الرئيسية / صوت الوطن / “صوت الشعب” تحاور الخبير لطفي بن عيسى الشركات الأهلية والاقتصاد الاجتماعي التضامني (الجزء الأول)
“صوت الشعب” تحاور الخبير لطفي بن عيسى الشركات الأهلية والاقتصاد الاجتماعي التضامني (الجزء الأول)

“صوت الشعب” تحاور الخبير لطفي بن عيسى الشركات الأهلية والاقتصاد الاجتماعي التضامني (الجزء الأول)

موضوع الشركات الأهليّة ما يزال يكتنفه كثير من الغموض والسّجال، بين من يعتبره “الحلّ السّحري” لمعالجة آفة البطالة وتنمية الجهات المحرومة، وهم أساسا أصحاب المشروع الرّئاسي “البناء القاعدي”، وبين من يعتقد أنّه مجرّد دعاية سياسيّة لأصحاب هذا المشروع نفسه ولا علاقة له بخلق الثروة ولا حلّ معضلة التشغيل.

“صوت الشعب” تفتح هذا الموضوع مع الخبير في المالية والجباية، الجامعي لطفي بن عيسى، وواحد من أهمّ من بحثوا وتعمّقوا في قانون الاقتصاد الاجتماعي التضامني، فكان لنا معه هذا اللّقاء :

لو نبدأ من البداية: ما هي الشركات الأهلية ؟
تعتبر شركة أهلية على معنى الفصل 2 من الأحكام العامة من الباب الأول من المرسوم عدد 15 لسنة 2022، مؤرخ في 20 مارس 2022، المتعلق بإحداث الشركات الأهلية كلّ شخص معنوي تحدثه مجموعة من أهالي الجهة لغاية تحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات من خلال ممارسة جماعية لنشاط اقتصادي انطلاقا من المنطقة الترابية المستقرين بها. تتمثل مهامها في بعث المشاريع الاقتصادية والتصرف فيها وإدارتها استجابة لاحتياجات المتساكنين بالجهة المعنية مع مراعاة المسؤولية المجتمعية للمؤسسة وكذلك التصرف في الأراضي الاشتراكية وذلك بهدف تحقيق التنمية الجهوية أساسا بالمعتديات وفقا للإرادة الجماعية للأهالي وتماشيا مع حاجيات مناطقهم وخصوصياتها.

أمّا المبادئ التي تعتمد عليها الشركات الأهلية فتتمثّل في أولويّة الإنسان وقيمة العمل الجماعي على الرّبح الفردي ومشاركة المواطنين في تنمية الجهات المستقرّين بها وتحقيق المصالح الفردية من خلال المصلحة المشتركة والانخراط الحر والانسحاب الإرادي ومنع كافة أشكال الاقصاء الاجتماعي والتصرف وفق قواعد الشفافية والنزاهة والمسؤولية ومساهمة المشاركين في رأس مال الشركة : سهم واحد لكل للشخص الواحد واعتماد قاعدة صوت واحد لكلّ عضو أيّا كانت قيمة مساهمته في رأس المال عند اتّخاذ القرارات وتوزيع نسبة من الفواضل الناتجة عن نشاط الشركة على المشاركين والملكيّة الجماعية غير قابلة للتقسيم والنهوض الاجتماعي والتثقيف.

لم يكتف المرسوم بالتأكيد على الاستقلالية تجاه الأحزاب السياسية، بل يمنع على الشركات الأهلية ممارسة أيّ نشاط سياسي أو الانخراط في مسارات سياسيّة أو تمويلها، كما يمنع عليها مباشرة الأعمال الخيريّة وجمع التبرّعات بأيّ عنوان كان.

أمّا الباب الثاني من الأحكام العامة فقد تناول قواعد التأسيس والمشاركة حيث تتكون الشركات الأهلية من أشخاص طبيعيين لا يقل عددهم عن 50 شخصا وتتوفّر فيهم صفة الناخب في الانتخابات البلدية. ويمكن الجمع بين صفة المشارك في الشركة الأهلية وصفة الأجير. ولا يمكن أن يقل رأس مال الشركة الأهلية المحلية (التي تنشط على مستوى المعتمدية) عن عشرة آلاف دينار وإذا كانت الشركة الأهلية جهوية فإن رأس مالها لا يمكن أن يقلّ عن عشرين ألف دينار.

تعرِض الشركات الأهلية المحلية وجوبا على الوالي المختصّ ترابيا الميزانيات التقديرية والقائمات المالية النهائية وتقارير مراقبة الحسابات وغيرها من التّبريرات. فيما تعرض الشّركات الأهلية الجهوية وجوبا على الوزير المكلّف بالاقتصاد قصد المصادقة على القانون الإطاري والهيكل التنظيمي والقانون الأساسي للأعوان ونظام التأجير.

هذا وفي صورة تحقيق الشركة الأهلية أرباحا صافية أو فوائض في موفى كل سنة محاسبية تخصص نسبة 15 % في شكل مدخرات وجوبية إلى أن تبلغ نسبة 50 % من رأس مال الشركة الأهلية ونسبة 20 % للأنشطة الاجتماعية والثقافية والبيئية. ويمكن توزيع المتبقي من الأرباح أو الفوائض في حدود نسبة لا تتجاوز 35 % بقرار من الجلسة العامة ويوظف ما زاد على ذلك في تنمية أنشطتها وتطويرها محليا أو جهويا وفي صورة إدماج الشركات الأهلية أو اندماجها أو إحالتها، يتم ضم المدخرات الوجوبية لفائدة المؤسسة الجديدة أو المستفيدة.

