الرئيسية / عربي / معركة “مستشفى الشفاء” أم المعارك
معركة “مستشفى الشفاء” أم المعارك

معركة “مستشفى الشفاء” أم المعارك

بقلم علي البعزاوي

قبل شهرين ونيف هاجم الجيش الصّهيوني مستشفى الشفاء في غزّة ودمّر البعض من أجزائه وأخرجه عن الخدمة، متعلّلا بوجود أنفاق تأوي قيادة المقاومة والأسرى الصهاينة، وأوقف الطواقم الطبيّة والمرضى والنازحين ليعلن قبل أن يغادره أنه حرّره من “المخرّبين” وحقّق انتصارا لا يضاهيه انتصار. واليوم يعود هذا الجيش المجرم إلى نفس المستشفى، هذا المركب متعدّد الاختصاصات والأكبر على الإطلاق في فلسطين، بعد أن افتضحت سرديّته وبان كذبه وافتراؤه ليعلن من جديد أنه يأوي “مخرّبي حماس” ولا بدّ من “تطهيره” حتى آخر “مخرّب”. وقد شرع من جديد في هدم المباني والمربّعات السكنيّة المجاورة وحرق المعدّات الطبيّة واغتيال كل من يطلّ برأسه من غرف المستشفى لكنه لاقي مرة أخرى صدّا من المقاومة التي قنصت جنوده وأحرقت معدّاته وألحقت به خسائر لم يكن يتوقعها. ويؤكّد عديد المختصين أن الجيش الصهيوني لن يصمد طويلا أمام ضربات المقاومة في محيط المستشفى وسيغادره مرّة أخرى دون تحقيق أهدافه.
كأنما التاريخ يعيد نفسه في شكل أكذوبة لأن مجرّد العودة إلى مهاجمة هذا المستشفى بعد الإعلان عن الانتهاء من تلك المهمة قبل أكثر من شهرين يعني بالتأكيد أن الجيش الصهيوني لم يحقّق هدفه في “سحق” المقاومة والسيطرة على المستشفى مثلما ادّعى. وهذا ينطبق على كامل شمال ووسط قطاع غزّة الذي ادّعى زورا وبهتانا أنه حرّره من جيوب المقاومة وأخضعه بالكامل. إنه تزييف للحقائق وادّعاء كاذب بنصرٍ واهمٍ يحاول العدو الصهيوني أن يسوقه للرأي العام الداخلي في إسرائيل وفي الخارج باعتباره “الجيش الأقوى في المنطقة” والذي لا يقهر، وأن ما قامت به المقاومة في 7 أكتوبر وقع تصحيحه وأعيدت الأمور إلى نصابها، ولن يرى الصهاينة في المستقبل أيّ مكروه.

المستشفيات أحد أهداف الجيش الصهيوني

إلى جانب البحث عن “نصر مزعوم” يتمثل في القضاء على المقاومة والسيطرة على مستشفى الشفاء وإخلائه من المرضى والنازحين الذين اتّخذوا منه ملاذا آمنا من القصف والاستهداف – خاصة وأن هذا المستشفى يعتبر منشأة متطوّرة لها مكانتها لدى أهالي القطاع – فإن الجيش الصهيوني استهدف ويستهدف في الحقيقة كلّ المستشفيات في الشمال والوسط الجنوب؛ لم يسلم أيّ مستشفى من الحصار والقصف والتّدمير والإخلاء وإيقاف الطواقم الصحية وإطلاق النار على سيارات الإسعاف. والهدف هو تهيئة الظروف للتهجير القسري للشعب الفلسطيني في غزّة كمرحلة أولى نحو منطقة رفح على الحدود الفلسطينية المصرية ثم نحو سيناء وإرغامه على ذلك بضرب كلّ مقوّمات الحياة بالقطاع من ماء وغذاء وسكن وصحة وغيرها. إن استهداف المستشفيات ومنع الدواء والغذاء وهدم المربّعات السكنيّة والمزارع والآبار ومصادر الطاقة وقتل الحيوانات هو عمل ممنهج لضرب كلّ مقوّمات الحياة ومحاولة لإرغام الشعب الفلسطيني في غزّة على الهجرة خارج القطاع.

