

الهوامش

(10) بما أن جميع أنواع الانتهازية والتحريفية لها في جوهرها نفس النظرة البرجوازية للعالم، فإلى جانب خطوطها وخيبات الأمل والانحرافات التي تخلقها بين الجماهير، فإنها تهيئ الظروف لنشر وترسيخ جميع أشكال الأيديولوجيا والتيارات البرجوازية، بما في ذلك الأكثر رجعية.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×