بقلم منذر خلفاوي
الرأسمالية هي الحرب
لم تنقطع الحروب منذ انقسام المجتمعات إلى طبقات متناحرة ووجود التملك الفردي لوسائل الإنتاج الذي يدفع مالكيه إلى مزيد إنماء الثروة، ومع حلول المجتمع الطبقي الرأسمالي وتتالي أزمات فيض الإنتاج تأكدت الحاجة إلى الأسواق لترويج السلع الزائدة والمتراكمة، توالت الحروب لاستعمار الشعوب واقتسام العالم ما بين البلدان الرأسمالية التي اتجهت أكثر فأكثر إلى تطوير الصناعة الحربية على حساب رفاه المجتمعات.
لقد أدّت المنافسة بين القوى العظمى إلى اندلاع الحربين العالمتين الأولى والثانية التي ذهب ضحيتها ملايين البشر مقابل إثراء الشركات المتعددة الجنسية للبلدان المنتصرة، وبعد انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية وهزيمة الفاشية نالت عديد الشعوب استقلالها تجسيما لحق الشعوب في تقرير مصيرها الذي فرضته موازين القوى الجديدة. لقد انقسم العالم بين قطبين الامبريالية الرأسمالية من جهة والاشتراكية الداعمة للسلم والحرية من جهة ثانية. لكن انهيار الاتحاد السوفياتي وتحوّله إلى قوة امبريالية أدّى إلى الحرب الباردة في مرحلة أولى ثمّ إلى هيمنة القطب الامبريالي الرأسمالي الأحادي بزعامة الامبريالية الأمريكية على العالم. ومع تجدّد الأزمة الرأسمالية في بداية القرن الواحد والعشرين (أزمة الرهن العقاري 2008 وجائحة كورونا 2021) انكمش الاقتصاد العالمي وتكثف السباق نحو التسلح وامتلاك السلاح النووي من جديد وتعدّدت بؤر التوتر في العالم بين كبريات الدول الامبريالية ويشهد العالم اليوم هجوما وحشيا وهمجيا ضد البشرية والطبقات الكادحة.
الحرب الروسية الأوكرانية نموذجا
إن الصراع بين القوى الامبريالية من أجل اقتسام العالم المقسّم بطبعه والاستحواذ على أسواق جديدة ومواد أولية ومناطق نفوذ تمثل السبب الرئيسي للحرب في أوكرانيا وتستعمل الامبريالية الأمريكية حلف الناتو الأداة العسكرية الرئيسية للحفاظ على هيمنتها وتفوقها العسكري أمام الامبريالية الروسية والصينية أعداءها الرئيسيين. إن حلف شمال الأطلسي “الناتو” هو هيئة أركان حرب رهيبة إذ يحوز على ميزانية تعدّ ملياري يورو وآلاف القوى العسكرية ويمتلك الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والتقليدية في مئات القواعد العسكرية المنتشرة في مختلف أرجاء العالم، من القطب الشمالي إلى إفريقيا ومن أوروبا الغربية إلى المحيطين الهادي والأطلسي، ليزرع الرعب ويشنّ الحروب على الشعوب حيث تدخّل في البوسنة وكوسوفو والعراق وأفغانستان والعراق وليبيا وسوريا…
إن الحرب الامبريالية الرأسمالية في أوكرانيا تقابل أمريكا وحلف شمال الأطلسي من ناحية وروسيا من ناحية ثانية ويتمّ التسريع في استعمال الأسلحة التقليدية والحديثة وتطويرها باستمرار إذ وصلت ميزانية التسليح إلى نسب مرتفعة من الناتج الداخلي مثلما هو في الاتحاد الأوروبي (2 %) وتجدر الإشارة إلى تحوّل الامبريالية الألمانية إلى قوة أولى في أوروبا بميزانيتها الضخمة بـ100 مليار يورو.
يخشى أحرار العالم من استفحال الحرب الحالية إلى مستويات غير مسبوقة التي تستعدّ لها الإمبرياليات الأمريكية والروسية والصينية لحلّ تناقضاتهم وتستعمل كل منها مبررات واهية، فروسيا التي تدكّ أوكرانيا بالقنابل تدّعي أنها “تسعى إلى إسقاط النازية في أوكرانيا وجعلها بلدا محايدا” بينما تدّعي أمريكا وحلف الناتو أنها تدافع على الأوليغارشيا الحاكمة الرجعية واللاشعبية في أوكرانيا وتعدها بعضوية الاتحاد الأوروبي وبإعادة الإعمار مستقبلا…
جدول حول الإنفاق العسكري لبعض البلدان سنة 2023
النسبة المائوية من الإنفاق العالمي |
النسبة المائوية من الناتج المحلي |
الإنفاق (مليار دولار) |
البلد |
الرتبة |
37 |
3,4 |
916 |
أمريكا |
1 |
12 |
1,8 |
330 |
الصين |
2 |
4,5 |
6,3 |
130 |
روسيا |
3 |
3,4 |
2,4 |
83,6 |
الهند |
4 |
3,1 |
7,1 |
75,9 |
العربية السعودية |
5 |
3,1 |
2,3 |
74,9 |
انجلترا |
6 |
2,7 |
1,5 |
66,8 |
ألمانيا |
7 |
قائمة لبعض البلدان حسب مستوى المعدات العسكرية
البلد | أسلحة نووية | دبابة قتال | حاملة طائرات | قمر صناعي عسكري |
أمريكا | 5244 | 4645 | 11 | 141 |
الصين | 410 | 5000 | 2 | 132 |
روسيا | 5889 | 13530 | 1 | 109 |
فرنسا | 290 | 222 | 1 | 7 |
تفيد الأرقام والمعطيات المحينة أثناء الحرب الأوكرانية النموّ المتسارع لميزانيات المؤسسات العسكرية على حساب ميزانيات الخدمات العمومية كالصحة والتعليم… وذلك في البلدان المعنية مباشرة وأيضا البلدان الحدودية وهو أمر طبيعي بالنظر لكون كل طرف يسعى إلى استغلال التطورات التكنولوجية لتعصير الأسلحة وتجاوز الخصوم، ولقد فوجئ العالم مؤخرا خلال الحرب الامبريالية في غزة وغيرها أسلحة تعدّ خرافية مثل تفجير الهواتف عن بعد أو المسيّرات وأساليب الدفاع الجوّي كما نشهد انتشار الأسلحة النووية التي أصبح التهديد باستعمالها مسألة عادية (banalisé).
انعكاسات زيادة النفقات العسكرية
تدخل القوى الامبريالية المتصارعة في دوامة التسابق نحو التسلح الذي يمكن أن يؤدي إلى حرب كونية خاصة وأنّ أسلحة الدمار الشامل منتشرة بين أيدي حكام مجانين الخ… كما تدفع البلدان المتصارعة إلى مزيد التداين وضخّ الأموال للتسلّح. ولقد انعكست الحروب الحالية في أوكرانيا كما في فلسطين والسودان وليبيا الخ… بالسلب على حياة الشعوب بارتفاع نسب التضخم وارتفاع الأسعار وبانتشار مزيد البؤس والأمراض والبطالة والهجرة، كما تؤثّر سلبا على البيئة بمزيد تلويث وتدمير الطبيعة بالنفايات. لذلك لا بدّ من الوعي بأهمية النضال من أجل السلم في العالم ووقف الحروب العدوانية وتخليص الشعوب من ويلاتها.