الرئيسية / صوت الوطن / تنقيح مرسوم الصلح الجزائي : “البلاد هازها الواد وسعيّد يقول العام صابة”
تنقيح مرسوم الصلح الجزائي : “البلاد هازها الواد وسعيّد يقول العام صابة”

تنقيح مرسوم الصلح الجزائي : “البلاد هازها الواد وسعيّد يقول العام صابة”

بقلم ألفة بعزاوي

صادقت لجنة التشريع العام بمجلس النّواب على مشروع القانون المتعلق بتنقيح “مرسوم الصلح الجزائي وتوظيف عائداته” وذلك يوم الإثنين 8 جانفي الجاري في جلسة تواصلت لساعة متأخرة من الليل بحضور ممثّل عن وزارة العدل، وزارة المالية ورئاسة الحكومة. وهو مشروع تمّت إحالته من طرف رئاسة الجمهورية بتاريخ 28 ديسمبر 2023 مع طلب استعجال النّظر في شأنه ليتمّ عقد أولى الجلسات في الغرض يوم الجمعة 5 جانفي وتتمّ المصادقة في غضون 3 أيام. وفي تعليق برقي، هل يملك مجلس نواب الدّمى ومختلف لجانه أيّة صلاحية غير الإذعان لـ”طلبات” سيادته والمصادقة على كل “مقترحاته”؟
نصّ المشروع الذي تمّ عرضه على لجنة التشريع العام صاحبته وثيقة “تفسيريّة” قالت فيها رئاسة الجمهورية أنّ الهدف من التّنقيح هو “حوكمة عمل اللجنة الوطنية للصلح الجزائي وتوضيح آثار الصّلح وإدراج المشاريع ذات الأهميّة والمصلحة الوطنيّة ضمن المشاريع التي يمكن أن تنتفع بالعائدات الماليّة للصلح الجزائي…” وما إلى ذلك من لغو ووعود عهدناها مرافقة لكل مبادرات سيادته وبات الشعب التونسي بعد تجربته يعلم علم اليقين خواءها وزيفها.
ما تناسى رئيس الجمهورية قوله هو أن لجنة الصّلح الجزائي التي تمّ إحداثها بأمر رئاسي، بموجب مرسوم الصلح الجزائي المؤرخ في 20 مارس 2022، قد استوفت الآجال القانونية لعملها يوم 12 نوفمبر 2023 وفقا لنفس المرسوم (6 أشهر قابلة للتمديد مرّة واحدة)، وهو ما جعل مشروع التنقيح يلغي تحديد آجال لعمل اللجنة ممّا يجعلها هيئة ذات صلاحيات قضائية دائمة أو قارّة خاضعة فقط لسلطة رئيس الجمهورية دون سقف زمني ودون رقابة بما يعمّق ضرب السّلطة القضائيّة واستقلاليتها الذي بدأه قيس سعيّد بدستوره (تحويل القضاء إلى وظيفة) وواصله بجملة الإعفاءات والتعيينات التي قام بها وصولا إلى التهديد والوعيد للقضاة في خطابه بتاريخ 24 نوفمبر 2023 في محاولة لتركيع القضاء وإخضاعه للتعليمات.
وما تغافل عنه رئيس الجمهورية أيضا هو فشل مسار الصّلح الجزائي في تحقيق الأهداف التي تعهّد بها سيادته عند تمرير المرسوم رغما عن كل من عارضه (المرسوم) أو حتى انتقده واقترح تعديلات عليه. جميعنا يذكر خطاب قيس سعيد حول المشروع وإيهامه الشعب التونسي بأن الصلح الجزائي سيجلب للدولة آلاف المليارات وسيحل مشاكل التنمية بداية بالمعتمديات الأكثر فقرا التي من المفترض أن يتعهد بها أكثر الفاسدين اختلاسا لأموال الشعب ووعوده للمعطلين عن العمل بتمويلات خيالية للشركات الأهلية وهو ما من شأنه – حسب ادّعائه آنذاك – حل مشكل البطالة لآلاف المعطلين عن العمل… كما يذكر جميعنا صفحات ميليشيات سعيد – المختصة في التسويق لمشاريعه وسحل معارضيه – التي بدأت تعدّ الأكياس لتخزين المبالغ الهائلة، فمنهم من تحدث عن آلاف المليارات دون تحديد للرقم، ومنهم من تحدث عن 13 ألف مليار ومنهم من قدّر المبلغ بـ30 ألف مليار !
