“نعم سننتصر” على قدر أهل النصر تأتي الانتصارات

حبيب الزموري

من أكثر اللحظات المشحونة بالدلالات السياسية في افتتاح مؤتمر حزب العمال يوم 07 جويلية 2023، والتي استقطبت اهتمام الحاضرين والمتابعين لفعاليات الافتتاح، هي اللحظة التي التقط فيها ضيوف حزب العمال لشعار مؤتمره بل وتبنيهم له خلال كلماتهم التي تداولوا على إلقائها كل من وجهة نظره بطبيعة الحال. وما يعنينا هو الدلالات السياسية والاجتماعية لسرعة التقاط مختلف الفاعلين السياسيين والمدنيين الحاضرين داخل قاعة المؤتمر لهذا الشعار و إمكانيات التقاطه خارج القاعة ليتحول إلى شعار جماهيري.
لم يكن اختيار شعار المؤتمر الوطني السادس لحزب العمال عملا عفويا أو استعراضيا بقدر ما كان فعلا سياسيا واعيا نابعا من تحليل موضوعي للمرحلة التي تمر بها بلادنا منذ انقلاب 25 جويلية 2023 وحالة اليأس والإحباط التي عقبت انقشاع الأوهام والوعود الزائفة التي غلف بها قيس سعيد انقلابه وخاصة مناخ الترهيب والتخويف والإجراءات المعادية للحريات التي ما فتئ سعيد يسيّج بها نظام حكمه في ظل تفاقم عجزه عن الاستجابة لانتظارات الشعب التونسي بل في ظل تعميقه لمعاناته اليومية وتردي ظروف عيشه.
إرادة الانتصار في مواجهة إرادة الإحباط والترهيب
من هذا المنطلق كان شعار “نعم سننتصر” صرخة في وجه المنظومة التسلطية التي ركزها قيس سعيد التي راهنت على الأجهزة القمعية للدولة لإشاعة مناخ من الخوف والتردد بضرب كل من تُسوّل له نفسه مقاومة السياسات الشعبوية التي ينتهجها قيس سعيد منذ ارتقائه لسدة الرئاسة ببلادنا والتي أصبحت سياسة رسمية للدولة منذ انقلابه على الجناح الرجعي الثاني الذي كان يتقاسم معه السلطة منذ انتخابات 2019. وهو الشعار الذي يؤكد للقوى التقدمية والثورية في تونس أنّ شرارة المقاومة والثورة لا يمكن أن تنطفئ أبدا مهما كانت موازين القوى مختلة لفائدة القوى الرجعية وأنّ مسألة انتصار قضايا الثورة والشعب مرتبطة قبل كل شيء بالإيمان بتلك القضايا العادلة وامتلاك الإرادة الصلبة لتبنيها والدفاع عنها في أحلك الظروف قبل أن تكون مسألة موازين قوى. فهذه الأخيرة غير ثابتة ومتغيرة ويمكن أن تنقلب رأسا على عقب في أول منعطف تاريخي. ولكن في ظل غياب الإيمان بعدالة القضية وغياب إرادة النضال في سبيلها لن يأتي الانتصار ولو كانت القوى الناطقة بلسان تلك القضايا تُعدّ بمئات الآلاف. ومن هذا المنطلق أيضا كان شعار “نعم سننتصر” صرخة في وجوهنا نحن لنتجاوز قصورنا الذاتي ونشحذ عزائمنا وإرادتنا للدفاع عن عدالة القضايا التي نؤمن بها مهما بلغت قسوة الواقع الموضوعي الذي يحاصرنا. فهو دعوة للانتصار على التردد وعلى مختلف الأمراض التي تسربت لنا من المجتمع الاستهلاكي السلعي الذي نعيش فيه القائم على الاستعراض والتباهي وقاعدة “فلينقذ نفسه من يستطيع” (أخطا راسي وأضرب) عوض قيم التضحية ونكران الذات والنضال من أي موقع كان.
