الرئيسية / صوت الوطن / ذكريات عامل منجمي واكب تأسيس حزب العمال
ذكريات عامل منجمي واكب تأسيس حزب العمال

ذكريات عامل منجمي واكب تأسيس حزب العمال

تصدير
أنا الآن تجاوزت السّبعين من العمر. عِشت عاملا منجميّا ذا مستوى تعليمي محدود. لم أولي أهمّية لذكرياتي. وها أنّي أدوّنها اليوم بحُلوها ومرّها، مخافة أن يلتهمها الزّهايمر الذي بدأ يفعل فعله. أنقل لكم بعضها وربّما أنسى بعض الجزئيّات أو تختلط عليّ بعض التواريخ فأعذروني.

البحث عن الطريق
الحلقة العمالية
عام 1975 أسّسنا حلقة مستقلّة من عمّال المنجم ذات ميولات يساريّة. وكنّا أحيانا حين نرى ضرورة مدّ العمال بمنشور تحريضي أو توعوي ننسخه يدويًّا ويأخذ كل منّا بعض النُّسخ ويختار بعناية بعض العمال ويمدّهم بالمنشور للاطّلاع وإرجاعه. ولم يخب ظنّنا، فأغلب من اِطّلع استحسن ذلك، ولم نر أيّ تصرّف معادٍ رغم أن هناك من أصابه الخوف. لم يدم عملنا المعزول طويلاً فسرعان ما انتظمنا مع “منظمة العامل التّونسي”.

رفاق الدرب
هم عمّال مناجم شباب جمعتنا حلقة مستقلّة يساريّة أقرب للشّيوعية؛ كنّا كثيرا ما نتمتّع بالاستماع للشّيخ إمام ومظّفّر النواب وآدم فتحي وأخبار إذاعة “تيرانا”، وقد قرّرنا الالتحاق بأيّ تنظيم نجد فيه أفكارنا المتواضعة. حلّ بمدينتنا مدرّس إسمه “السّعيد” أصيل مدينة توزر ينتمي لمنظمة العامل التونسي “الخط الثوري” وبالنقاش معه التحقنا بالعامل التونسي. ثم عايشنا تأسيس حزب العمال ومازلنا ناشطين صلبه. وإلى اليوم أربعة منّا أصغرنا عمره حوالي 65 عام مازلنا ننشط صلب حزب العمال. قد يتقلّص مردودنا جرّاء الشّيخوخة وأمراضها المتأتّي أغلبها من العمل لسنوات طويلة بالمنجم، لكن رغم ذلك سنواصل المِشْوار إلى النهاية. تحيّة إلى رفاقي الشّيوخ المنجميّين المتقاعدين، أتمنّى لهم دوام الصحة وطول العمر.

محاولة التوسّع: تكوين خلية عمالية بحي السوالمية
تكوّنت من 4 عمال مناجم وطالب. العمّال هم المرحوم محمد بن علي الشطيلي والمرحوم محمد بن رحمان وأحمد بن علي مبارك وبكّار ابراهمية والطالب أحمد بن عثمان. اجتمعت عديد المرات وتوقّف نشاطها. الجميل أنّه بقيت تجمعنا علاقة صداقة متينة خاصّة بين العمّال الأربعة، أما الطالب فقد هاجر إلى سوريا للدراسة أوائل الثمانينات وعند رجوعه إلى تونس عمل كأستاذً وتقاعد مؤخرًا.

رحلة عمر
عايشنا تأسيس حزب العمال وساهمنا في نقاش عديد الوثائق توّجت النقاشات في كلّ الجهات بتأسيسه سنة 1985 وأعلن عن تأسيسه للعلن يوم 3 جانفي 1986. واليوم ونحن في هذه المرحلة من عمري لو رجعت بي الأيّام إلى تلك الحقبة لاخترت مجدّدا دون تردّد الانخراط في حزب العمال. عاش حزب العمال وفصيله الشّبابي اتحاد الشباب الشيوعي.

الكنز
كنّا بصدد دراسة عديد الوثائق منها المرتبطة بتأسيس الحزب حفرت عميقًا في ساحة المنزل وردمت جرّة حوالي 30 صنتمترا تحت الأرض أغلق فتحتها بعناية, كنت أخفي وأسحب منها الوثائق عند الحاجة وأموّه المكان جيّدًا بحيث يصعب اكتشافه. بعد حوالي 3 سنوات تقريبًا غيّرت المخبأ وبسطت طبقة من الإسمنت فوق الجرّة بغرض البناء. عزّ عليّ سحبها فتركتها مكانها ولاحقًا قلت لإبني ورفيقي رشيد: “في هذا المكان توجد جرّة فارغة إذا رمتم يومًا ترميم البيت ووجدتموها لا تفرحوا، فهي ليست كنزًا بل مخبأ سرّي التجأنا إليه في ظلّ القمع وانعدام الحريات”.

