الرئيسية / صوت الاقتصاد / ميزانية 2024: ميزانية تقشّف ومجبى وتداين
ميزانية 2024: ميزانية تقشّف ومجبى وتداين

ميزانية 2024: ميزانية تقشّف ومجبى وتداين

محمد الميزوري

حُدّدت ميزانية 2024 بـ77.868م.د. مقسّمة كما يلي : مداخيل جبائية 44.050م.د.، مداخيل غير جبائية 4.760 م.د.، هبات 350 م.د. وقروض 28.708 م.د.
تعبّر ميزانية الدولة عن سياسة السلطة التنفيذية في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية، فإمّا أن تكون في خدمة الاقتصاد (صناعة وفلاحة وخدمات) بإنجاز مشاريع كبرى منتجة للثروة ومشغّلة لليد العاملة وتكون لها نسب نموّ برقمين تنعكس إيجابيا على المستوى الاجتماعي بتوفير الحياة الكريمة للمواطنين، أو أنها تعجز عن بعث مشاريع استثمار كبرى فتكون نسب النموّ سلبيّة أو في حدود ضعيفة لن تضيف للحياة الاجتماعية إلا مزيدا من البطالة والفقر والتهميش وغلاء الأسعار.
تتنزل ميزانية 2024 في المستوى الأخير للأسباب التالية :

ميزانية تقشّف
لن توفر ميزانية 2024 مواطن شغل لآلاف الشباب المعطل عن العمل خاصة منهم الشباب المتخرج من الجامعة أو المنقطع عن التعليم المقدّر 100 ألف سنويا. فقد عملت حكومة سعيّد على تجميد أجور الموظفين في ظروف تشهد ارتفاعا مشطّا للأسعار وأقرّت عدم خلاص السّاعات الإضافية وتعويضها برخص عمل والتحكم في نسب التّرقيات السنوية بأن لا تتجاوز 20 بالمائة باستثناء الأسلاك التي تُضبط نسب ترقيتها في نصوصها الخاصة، وتعويض الشّغورات المسجّلة خلال السنة بالتنقل الوظيفي للأعوان العموميّين لفائدة الوزارات والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية، إضافة لذلك سهّلت خروج الموظفين عبر التقاعد المبكّر أو عبر تمكين بعض الموظفين من عطلة لبعث مشاريع مقابل منحة إلى حين بلوغهم سن التقاعد. كما حصرت باب الانتداب في الوظيفة العمومية في حدود 13.586 انتداب موزّعة بين الأمن والدفاع والتعليم والصحة والمالية والفلاحة والثقافة والشباب والرياضة والمرأة.

ميزانية مجبى
كان للشعب التونسي تاريخ مع المجبى، حيث قام بثورة سنة 1864 بقيادة علي بن غذاهم رفضا لمضاعفة المجبى من 36 ريالا إلى 72 ريالا من قبل الصادق باي الذي أغرق البلاد في المديونية ومكّن فرنسا الاستعمارية من فرض اتفاقية باردو 1881 التي خوّلت لها احتلال البلاد.
يقدّر المبلغ الجملي للجباية في ميزانية 2024 بـ44.050 م.د. تمثل حوالي 56.5 بالمائة من المبلغ الجملي للميزانية وتنقسم إلى جباية مباشرة وجباية غير مباشرة.
قدّرت الجباية المباشرة بـ18.157م.د. يساهم فيها الأجراء بـ12.383 م.د. وتساهم المؤسسات الخاصة بـ5.774 م.د.، وهذا يعني أن أصحاب رأس المال الذين يملكون حوالي 90 بالمائة من ثروات البلاد يساهمون بأقل من نصف مساهمة الأجراء الذين لا يملكون من ثروات البلاد إلا حوالي 10 بالمائة.
أمّا الجباية غير المباشرة فتبلغ قيمتها 25.893 م.د. وتتكون أساسا من الأداء على القيمة المضافة ومعاليم الأداء على الاستهلاك والمعاليم على تسجيل العقود والطابع الجبائي والخطايا، الخ.
وللتوضيح فإن أغلب مبالغ الجباية الغير المباشرة يتحمّلها المواطن المستهلك الأخير عبر كل ما يشتريه من عقارات وتجهيزات وخدمات ومواد تنظيف وملابس وكهرباء وماء، أمّا الشركات الخاصة الخاضعة للنظام الحقيقي فإنها لا تتحمّل هذه الاداءات بل تفوترها وتستخلصها من المستهلك، وفي النهاية فهي تمثل وسيطا بين المستهلك والدولة في تجميع الأداء على القيمة المضافة وتحويلها إلى الدولة.
وهكذا نستنتج في الأخير أن الإجراء والمستهلكون عموما يتحملون حوالي 70 بالمائة من الجباية مباشرة وغير مباشرة لتمويل ميزانية الدولة.

ميزانية تداين
لتغطية نفقات ميزانية الدولة لسنة 2024 برمجت حكومة سعيد مبلغ 28.708 م.د. الذي يمثّل أكبر نسبة اقتراض عرفتها ميزانيات البلاد حيث بلغت نسبة 36 بالمائة من ميزانية 2024 منها 16.445 م.د. ديون خارجية و12.263 م.د. ديون داخلية. مع العلم أن مبلغ 10.645 م.د. من القروض الخارجية بقي مجهول المصدر ويمثل عجزا مسبقا في ميزانية 2024 ويبقى الحصول عليه غير مضمون.
أمّا ميزانية الاستثمار والمقدرة بحوالي 5.274 م.د.، جزء منها قروض وجزء آخر مشاريع متواصلة يعود بعضها لسنوات سابقة.
في الخلاصة فإن ميزانية الدولة لسنة 2024 لا تختلف في شيء عن الميزانيات السابقة لسنوات الفشل بعد الثورة وقبلها ولن تساهم في حلّ المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها شعبنا ضحية السياسات الفاشلة بل ستعمق أزمته وسوف تغرق البلاد في المديونية التي ستتحملها أجيال المستقبل.
إن بلادنا في حاجة إلى منوال تنموي جديد يقطع مع الماضي تلعب فيه الدولة دورا أساسيّا عبر الاعتماد على الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية وخاصة منها الفلاحة والصناعة، ولن يتم هذا إلا في ظل حكومة ثورية وببرنامج وطني ديمقراطي تلتفّ حوله القوى الشعبية والديمقراطية المتضرّرة من الأزمة، وهذا يتطلّب توحيد كلّ القوى التقدّمية والديمقراطية حول برنامج حدٍّ أدنى وطني ديمقراطي.
الديمقراطية الشّعبية هي الحل.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×