بقلم ماهر الزعق
لا داعي للتفصيل فالأوضاع ساءت بشكل لم يسبق له مثيل ومن لم يرى هذا الأمر فهو مصاب بالعمى أو بالحَول، ما يجعل الوضع أشدّ خطورة والمقاومة أكثر تعقيدا هي جملة من العوامل المتداخلة والمتكاملة نسوقها باختصار وبقدر ما يسمح به المجال.
- وصل سعيّد إلى الرئاسة في مناخ الأزمة الشاملة وضعف الدولة وتشويه الثورة وترذيل الديمقراطية وتبخيس القضاء واتّهام السياسة والسياسيين وإدانة النقابة والنقابيين وتتفيه الإعلام والإعلاميين وسيطرة أعداء الثورة والانتهازيين، مناخ أمست فيه اللزوجة تتصدّر المشهد والرعونة هي سيّدة الموقف، صعد سعيّد إلى الحكم في زمن التراجع والقنوط والاستكانة والخنوع وهيمنة مشاعر الخيبة واليأس والألم والقرف والشكّ، استثمر هذا الوضع المُزري ليضع مشروعه قيد التنفيذ مسنودا بمن لهم مصلحة في ذاك برنامج، أضحى بين عشية وضحاها يسرح كما يحلو له أن يسرح ويهذر كما يطيب له أن يهذر ويعبث كما يعنّ له أن يعبث، لا يكترث بمعاناة الشعب، بل إنّه يستثمر في البؤس وشحّ المواد الأساسية والماء والدواء ليردّد سرديته المُدلّلة، القائمة على نظرية المؤامرة والمتآمرين الذين ينكّلون بالجهات المهمّشة وبالشعب الفقير وليتنصّل من المسؤولية ويرتدي عباءة المعارضة ويصبح هو الحاضر وهو المستقبل، هو الخيار وهو البديل، صعود نجمه هو نتاج أزمة وهو في حاجة إلى تواصل الأزمة، تركها تستفحل بمقدار وألقى بالشعب في مضمار العدو للحصول على أدنى متطلبات العيش والتخلي الطوعي أو القسري عن استحقاقات الحريّة و المواطنة والكرامة وهذا مكمن خطر في حكم “المهدي المنتصر”.
- الجموع اليائسة والمقهورة والوجوه التائهة والمهزومة والأرواح المُتعبة من المشاهد المُقرفة، هذه في حاجة إلى الاستقرار، في حاجة إلى زعيم قوي يكرّس النظام ويعبُر بها الطريق إلى برّ الأمان، فكان سعيّد هو العصفور النادر للجهاز فهو مستجدّ وقادر على خداع الناس، المهيّؤون أصلا لتصديقه لأنه مختلف، فكان أن أطعمهم الوهم وسقاهم الهَبل وأن أثّر على الشباب الذكوري ذو المستوى الثقافي المتواضع و/أو الوضع الاجتماعي المتدهور، أغرى جماعات من الوصوليين والانتهازيين الطامعين في نيل الحظوة وبعض السلطة ووظّف القذارة الحيّة لترويج مشروعه الاستبدادي بكل صفاقة وفجاجة ودون خجل وبلا حياء، كلّ هذا وغيره ضاعف منسوب الحُمق والعُته والحقد والكراهية والعنصرية والشماتة والبلادة وهذا مكمن خطر في حكم “المهدي المنتصر”.
- إن التهريج والتفخيم والتهويل المغالطة والتذاكي وشتم ووصم وتحقير وتهديد الخصوم هو تعبير عن رغبة جامحة في السلطة والتسلّط وهو انعكاس لتركيبة نفسية يختلط فيها مُركّب النقص مع تضخّم الأنا، يختلط فيها الخواء مع الاستعلاء، هي مزيج من التوحّد مع الانفصام والنزعة إلى العنف مع الهذيان وربّما يتوهّم بأنّه مرسل من السماء للإنسانية جمعاء، بل إنّه نصف إلاه يتفوّق على الرسل والأنبياء وإن كان هذيان الحاكم مُعدي مثل الوباء فإنّ الهذيان الجماعي مُدمّر بشكل لا يمكن التنبؤ به، وهذا مكمن خطر في حكم “المهدي المنتصر”.
- سعيّد الذي منح لنفسه سلطات فرعونية، لم يتجرّأ على قطاع التهريب والمهرّبين وعلى البنوك وشركات التأمين وعلى الرأسمال الطفيلي وعلى تجريم التطبيع، لم يتجرّأ على تغيير القوانين الفاسدة ولجم التجارة الموازية وعلى مراجعة اتفاقيات النهب والهيمنة مع الخارج وعلى الحدّ من الاقتراض وعلى رفض دور بوليس المتوسط… تلك خطوط حمراء، لسعيّد أن يمرح في مربّع حدّده الجهاز وليتوهم أنّه الفاتق الناطق والداهية الماكر وليبشّر الصابرين بالعبودية السعيدة ولكنّه في الأساس يساهم في تحويل الشعب إلى قطيع والمواطنين إلى رعيّة، يساهم في إحياء دولة البوليس وتعزيز نفوذ النخّاسين وكلاء الاستعمار وهذا مكمن الخطر في حكم “المهدي المنتصر”.