لقد بذل الجهاز الدعائي للشعبوية كل ما في وسعه لإشاعة مناخ اليأس والإحباط في المسار الثوري الذي دشنه الشعب التونسي منذ 2010 – 2011. وقد بلغت هذه المساعي الأوج منذ نجاحها في تصعيد أحد رموزها إلى سدة الرئاسة سنة 2019 ودخولها في صراع مفتوح مع شركائها في نظام الحكم حول السطو على أجهزة الدولة وتوظيفها في مزيد الانحراف بالمسار الثوري. لقد كان صراعا بين أجنحة الحكم الرجعي لا مصلحة للشعب فيه ولم يكن قيس سعيد ليحسم هذا الصراع لولا اليأس والإحباط الذي خيّم على أغلب طبقات الشعب التونسي في ظل عشرية من الالتفاف على مطالب الثورة وإغراق البلاد في الفساد السياسي والاقتصادي والأخلاقي… ولولا الأوهام والوعود الزائفة والتلاعب بمشاعر التونسيات والتونسيين من قبل قيس سعيد الذي بشّرهم بالرخاء والخلاص في المنعطف الأول من “مسار 25 جويلية المزعوم”.
ثقافة الانتصار في مواجهة ثقافة الهزيمة والاستسلام
الخطوة الأولى في مسيرة انتصار قضايا الديموقراطية والعدالة الاجتماعية والسيادة الوطنية هي ضرب المنظومة السياسية والاجتماعية والثقافية التي أشاعت مناخ اليأس والإحباط وثقافة الاستسلام والهزيمة والحلول الفردانية والانتهازية واعتناق ثقافة المقاومة والانتصار حتى ولو كان ذلك من قبل أقلية من الشعب. فتطوّر الصراع وحده كفيل بتطوير موازين القوى وتغييرها بالنظر لوهن ركائز المشروع الشعبوي وعجزه حتى عن إدارة الأزمة مثلما برعت في ذلك الديكتاتوريات السابقة.
في هذا السياق بالتحديد اختار حزب العمال شعار “نعم سننتصر” لتأسيس ثقافة سياسية ومدنية بديلة عن ثقافة الترهيب والتخويف وزرع اليأس والإحباط التي تروّج لها السلطة في صفوف الفاعلين السياسيين والنقابيين والمدنيين في سياق إفراغ الساحة تماما من أي كيانات منظمة في المجتمع باستثناء جهاز الدولة الواقع بدوره تحت سيطرة الزعيم الأوحد. قد يبدو هذا التمشي الذي انتهجه حزب العمال طوباويا للوهلة الأولى لكن الخبرة التي راكمها الحزب في مقاومة الديكتاتورية الحاكمة في تونس ومختلف المشاريع المعادية لقضايا الثورة والشعب منذ تأسيسه تسمح لنا بالتفاؤل في قدرة حزب العمال والقوى الحية للشعب التونسي في خلق وإبداع كافة الأشكال النضالية القادرة على إحياء شعلة المقاومة والإيمان بابالانتصار. لقد مر الشعب التونسي بظروف أقسى من هذه الظروف وعبّر خلالها عن قدرته على الاحتجاج والانتفاض ضد أعدائه. فالمسألة مسألة وقت فحسب بالنظر إلى تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية التي تتخبط فيها الشعبوية بسقوط وعودها الزائفة وقرب نفاد مخزونها من العبارات الرنانة وخطابات العلو الشاهق التي أصبحت موضوعا للتندر والسخرية في الداخل والخارج أكثر منها موضوعا للمتابعة والتحليل السياسي.
إنّ الإيمان بالانتصار لم يكن في أية لحظة من لحظات التاريخ مسألة موازين قوى وأغلبية وأقلية بقدر ما كان مسألة إرادة وإيمان بعدالة القضية. فمتى توفر الإيمان بعدالة القضية والإرادة الصلبة في الدفاع عنها سنجد الوسائل المناسبة لتحقيق الانتصار.
هذه كانت رسالة حزب العمال في مؤتمر “نعم سننتصر” إلى مناضليه وإلى القوى التقدمية والثورية وإلى عموم الشعب التونسي. وإنّ غدا لناظره لقريب.