الرئيسية / صوت الوطن / في الذكرى 13 للثورة التونسية : من أكذوبة الانتقال الديمقراطي إلى الاستحكام المؤقت للاستبداد الشعبوي
في الذكرى 13 للثورة التونسية : من أكذوبة الانتقال الديمقراطي إلى الاستحكام المؤقت للاستبداد الشعبوي

في الذكرى 13 للثورة التونسية : من أكذوبة الانتقال الديمقراطي إلى الاستحكام المؤقت للاستبداد الشعبوي

علي بنجدّو

تحل بعد أيام قليلة الذكرى الثالثة عشر للثورة التونسية 14 جانفي في مناخ سياسي محلي، إقليمي وعالمي شديد التعقيد والتركيب تغلب عليه وتحدّده اعتبارات متعدّدة منها ما هو متّصل على المستوى الوطني بتراجع المسار الثوري راهنا في ما يشبه حالة البهتة السياسية وعملية التكيّف الاضطراري مع تمكن المنظومة القديمة-الجديدة من اِحتواء تقلبات مسار الثورة ومنعرجاتها وإعادة إنتاج وتوظيف آليات أخرى لتوجيه الرأي العام والتحكم فيه، إلى جانب محاولة تمثل وفهم الآليات السياسية والبنية الفكرية/الذهنية للمشروع الشعبوي ومقاومة تسيده تمكنه التشكلات السياسية، الثقافية والذهنية لمشروع الاستبداد الشعبوي المعادي لأشكال التنظم السياسي التقليدية، ومنها ما هو متّصل محليا وعالميا بنجاح الرأسمالية العالمية بمختلف أقطابها وقواها السياسية ومحاورها الاقتصادية في احتواء أزماتها العرضيّة وتهميش مسار الثورات التي انطلقت بدء من الثورة التونسية كفاتحة أولى للثورة العالمية لهذا القرن.
الثورة التونسية التي مثلت في سياقها التاريخي وشروط حدوثها استتباعا لنضالات سابقة وتراكمات سياسية أقربها وأكثرها وزنا وتأثيرا أحداث الحوض المنجمي التي مثلت في حينها لحظة انبعاث ثوري وسلسلة من الاحتجاجات الاجتماعية التي استهدفت منظومة استبدادية لم تكتف فقط باتّباع سياسة اقتصادية موغلة في الليبرالية كانت انعكاساتها السلبية كارثية على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بل تجاوزت ذلك إلى التضييق على الحريات ومصادرة الحق في التنظم والمحاكمات السياسية. إلى جانب التنفّذ الاقتصادي للعائلات المافيوزية ولوبيات الفساد المالي والإداري وتزايد حجم التداين الداخلي والخارجي. هذه الثورة في أسبابها وشروطها المذكورة وفاعليها الاجتماعيين والسياسيين كانت مسلّحة في بدئها وتعاقب أحداثها الأولى بمجموعة من الشعارات السياسية المكثّفة التي عبّرت حينها، لا فقط على انسداد أي أفق موضوعي لإمكانات فعلية لتدارك الوضع من داخل منظومة الاستبداد النوفمبرية المتهالكة، وإنما عبّرت أيضا عن دعاوٍ ومطالب واضحة للقطع مع السياسات الاقتصادية والاجتماعية ونظام الإستبداد ولعل شعارها الأكثر تكثيفا وحمولة سياسية ورمزية هو شعار”الشعب يريد إسقاط النظام” بكل مخزونه وعمقه الدلالي الاجتماعي والاقتصادي.

