الرئيسية / صوت العالم / الذكرى 116 لثورة أكتوبر الاشتراكية المجيدة
الذكرى 116 لثورة أكتوبر الاشتراكية المجيدة

الذكرى 116 لثورة أكتوبر الاشتراكية المجيدة

منذر الخلفاوي

شهد العالم الرأسمالي عديد الثورات الشعبية والعمّالية انتهى أغلبها بالفشل، بحكم التجربة المحدودة للطبقة العاملة والفلاحين من ناحية الوعي والتنظيم، رغم أنّ إرث الفكر الاشتراكي الماركسي يعود إلى النصف الأوّل من القرن الـ19. وتعتبر كومونة باريس أوّل تجربة اشتراكية رأت النور ودامت أكثر من شهرين برهن خلالها عمّال باريس على روحٍ ثورية عالية وتم إخمادها بالحديد والنار من طرف البرجوازية.

لقد استلهم كارل ماركس وفريديريك انجلس والشيوعيون من هذه الملحمة البطولية الدروس والعبر والتعلّم خاصة من الأخطاء والنقائص. ثمّ جاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي (الحزب البلشفي لاحقا) بقيادة الثوري الماركسي العظيم فلاديمير إ. لينين الذي حوّل حلم الماركسيين والاشتراكيين إلى واقع ملموس بقيادة الطبقة العاملة والوصول بها إلى السلطة وتحقيق الاشتراكية على مساحة سدس الكرة الأرضية.
بعد انتفاضة 1905 بروسيا التي وقع قمعها من قبل القيصر ومرور الحركة الثورية بحالة جزْرٍ تعرّض أثناءها العمال والثوريون إلى القمع والملاحقة وانغلاق سياسي كبير، عادت الحركة الإضرابية والثوريّة لتستعيد حيويتها بحكم المآسي الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الشعب الروسي وبفعل وجود حزب شيوعي له من التجربة والحنكة السياسية ما يكفي لصياغة البرنامج والتكتيكات السليمة في المنعرجات المهمة.
في شهر فيفري من سنة 1917 سقط نظام القيصر لتتولّى السلطة حكومة برجوازية لها ارتباطات قوية بالرأسمالية العالمية والتي عملت على مواصلة الحرب إلى جانب الحلفاء.
على النقيض من ذلك، كانت أهداف عموم الشعب الروسي الذي أنجز لتوّه الثورة، رفض الحرب المدمّرة والتّوق للسّلم، وكانت تطلّعات الفلّاحين الفقراء، الذين ثاروا ضدّ الإقطاعيّين والملّاكين العقاريّين، الحصول على الأرض والخبز. لكن الحكومة المؤقتة الرأسمالية لم تكن ترغب ولا هي قادرة على تلبية طموحاتهم.
كان لينين وحزب البلاشفة يتابع عن كثب تطوّر نضال وتجربة العمال والفلاحين الفقراء ضدّ القيصر وخاصة تكوينهم للسوفياتات الخاصة بمختلف فئات المجتمع وكان يرى أنها يمكن أن تكون أداة للحكم ودعا بالتالي إلى عدم مساندة الحكومة بل النضال ضدّها.
إلى جانب ذلك، كانت كتابات لينين، وخاصة “أطروحات أفريل” التي طوّرها ونشرها بعد عودته من المنفى، وفيها يدعو الحزب البلشفي إلى الإطاحة بالحكومة المؤقتة والاستعاضة عنها بسوفياتات العمال والفلاحين الفقراء على طريق الثورة الاشتراكية.
كان الشعار الرئيسي الذي اعتمده البلاشفة في دعايتهم داخل السوفياتات هو السلم والخبز والأرض ممّا أهّلهم ليحوزوا ثقة الأغلبية وفي اللحظة المناسبة رفعوا شعار “كل السلطة للسوفياتات” وهو ما تمّ إنجازه فعليا بالإطاحة بالحكومة المؤقّتة عبر انتفاضة عارمة يوم 25 أكتوبر1917 (7 نوفمبر وفق التقويم الغريغوري) بقيادة الحزب البلشفي وعلى رأسه فلاديمير لينين.
منذ انتصار الثورة أصدرت السلطة التنفيذية مراسيم بخصوص السّلم والأرض بإقرار السلام مع ألمانيا وتوزيع الأرض على الفلاحين الفقراء ووقع تأميم البنوك وتحقيق مصالح الشعب وفي نفس الوقت الدفاع عن حقّ الأمم في تقرير مصيرها وإلغاء المعاهدات المُهينة وكشف اتفاقات القيصر السّرية ضد الشعوب، الخ.
حقّق حكم البلاشفة والسوفياتات النهضة الاقتصادية والاجتماعية بفضل تعميم الكهربة وتطوير وسائل الإنتاج والقوى المنتجة لتصبح من أكبر القوى الصناعية في العالم بعد أن كانت تعاني التخلف كما أنشأ اتحاد الجمهوريات السوفياتية. إلى جانب ذلك فتحت الثورة الاشتراكية آفاقا للشعوب المضطهدة للتحرر من الاستعمار والإمبريالية والرأسمالية وتحققت ثورات شعبية في عديد البلدان بقيادة الأحزاب الشيوعية الناشئة.
راهنيّة الثورة
استلهاما من ثورة أكتوبر ونجاحها في قلب سلطة الاستغلال والحروب والدمار، وبالنظر إلى مواصلة نفس المنظومة الرأسمالية الامبريالية اضطهاد شعوب العالم والطبقة العاملة والفلاحين عبر حكوماتها ومؤسساتها العسكرية والمالية كما تتفاقم أكثر فأكثر أزماتها التي برزت بشكل غير مسبوق إثر أزمة الكورونا وما عانته الشعوب من مآسي وبالمقابل ازداد الأثرياء ثراءً.
كما يشهد العالم اليوم صراعا بين أقطاب الامبريالية وخاصة بين الولايات المتحدة الامريكية وحلف الناتو من جهة وبين مجموعة البريكس من جهة ثانية، تجسّدت في الحروب الأخيرة من أجل إعادة اقتسام العالم (حرب أوكرانيا).
في نفس الوقت تعيش الشعوب من حين لآخر هبّات وانتفاضات عارمة لمقاومة السياسات النيوليبرالية والاستعمارية، ويشهد على ذلك موجة العداء للامبريالية الفرنسية في عديد دول القارة الإفريقية وتعاطف العالم مع القضية الفلسطينية ومع مقاومتها الباسلة، وهو ما ينبئ بانفجارات اجتماعية في وجه الحكومات اليمينية والرجعية والشعبويات.
إنّ ما ينقص الطبقة العاملة والشعوب هو الوعي الطبقي وهي مهمّة ملقاة على الأحزاب الشيوعية الماركسية اللينينية التي من الممكن إذا تسلّحت بالإرادة أن تنسج على منوال الحزب البلشفي لقيادة الثورات والانتفاضات وتحقيق الديمقراطية الشعبية في البلدان التابعة والاشتراكية في البلدان الرأسمالية الامبريالية.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×