ألغاز
كان بطش وتنكيل البوليس بالمعارضين على أشدّه. وحرصًا على سلامة رفاقي وخوفي عليهم اضطرّني إلى استنباط حروف أبجديّة عبارة على أشكال ورموز وأرقام. وبعد جهد حفظتها جيّدًا وصرت أكتب بها بسهولة كلّما احتجت لكتابة إسم رفيق أو عنوان أو رقم هاتفٍ.

“الفيتناميان”
أواخر ثمانينات القرن الماضي بعد تأسيس حزب العمال تحسّنت طريقة كتابة المنشورات لدى الخليّة العمّالية بأمّ العرائس؛ فبعد أن كانت عند الضّرورة تنسخ يدويًّا أصبحت تبدع في طباعة منشوراتها محليًّا بواسطة آلة طباعة يدوية (فياتناميان: vietnamienne)، وهي عبارة عن إطار خشبيّ صغير يشبه إطار نافذة حوالي 60 على 40 صنم تُثبّت عليه قطعة قماش من الحرير بعد كلّ طباعة تنزع قطعة القماش ويرمى الإطار مع ألواح وأخشاب في زاوية مهملة من ساحة المنزل مع عديد الأغراض المنتهية الصّلوحية.

أم العرائس 7 نوفمبر 1987
يومها انقلب الجنرال الفاشي بن علي على وليّ نعمته بورقيبة واستولى على السّلطة. ليلا اجتمعت خليّة حزب العمال الشيوعي بأمّ العرائس وصغنا بيانًا بيّنا فيه أنّه لا شيء سيتغيّر مع الرّئيس الجديد، إنّه امتدادٌ لما سبق.. ستتواصل نفس سياسات حزب الدستور تحت مسمّيات ووجوه جديدة. صباح يوم 8 نوفمبر طبعنا البيان على آلة طباعة يدويّة، وليلاً وزّعناه وسط شوارع وأزقّة المدينة.

8 ماي 2019
الذكرى 32 لاستشهاد الرفيق نبيل بركاتي
اعتقلوك رفيقي على إثر توزيعك لبيان حزب العمال الشيوعي “الصراع الدستوري الإخواني لا مصلحة للشعب فيه” تعرّضت لأبشع أنواع التعذيب وبقيت صامدًا شامخًا في وجه الجلّاد إلى آخر نبض في عروقك قدّمت حياتك دون تردّد حماية لرفاقك. لمّا يئسوا من اقتلاع أي معلومة منك اغتالوك رفيقي. وصلني الخبر المؤلم وكنّا قد وزّعنا نفس البيان بأمّ العرائس.. حزنت كثيرًا رفيقي.. خبر استشهادك زادني ثباتًا على مواصلة المشوار، وقد عاهدتك يومها أن أحافظ وأدافع على المبادئ النّبيلة التي استشهدت من أجلها وها أنا ذا رفيقي بعد مرور 32 عام على استشهادك ما زلت على العهد وأعاهدك مجددًا أن أواصل مع الرفاق إلى آآآآآآآآآآآآآآآخر المشوار

حزب العمال في المناجم 1991-1990
لحزب العمال خلايا من عمّال المناجم بكلّ من الرّديف وأم العرائس والمتلوّي. اختير ثلاثة رفاق: واحد من كلّ منجم لتكون خليّة اليسار النّقابي والتّنسيق عند الضرورة لنضالات مشتركة. كانت وسيلتي لحضور الاجتماعات الدّورية بالرديف والمتلوي هي درّاجتي النّارية .(peugeot) رفيقي من الرّديف كهربائي بالدّاموس ونقل بنفس الخطّة بمغسلة “كاف الدّور” مع بعض التّرقيات. وتسبّبت لي النقابة الأساسية والإدارة في نقلة لمغسلة “كاف الدور” للتخلّص من “مُشاغبٍ”. كان أدب الحزب يصل إلى الرديف ومنها يسلّمه لي رفيقي بمغسلة “كاف الدور”. قضّيت قرابة السّنة كإداري، ثم نُقِلت الإدارة إلى المتلوّي.. اشتغلت عدّة أشهر وعُدت مجدّدا إلى أم العرائس.

ملاحظة: هذه مجموعة تدوينات للرّفيق بكّار، جمعناها في أوقات مختلفة ومتباعدة أحيانا

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×