يدير الشّركة الأهلية مجلس إدارة يتركّب من ستّة أعضاء على الأقلّ ومن إثني عشر عضوا على الأكثر. ويكون عددهم قابلا للقسمة على ثلاثة. وينتخب أعضاء مجلس الإدارة من قبل الجلسة العامة التأسيسيّة والجلسة العامة العادية بأغلبيّة الأصوات المصرّح بها لمدة ثلاث سنوات.

ما هي ملاحظاتكم في هذا الصّدد؟
استأنس المرسوم المتعلق بإحداث الشركات الأهلية بأربعة نصوص أوّلا القانون عدد 4 لسنة 1967 المتعلق بالقانون الأساسي العام للتعاضد، ثانيا القانون عدد 94 لسنة 2005 المتعلق بالشركات التعاونية للخدمات الفلاحية، ثالثا القانون عدد 30 لسنة 2020 المتعلق بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني، رابعا مجلة الشركات التجاريّة وهو ما يفسر وجود تطابق بين تعريف مؤسسة اقتصاد اجتماعي وتضامني وتعريف الشركة الأهلية بصفتها ذوات معنوية تقوم بنشاط جماعي معتمد على اقتصاد القرب والانغراس التّرابي. كما حدّد لها نفس المهام مع إضافة التصرف في الأراضي الاشتراكية.
يلاحظ في باب الإشراف أن المرسوم المتعلق بالشركات الأهلية قد استنسخ ما جاء في القانون المتعلق بالشّركات التعاونية للخدمات الفلاحية واستورد بذلك الإشكاليات المتعلّقة باستقلالية هذه المؤسّسات فمـن ناحيــة تعتبــر هذه الشــركات ذوات معنويــة تخضـع للقانـون الخـاص في حيـن أن سـلطة الإشراف الإدارية تعتبـر أداة للمراقبــة تمارســها الســلطة المركزية علــى الــذّوات العموميــة اللامركزية. وهـو مـا يُعـدّ انحرافـا قانونيـّا عـن مفهـوم الإشراف. ومـن ناحيـة أخـرى تعانـي هذه الشركات مـن تدخّـل الإدارة في تصرّفهـا الداخلي باســم رقابــة الإشراف ممـّـا يجعلهــا تخضــع للتصــرّف المشترك مــع الإدارة العموميـة. وبهـذا المعنى فـإنّ أغلـب هـذه المؤسّسات هـي علـى شـاكلة الكائنـات القانونيـة الهجينـة فـلا هـي بالـذّوات الخاصة ولا هـي بالـذّوات العموميـة. مــع العلــم أن وزارة الفلاحــة بصــدد مراجعــة القانــون الحالــي في اتّجـاه إعـادة الاعتبار لمفهوم التعاضـد ولمبادئ الاقتصاد الاجتماعي والتضامنـي بصفـة واضحـة. ويرخّص المشروع الجديد لهذه المؤسسات عقــد شــراكة مــع المؤسّسات العموميــة. وتنسحب هذه الملاحظات على الشركات الأهلية.
أمّا في باب التمويل فقد اعتمد المرسوم على نفس طريقة توزيع الفوائض مع إدخال تعديلات تتعلق بالنسب : 20 % للأنشطة الاجتماعية والثقافية والبيئية وتسقيف توزيع الفوائض في حدود نسبة 35 %.
من ناحية أخرى جاء في باب توظيف العائدات المالية للصّلح الجزائي (الفصل 29 من المرسوم عدد 13 لسنة 2022 ) أنّه يفتح بقرار من الوزير المكلّف بالمالية حساب أموال مشاركة بخزينة الدولة تحت مسمّى “حساب عائدات الصّلح الجزائي لتمويل المشاريع التنموية” تُودع فيه المبالغ المالية المتّفق عليها.

تُوزّع عائدات الصّلح الجزائي كما يلي :

ـ 80 % تُرصد لفائدة المعتمديّات المنتفعة بالمشاريع المذكورة حسب ترتيبها من الأكثر فقرا إلى الأقلّ فقرا.
ـ 20 % تُخصص لفائدة الجماعات المحلية بغاية المساهمة في رأس مال مؤسسات محلية أو جهوية تأخذ شكل شركات ذات صبغة أهلية وهو ما من شأنه أن يحوّلها إلى مؤسسات عمومية خاضعة لمقتضيات القانون عدد 9 لسنة 1989 المؤرخ في 1 فيفري 1989 المتعلّق بالمساهمات والمنشآت العمومية وذلك في صورة تجاوز مساهمة الجماعات المحلية في رأس مال الشركات الأهلية نسبة 50 %.

أخيرا فيما يتعلّق بالتصرف في الأراضي الاشتراكية يجدر التذكير أنه بمقتضى القانون عدد 28 لسنة 1964 المتعلّق بتحديد وضعية الأراضي الاشتراكية كما تمّ تنقيحه بالقانون عدد 69 لسنة 2016 تتولّى مجالس التصرّف تحويل حق الانتفاع الجماعي إلى ملكيّة خاصة بشكل فردي بقرار من المجلس وتتولى هذه المجالس إدارة الأراضي الاشتراكية نيابة عن المجموعة وتمثيلها أمام المحاكم والجهات الإدارية. أمّا مهمة مجلس الوصاية الجهوي فتتمثّل في المصادقة على قرارات مجالس التصرف. إن تحويل هذه الصّلاحيات من مجالس التصرف إلى الشّركات الأهلية قد أربك السّاهرين على كل من المؤسّستين.

(يُتـبع)

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×