“الانتقام من الأسرى يعكس عمق تأثير 7 أكتوبر في كيان الاحتلال”
حاورها علي الجلولي
تستمرّ “صوت الشعب” في التواصل مع أسيرات الحرية اللاتي تمّ تحريرهنّ في إطار الاتفاق بين المقاومة وكيان الاحتلال ضمن ما بات يعرف بـ”صفقة التبادل”. نحاور هذه المرة المحامية الشابة الأستاذة ديالا عايش التي تمّ أسرها في جانفي 2024 على خلفية الأنشطة النضالية المناهضة للاحتلال التي انخرطت فيها كل فئات المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية حيث تعيش الأستاذة ديالا التي تحرّرت بعد عام بالضبط من الأسر صحبة حرائر فلسطين اللاتي شكّلن ولا زلن أحد عناوين الصمود والأنفة داخل زنازين العدو وفي مختلف الساحات والواجهات داخل فلسطين المحتلة وفي بلدان اللجوء والشتات.
الرفيقة ديالا، بعد التهنئة على التحرر من الأسر، لو تذكري قراء “صوت الشعب” بالسياق الذي تمّ فيه اعتقالك رغم كونك محامية؟
الاحتلال لم ينظر لي بحسب طبيعة عملي، الاحتلال ينظر لي ويتعاطى معي بكوني فلسطينية وهذا كاف لاعتقالي وضربي وعزلي وقمعي والتنكيل بي والتعرض لأبشع ظروف الاعتقال وهذا ما جرى معي ومع باقي الصبايا المعتقلات معي. لقد مررت مع بقية الصبايا بظروف قاسية جدا مما عمق لدينا حين تحررنا أننا كنا في قبور للأحياء وخارجين من مقبرة أحياء أين كنا منعزلين تماما عن العالم الخارجي. لا نعرف ما يحدث بالضبط في هذا العالم لذلك حين غادرت الاعتقال كنت مصدومة مما جرى. إن أقسى ما عشناه كأسيرات هو الانعزال كليا عن العالم الخارجي إذ لم نكن نتمتع بزيارة الأهل، وحتى زيارات المحامين فتتم لضروريات قانونية وتكون لمدة قصيرة جدا وكثيرا ما يتم إلغاؤها من الدقيقة صفر من قبل إدارة السجن. وكوني محامية فهذا لم يكن يعني شيئا بالنسبة لسلطة الاحتلال.
أكدت الأسيرات المحررات أن ظروف الاعتقال بعد 7 أكتوبر تغيرت كليا ونسفت مكاسب الحركة الأسيرة. كيف عشت تجربة الاعتقال؟
أنا تم اعتقالي بعد 7 أكتوبر وإن لم أعش ظروف الاعتقال قبل ذلك فان علاقتي بالأسرى كمحامية أطلعتني على هذه الظروف. أنا اعتقلت في 17 جانفي 2024 وسمعت من الصبايا المعتقلات عن تفاصيل هذا التغير. لقد قرأت كثيرا أدبيات الحركة الأسيرة وما راكمته من مكاسب وحقوق تعرضت للنسف بعد 7 أكتوبر وأول قرار ألغي هو إلغاء التعامل مع ممثلي الأقسام الأمنية باعتبارهم ممثلين للأسرى ومخاطبين للإدارة، وفي قسم الأسيرات كانت هناك ممثلة عنهن تمثلهم وهي المخاطب الوحيد للإدارة التي لا يمكن لأعوانها التواصل مع بقية الأسيرات. لقد تم الالتفاف على هذا المكسب المهم وأصبح التعاطي مع الأسرى مثل التعاطي مع المساجين المدنيين، فرغم التعاطي الأمني الصرف معنا كأسرى إلا أن هذا كنا نعتبره مكسبا مهما لأنه يعترف بخصوصيتنا. وهذا النسف أصبح مبعث فخر للإدارة وخاصة في الذكرى الأولى ل 7 أكتوبر حيث تم تعذيبنا والاعتداء علينا لكن أكثر ما كانوا يردّدونه هو الصياح على مسامعنا أن 7 أكتوبر نسف كل مكاسبنا السابقة، وكانوا يقولون أن 7 أكتوبر الذي يجب أن يعيش معنا ليس ما قامت به المقاومة في غزة، بل ما نعيشه الآن من إذلال وقهر، لقد ركز خطاب إدارة الاحتلال على هذا الجانب والغاية واضحة وهي كسرنا معنويا.
كيف تقدّرين واقع ومستقبل مشاركة المرأة في نضال الشعب الفلسطيني من أجل التحرر والاستقلال؟
في إحدى زيارات المحامين للأسيرات أبلغوننا بأننا سنخرج على واقع جديد مختلف كلياً عن الواقع الذي كان قبل اعتقالنا، وبالفعل وجدت أنّ السنة التي غُيّبت بها في الاعتقال غيّرت الواقع بشكل كبير، أصبح الواقع أصعب بكثير من قبل.
لكن ما دام الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال سيبقى من يناضل حتى ينال شعبنا حريته الكاملة، والمرأة الفلسطينية هي جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني ومن نضالات الشعب، ومنذ الاحتلال الصهيوني كانت ولا زالت هي والرجل صفا واحدا في النضال من أجل دحر الاحتلال، وصعوبة الواقع لن تغيّر من قوة المرأة الفلسطينية ورغبتها في نيل حريتها.
بما تتوجّهين إلى نساء وشباب الوطن العربي والعالم؟
كفلسطينية وأسيرة محررة، أوجّه الشكر لكل أحرار العالم اللذين كانت ولا زالت فلسطين حاضرة في قلوبهم، واللذين كانت قضية الأسيرات والأسرى حاضرة معهم وحملوها معهم بكل المحافل التي استطاعوا الوصول إليها، وكنا عندما نسمع عن تظاهرات أو نشاطات تحت عنوان فلسطين في العالم يصيبنا شعور بالفرح والفخر بسبب رفع اسم فلسطين حول العالم لكن بالضرورة شعور مختلط بالحزن بسبب الفقد والظروف السيئة التي كنا نعيشها.
وبالخلاصة نحن على ثقة دائمة بكم وبأنّ الاحتلال لو غيّب أصوات كل الشعب الفلسطيني هناك من سيرفع اسم فلسطين وقضية فلسطين عالياً.
وبالنهاية أنا اليوم تحرّرت على الأقل من السجن الصغير، لأعيش بسجن أكبر؛ سجن الضفة الغربية الذي أصبح به 900 حاجز عسكري صهيوني على الأقل، لكن هناك أسيرات وأسرى لا يزالون يقبعون خلف زنازين المحتل، يعيشون أسوء الظروف اللاإنسانية، ينتظرون منكم الكثير، كما تنتظر منكم فلسطين.