الثورة التونسية بين رهان التغيير السياسي الجذري والمنجز السياسي الليبرالي
رغم أن الثورة التونسية طرحت على نفسها منذ البدء كشعار سياسي جذري إنهاء منظومة الاستبداد بكل سياساتها وطرق إدارتها للحكم والشأن العام بدءً من النظام السياسي ذاته وترسانته القانونية والتشريعية ومؤسّساته وهياكله الإدارية المتهالك، فإن ما حصل في تتابع الأحداث من غياب لقيادة ثورية فعلية وبرنامج حكم واستقلالية للقرار السياسي السيادي الشعبي وتآمر إمبريالي خارجي، منح قوى الثورة المضادة إمكانات موضوعية مفتوحة لإعادة صياغة وبناء منظومة حكم جديدة – قديمة بسياسات مماثلة للمنظومة التي قامت عليها الثورة وإن بأدوات جديدة ومختلفة شكليا. فالدولة العميقة بشخوصها التاريخية وسندها الإداري والإعلامي وهيكلة المؤسسات المتنفّذة وموروثها التقني الرمزي من ثقافة التجريم واختلاق الفزاعات والتّخويف حافظت جزئيا على قدر مؤثر من مساحات التدخل في حلقات الفعل السياسي ونسبت لنفسها قرارا وإنجازا بعضًا من مطالب الثورة لعل أهمها مطلب المجلس التأسيسي وحل حزب التجمع والعفو التشريعي العام. وقد ساعدها في ذلك أن عملية الانتقال السياسي على مستوى رأس السلطة التنفيذية بعد فرار بن علي مساء 14 جانفي 2011 (مؤسسة رئاسة الدولة) كانت بالعودة إلى دستور 1959 بما يعنيه ذلك من احتواء وتهميش للمنجز الثوري وعملية تكييف قانوني للحظة الانتقال الثوري مع متطلبات المرجعية القانونية لنظام الحكم السابق على 14 جانفي. وهو ما يعني بالنتيجة استيعاب الحالة الثورية ذاتها في ما أصطلح على تسميته لاحقا “الانتقال الديمقراطي” وتم إنشاء هيكل سياسي تشريعي خاص به هو “الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي”.
وإذا كانت مسارات الثورات العربية في بداياتها أو في حلقاتها وأحداثها اللاحقة قد انتهت إلى إعادة البيروقراطية العسكرية إلى الحكم بعد تصفية المد الإخواني الراديكالي كما هي الحال في مصر أو تأسيس وضع حكم سياسي مزدوج يتغذّى من توازنات الصراع القبلي والعشائري والمناطق، وتدخل القوى الأجنبية بشكل مباشر أو غير مباشر كما هي الحال في ليبيا، أو عودة نظام عسكري طائفي/عائلي مستفيدا من قمع الحراك الثوري الاحتجاجي والدعم الإيراني-الروسي كما هي الحال في سوريا، الخ… فإن مسار الثورة التونسية ظلّ على مدى السنوات التي تلت 14 جانفي 2011 مبعثا لأملٍ ممكن لإعادة جدول أعمال الثورة على القوى الاجتماعية ذات المصلحة من جهة ومدار صراع مستمرّ وتجاذب وفعل ورد فعل بموازين قوى طبقية/سياسية متفاوتة بين توجّهين أساسيين من جهة ثانية: توجه سياسي ليبرالي يميني رجعي تقاسمته أحيانا وتقاطعت فيه أحيانا أخرى قوى سياسية تلتقي على جوهر الخيارات الاقتصادية الليبرالية والاندماج الهيكلي الطوعي والولاء لمراكز القوى الهيمنية الاستعمارية وتحمي وكلائها من الكمبرادور والسماسرة ومعاداة أي إمكان موضوعي لتشكل قطب اجتماعي طبقي ثوري من جهة وتختلف وتتصارع وربما تسيل بينها الدماء على طروحات إيديولوجية متناقضة في الظاهر ولكنها ذات مضمون طبقي اجتماعي واحد موغل في الليبرالية… والمقصود بهذه القوى التشكلات السياسية القديمة – الجديدة من بقايا نظام بن علي والإسلام السياسي…
علي بنجدو، ناشط سياسي يساري مستقل

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×