ورغم عدم توفّر أرقام رسمية عن عائدات الصلح الجزائي لما يزيد عن سنة من إقراره فإن مجرّد التكتّم على هذه الأرقام يكشف لنا فشل المسار، وأغلب الظن أن عائدات الصلح الجزائي هي دون حتى تغطية تكاليف اللجنة والخبراء من مِنحٍ متّعهم بها المرسوم الذي أقرّ أنّها تُدفع من ميزانية الدولة، أي من أموال الشعب التونسي.
لقد تعمّد قيس سعيّد، بخطاباته الشعبويّة الديماغوجيّة المعتادة، إيهام الشعب التونسي أن الصّلح الجزائي هو أسرع السّبل لاسترجاع الأموال المنهوبة أو التي تمّ الحصول عليها بأساليب غير مشروعة وأنجع طريقة لمحاربة الفساد والفاسدين المختلسين لأموال الشعب موظفا حالة السّخط والاحتقان التي بلغها الشعب التونسي في علاقة بهذا الموضوع بعد عشر سنوات من التلاعب وابتزاز رجال الأعمال الفاسدين خلال حكم الترويكا وحكم النهضة والنداء فيما بعد، وتبييض ملفات من دخل منهم “بيت الطاعة”، وها هو اليوم يلوك نفس الوعود في علاقة بمشروع التنقيح محاولا الإيهام أنه سيفضي إلى تلافي بعض النقائص التي حالت دون النجاح في تحقيق الأهداف المرسومة عند تمرير مرسوم الصلح سنة 2022.
كما أنّ سعيد مرّر هذا المرسوم بحكم الصلاحيات الفرعونية التي أعطاها لنفسه في دستوره مديرا ظهره لإرادة الشعب التونسي الذي قال كلمته سابقا وطالب بضرورة المحاسبة، وهو من رفع ولا زال شعار “الشعب يريد”، وعلى ما يبدو فإن لسعيّد شعبه الخاص، لا يرى سواه ولا يقدر على فكّ “شيفرة” إرادته غيره. كما سيقع تمرير التنقيح لامحالة بحكم خضوع وتبعيّة مؤسسّات الحكم وكل الهيئات ومن بينها مجلس النواب لمؤسسة الرئاسة تبعا أيضا لدستور قيس سعيد.
إن مشروع الصلح الجزائي في نسخته الأولى أو المنقحة يكرّس ثقافة الإفلات من المحاسبة والعقاب ويوفر لمن أجرموا في حق الشعب غطاءً قانونيا، فمهما كانت جريمتك يكفيك أن تجنح للصلح حتى تتفادى العقاب بتعلّة استرجاع مستحقات الشعب والحال أن المسار القضائي يفضي بالضرورة إلى استرجاع الأموال أو التعويض عن الأضرار التي ألحقت بالدولة (حسب طبيعة القضية) في حالة ثبوت التهم، بل إن الأحكام القضائية في علاقة بعدد من الملفات تقضي بتعويضات مالية قيمتها أكبر بكثير ممّا حدّدته لجنة الصلح الجزائي.
إن مرسوم الصلح الجزائي والعفو الجبائي الذي أقرته ميزانية 2024 ينضاف إليها تلويح أتباع الرئيس بإمكانية تنقيح الفصل 411 من المجلة الجزائية المتعلق بجريمة الصك دون رصيد، تقيم كلها الحجّة عمّا ذهبنا إليه في تحليل الطبيعة الطبقية لقيس سعيد واعتباره تواصلا لمنظومة الحكم التي تخدم عصابات الكمبرادور المحتكرة للثروة والمتحكّم الفعلي في مفاصل الدولة وسياساتها منذ ما قبل الثورة وترعى مصالحهم على حساب الطبقات والفئات المفقرة والمهمشة التي انتفضت للدفاع عن كرامتها وحقها في العيش الكريم ولم تجن سوى مزيد من الفقر والبؤس. ونحن على مشارف إحياء ذكرى الثورة، نؤكّد أنّ المطالب المشروعة للشعب التونسي وأهداف ثورتنا المجيدة لن تتحقق سوى على أنقاض منظومة حكم عصابات النهب هذه ورأس حربتها اليوم : قيس سعيد.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×