قصيد “أعلنها” لسميح القاسم

إعداد إبراهيم العثماني

فاجأت المقاومة الفلسطينيّة العدوّ الصّهيونيّ المتغطرس يوم السّبت 7أكتوبر2023 وشنّت عليه هجوما مباغتا برّا وجوّا وبحرا فقتلت وسجنت واختطفت ودمّرت آلته الحربيّة، ومرّغت أنوف جنوده في التّراب وأهانتهم وأذلّتهم كما اعتادوا أن يفعلوا مع أبناء الشّعب الفلسطيني العزّل، وأنسته أسطورة التّفوّق والجيش الّذي لا يُقهر الّتي طالما تغنّى بها وأقنع بها نفسه والغرب الاستعماري وفي مقدّمته الامبرياليّة الأمريكيّة الحليف الأبدي والنّظم العربيّة الرّجعيّة والعميلة، وكبّدته خسائر لم تكن تخطر على باله ولو لحظة واحدة، ولقّنته درسا سيظلّ كابوسا يؤرّقه ويرعب الأجيال القادمة كلّما حلّت ذكرى 7أكتوبرمن كلّ سنة.
كما أنّ هذه المقاومة الباسلة المقدامة أحدثت حدثا سيكون منعرجا في تاريخ العرب المثخن بالجراح وسيبعث الرّوح في من دبّ في نفوسهم اليأس من الأنظمة العربيّة المتخاذلة، المتواطئة المطبّعة وغير المطبّعة، وسيقنع العالم أجمع بأنّ هذا العدوّ الغاشم العربيد المنفلت من عقاله ليس إلاّ “نمرا من ورق” وبأنّ إرادة الشّعوب لا تُقهر عندما تتوفّر القيادة الحكيمة.
إنّ الاستعمار وحلفاءه لا يفهمون إلاّ لغة السّلاح، وإنّ ما اُفتُكّ بالقوّة لا يُسترجع بالتّنازل والمهادنة والتّفاوض. وكلّ وطنيّ غيور على وطنه لا يعقد الصّفقات المهينة مع عدوّه ولا يستعمل معه لغة اللّين بل يردّد لغة التّهديد والوعيد مع سميح القاسم (1939-2014) أحد أعمدة القصيدة المقاومة. وبهذه المناسبة التّاريخيّة الّتي أثلجت صدور المتيّمين بحبّ فلسطين، المؤمنين بعدالة قضيّتها، المقتنعين بتحرّرها طال الزّمن أو قصر ننتقي من ديوانه “دمي على كفي” (1967) قصيد “أعلنها” الّذي أعلن فيه الحرب على العدوّ الإسرائيلي منذ عقود وكرّست المقاومة كلامه فوق أرض الواقع. ألم تر كيف أنّ الشعراء يتبعهم من يهيمون بحبّ فلسطين وينذرون حياتهم فداء لها !

أعلــــــــــنها
ما دامت لي من أرضي أشبارْ!
ما دامت لي زيتونة.
ليمونة. !
بئر. وشجيرة صُبّار.
ما دامت لي ذكرى
مكتبة صغرى
صورةُ جدّ مرحوم. وجدار
ما دامت في بلدي كلمات عربيّةْ.
وأغان شعبيّة!
ما دامت مخطوطة أشعار
وحكايا عنترة العبسي.
وحروب الدّعوة في أرض الرّومان وفي أرض الفرس
ما دامت لي عيناي
ما دامت لي شفتاي
ويداي!
ما دامت لي نفسي!
أعلنها في وجه الأعداء! ..
أعلنها.. حربا شعواء
باسم الأحرار الشّرفاء
عمّالا.. طلاّبا.. شعراء..
أعلنها.. وليشبع من خبز العار
الجوفُ الجبناء.. وأعداء الشّمس
ما زالت لي.. نفسي..
وستبقى لي.. نفسي !
وستبقى كلماتي.. خبزا وسلاحا.. في أيدي الثوار !!

المصدر: ديوان سميح القاسم- دار العودة –بيروت 1973
ص ص 478-480.