الرئيسية / عربي / الضفة الغربيّة: الإبادة الصّامتة والانفجار المرتقب
الضفة الغربيّة: الإبادة الصّامتة والانفجار المرتقب

الضفة الغربيّة: الإبادة الصّامتة والانفجار المرتقب

بقلم عمار عمروسية

يسابق الكيان الصهيوني الوقت مستغلاّ جميع الظروف وعلى الأخصّ تركزّ الأنظار عربيا وعالميا على العدوان الإجرامي الهمجي ضدّ قطاع “غزّة” للرّفع من وتائر البطش والتنكيل بفلسطينيّي الضفة الغربية.
فالأخيرة مثلّت منذ ثلاث سنوات مسرحا مفتوحا لعربدة عصابات المستوطنين ووحشية الجيش الصهيوني.
فالضفّة، جوهرة الأراضي المحتلّة كما يحلو لكثير من الفلسطينيّين نعتها، تعيش أسوأ أيّامها منذ عملية طوفان الأقصى البطولية حتى أنّ الكثير من المتابعين للأوضاع هناك أضحوا يتحدّثون عن السجن المفتوح المحكوم بقوّة الحديد والنّار.
فجيش الاحتلال كثّف من اجتياحاته الليلية للقرى والبلدات والمدن بالضفّة، تلك التوغّلات المصحوبة بالجرّافات والمدرّعات لنشر الموت والدّمار بالبُنى التحتيّة والمنازل والسّيارات، الخ…
فكلّ أنواع التّنكيل تزايدت منذ 7 أكتوبر ووصلت مستويات غير مسبوقة، فأعداد الشهداء شارفت على الـ500 شهيد، من بينهم أكثر من 70 طفلا. أمّا حصيلة الإيقافات العشوائية فقد قفزت لأكثر من 6 آلاف جمعت بين العشرات من الأسرى المحرّرين مؤخّرا ومئات من الصبية ذكورا وإناثا، زيادة عن آلاف الشبّان والكهول.
يوغل الكيان الصهيوني في جرائمه تلك ويوسّع من جهة مجالها الجغرافي ليطال كلّ محافظات القطاع بما في ذلك “القدس” و”النقب” ومن جهة أخرى يصعّد أدوات البطش والتّخريب بهدف إشاعة الخوف وقطع الطّريق أمام انفجار الأوضاع وتدحرجها نحو انفتاح جبهة مقاومة أخرى في وجه الاحتلال العالق في وحل “غزّة” والمُنهك تحت ضربات محور المقاومة في كلّ من جنوب لبنان والعراق واليمن وسوريا.
جوهرة الأراضي المحتلّة كانت على الدّوام محلّ أطماع الكيان الصهيوني، فهي منذ 1967 محلّ استهداف مشاريع الضّمّ والإلحاق بقوّة السلاح.
إنّ سعة مساحتها (5860 كم2) وخصوبة أراضيها ووفرة مياهها (بالنقب)، زيادة عن اتصالها بمدينة “القدس” وكثافة سكّانها من أصحاب الأرض، الخ… كلّها عوامل زادت من أهميّة “الضفّة” في المشروع الاستيطاني الاستعماري على امتداد العقود الماضية.
فكلّ حكومات الكيان ثابرت على تنشيط الاستيطان بما يعنيه من تهجير للفلسطينيّين وسلبٍ لممتلكاتهم وأراضيهم وإعداماتٍ في السّاحات العامّة واعتقالات خارج القانون.
جغرافية الجوهرة قضمها الاستيطان وضاقت مساحتها بفعل تنامي البؤر الاستيطانيّة ونتيجة التّقسيم الجائر المنبثق عن اتفاقيّات “أوسلو” الخيانيّة التي أخرجت منذ البداية حوالي 60 % من أراضي الضّفة عن دائرة السلطة الفلسطينيّة ومنحتها لدولة الاحتلال وفتحت نافذة للأخير للتدخّل المباشر فيما تبقّى ليواصل جرائم “إسحاق رابين” ووزير أمنه “بيريز” (سنة 76).
جوهرة اليوم شوّه معالمها الجدار العازل وقطّع أوصالها أكثر من 700 حاجز عسكري وحوالي 149 نقطة تفتيش أمني بالإضافة إلى 163 بؤرة استيطانيّة تغطّي آلاف دونمات أفضل الأراضي وأخصبها تحت حماية قطعان المستوطنين المنتعشين بسياسات حكومة اليمين المتطرّف بقيادة “نتانياهو” وسخاء وزير الأمن الفاشي “بن غفير” الذي فاخر علنا بتوزيع أكثر من 100 ألف قطعة سلاح خلال شهر واحد لدعم جهود 22 كتيبة عسكرية (حوالي 40 ألف جندي).
جزء كبير من الآلة الحربيّة للكيان تمّ توجيهه للضفّة خلال الأيّام القليلة الماضية لخنق كلّ أشكال المقاومة المتصاعدة في تساوق مع صمود “غزّة” وشعبها.
من السجن الكبير وتحت القبضة الغليظة للعدوّ يرتفع نسق النهوض الوطني ويتّخذ أشكالا عديدة تزاوج بين المقاومة المدنية الجماهرية (اعتصامات، مسيرات، رشق بالحجارة…) والعمل الفدائي المسلّح الذي خرج عن معاقله التقليدية، ونقصد “جنين” و”نابلس” و”طولكرم”، وطال جلّ محافظات الضفة بما فيها “رام الله” مقرّ إقامة “عباس” التي مازالت حتى وقتنا هذا محافظة على التنسيق الأمني مع قوّات الاحتلال بهدف الإيقاع بالمقاومين واعتقالهم أو مدّ الصهاينة بمعلومات عن أماكن وجودهم وتنقّلاتهم.
تشقّ المقاومة المسلّحة طريقها وسط كلّ المخاطر والمصاعب وتُلحق بجيش الاحتلال خسائر مهمّة وتفرض على حكومة “نتانياهو” جهودا إضافية مكلفة ماديّا وبشريًّا.
فالضفّة الغربيّة كانت ولازالت مصدر أطماع الاحتلال، غير أنّها في ذات الوقت مثلّت ولازالت مبعث مخاوف كبيرة من تجذّر مقاومتها العسكرية وانفلات الأوضاع نحو انتفاضة عارمة جديدة.

إلى الأعلى
×