مخطط امبريالي صهيوني

إنه أحد أهم الأهداف من العدوان الهمجي على قطاع غزّة المُراد إفراغه من مواطنيه وشلّ مقاومته وإلحاقه بدولة الكيان الصهيوني خدمة لأجنداتها الاقتصادية (السيطرة على الغاز الفلسطيني قبالة شواطئ غزّة) والأمنية (ضرب العمل المقاوم – ضمان المرور الآمن للخط البري/الحديدي المزمع إنشاؤه بديلا عن قناة السّويس من جنوب الإمارات إلى ميناء حيفا) هو السيطرة على دول المنطقة وإخضاعها بالكامل لمشيئة الامبريالية الأمريكية والغربيّة الشّريك الأساسي في العدوان على الشعب الفلسطيني في إطار ما يسمّى بالشرق الأوسط الجديد الذي يلعب فيه الكيان الصهيوني دور الريادة.
إن منطقة الشرق الأوسط الغنيّة بالموارد الطبيعية من بترول وغاز والتي تتنازع السيطرة عليها القوى الامبريالية القديمة (أمريكا وأوروبا) والجديدة (الصين وروسيا) هي إحدى المناطق المشتعلة في مرحلة اتّخذت فيها الصراعات الامبريالية من أجل اقتسام وإعادة اقتسام مناطق النفوذ أشكالا أكثر حدة وضراوة، ولن تهدأ إلا بسيطرة طرف امبريالي على باقي الأطراف وحسم المعركة لصالحه.
إن انتصار المقاومة وإفشالها لمخططات العدو الصهيوني سيشكّل ضربة قاسمة لمصالح الامبريالية الأمريكية والغربية في المنطقة وسيضع الكيان الصهيوني على سكة الانقراض والاضمحلال وسيمكّن شعوب المنطقة من عناصر القوة وفي مقدّمتها المعنويات والثقة في النفس للتحرر من الهيمنة الاستعمارية الجديدة وتأسيس أنظمة جديدة وطنية وديمقراطية وشعبية متحرّرة بالكامل من كلّ أشكال الهيمنة وسيّدة على ثرواتها التي تزخر بها بلدانها الخاضعة. أما نجاح الكيان الصهيوني في استئصال المقاومة فنتائجه ستكون مدمّرة على شعوب المنطقة بمزيد إخضاعها وضرب كل مقوّمات نهوضها واستقلالها وتكثيف وتائر الاستغلال ومصادرة الثروات.

البقاء على الرّبوة يخدم المخطّط الامبريالي الصهيوني

لئن انطلقت الاحتجاجات الداعمة للشعب الفلسطيني والمطالبة بوقف العدوان على غزّة في أوروبا وأمريكا لتتوسع وتتجذّر وتفرض التنازلات وتعديل المواقف فإنها بقيت باهتة ومتردّدة في العالم العربي، باستثناء اليمن والأردن وذلك لأسباب لا يتّسع هذا النص لشرحها وفهمها. إن التطبيع مع المجازر المرتكبة ضدّ الشعب الفلسطيني، ومع استهداف المستشفيات والمربّعات السكنية والمخيمات ومع التجويع الممنهج والحصار والإعدامات في الشوارع هو موقف لا إنساني ينمّ عن قصر نظر.
إن المطلوب في هذه المرحلة من الصراع الامبريالي الصهيوني/الفلسطيني العربي الأممي هو الوعي بجوهر أهداف هذا العدوان وحقيقة المخاطر التي يمثلها على القضية الفلسطينية وعلى مستقبل الشعوب العربية وكلّ شعوب العالم التوّاقة إلى التحرّر والانعتاق، ثم إعادة الربط مع الاحتجاجات وكلّ أشكال المساندة للشعب الفلسطيني ولمقاومته الباسلة ليس لنصرتهما فقط بل للمساهمة أيضا في التصدّي لجبروت الامبريالية والصهيونية وضرب كل المخططات التي تستهدف حق الشعوب في التحرّر والانعتاق وتقارير المصير. إن الخطر محدق بالجميع وعلى كل أحرار وحراير العالم والوطن العربي وتونس تحديدا استنهاض الهمم والعودة إلى الميادين والشوارع لإسناد ودعم شعب الجبارين.

إلى الأعلى
×