الرئيسية / الافتتاحية / في اليوم العالمي للعمّال أوضاع العمّال والأجراء في تدهور مستمرّ
في اليوم العالمي للعمّال أوضاع العمّال والأجراء في تدهور مستمرّ

في اليوم العالمي للعمّال أوضاع العمّال والأجراء في تدهور مستمرّ

أحيي عمّال تونس، في غرّة ماي، مع باقي عمّال العالم، اليوم العالمي للعمّال الذي يخلّد نضالات طبقتهم ضدّ رأس المال من أجل الحقّ في العيش بكرامة. ويمثّل هذا اليوم لحظة مهمّة للتّقييم والتّخطيط للمستقبل. ومن هذا المنطلق فإنّ أوضاع العمّال وعموم الكادحين في العالم تسجّل تدهورا فظيعا وتراجعا مريعا، في مراكز النّظام الرّأسمالي كما في توابعه. ويمثّل هذا التّدهور نتيجة حتميّة للأزمة العميقة لهذا النّظام الذي يتّجه اليوم بخطى حثيثة نحو الفاشيّة كحلّ لهذه الأزمة على حساب العمّال والأجراء في الدّاخل والشّعوب والأمم الضعيفة في الخارج: قمع الحرّيّات، التّضييق على العمل النّقابي، احتكار الإعلام ومحاصرة الأصوات الحرّة، اضطهاد النّساء والمهاجرين والأقلّيّات، خفض الأجور، خفض نفقات الخدمات العامّة، الزّيادة في الضرائب للأجراء وخفضها لكبار الأثرياء، إثارة الحروب والنّزاعات في عدّة من مناطق العالم، دعم الكيان الصّهيوني في حرب الإبادة التي يشنّها ضد الشّعب الفلسطيني، العدوان على اليمن وسوريا ولبان الخ… بضاف إلى ذلك تفاقم عسكرة الاقتصاد وتوجيه الميزانيات نحو التسلح والتصنيع العسكري على حساب الخدمات الاجتماعية استعدادا للحرب التي تمثل لازمة من لوازم الامبرياليّة.
وفي بلادنا يعود يوم العمال وأوضاعهم الماديّة في أسوأ حال رغم الدعاية المضلّلة لرأس النظام الذي يتظاهر بالانتصار “للفقراء والبؤساء”. إن تواصل نفس الخيارات الاقتصادية والاجتماعية التي يدعي قيس سعيد معاداتها لم يفرز إلا مزيد تفقير العمال والأجراء وعموم الكادحين في المدن والأرياف. إن تدنّي نسبة النمو لسنوات متتالية يعني انسداد آفاق التشغيل وارتفاع نسبة البطالة (حوالي 16 بالمائة) وتفاقم ظواهر الفقر والبؤس والتشرّد وهجرة الكفاءات و”الحرقة”. كما أن استمرار نسبة التضخم في المواد الغذائية (15 في المائة) والملابس والأحذية (حوالي 12 بالمائة) وما له من انعكاسات على الأسعار الملتهبة باستمرار له تداعيات سلبية على المقدرة الشرائية، علما وأن ندرة بعض المواد أو افتقادها من السّوق ما زالت متواصلة. ومن جهة أخرى تتفاقم ظاهرة غلق المئات حتى لا نقول الآلاف من المؤسسات الصغرى والمتوسّطة بسبب عدم توفّر المواد الأولية أو نصف المصنّعة وهو ما يؤدّي إلى تسريح أعداد هامة من العمّال الذين يعزّزون صفوف المعطلين عن العمل.
وفي هذه الأوضاع تواصل المنظومة الفاشيّة الشّعبويّة إقصاء المركزيّة النّقابيّة (اتّحاد الشّغل) من التّفاوض حول أوضاع الأجراء الماديّة (أجور، ضرائب…) وحول القوانين الخاصة بالشغل (مثل إلغاء المناولة والعقود الشغلية ذات المدة المحدودة…) وللتذكير فإن رئاسة الحكومة كانت أصدرت منذ ديسمبر 2021 منشورا يحمل عدد 20 يمنع على الوزارات الإمضاء على أي اتفاق أو محاضر جلسات مع النقابات فيها التزامات مالية دون موافقة مسبقة منها. إن هذا الوضع الذي يستمرّ منذ انفراد سعيد بكرسي الحكم يؤكّد معاداته للحركة النقابيّة وكل المنظمات المهنيّة ويرفض دورها في التعبير عن مصالح منظوريها الذين يريد تجريدهم من أي إطار مهني لتنظيم صفوفهم دفاعا عن حقوقهم المادية والمعنوية كما يريد تجريدهم من تنظيم أنفسهم سياسيّا لإقصائهم من المشاركة في الشأن العامّ والتّعبير عن تصوراتهم وبرامجهم لتغيير أوضاعهم وأوضاع الشعب بصورة جذريّة وعميقة. ومن المعلوم أن القمع السياسي والمحاكمات الجائرة لم تطل السّياسيّين والإعلاميّين والمدوّنين ونشطاء/ناشطات المجتمع المدني فحسب وإنما طالت عددا من النقابيين أيضا. وممّا شجّع سلطة الانقلاب على المضي في نهجها القمعي الأوضاع الداخلية الرثّة والمتأزّمة للاتحاد العام التونسي للشّغل.
وهكذا فإن أوضاع العمّال والكادحين وعموم الشعب تعرف اليوم تدهورا على مختلف الأصعدة وهي نتيجة منطقيّة لاستمرار السّياسات المدمّرة التي يواصل قيس سعيّد ومنظومته تكريسها وهي سياسات قائمة على التّداين المفرط الدّاخلي والخارجي رغم خطابات التغني بالسيادة الوطنيّة، وخدمة مصالح مصاصي الدماء رغم اللغط حول مكافحة الفساد ولوبيات المتنفّذين. إن مصلحة العمال والكادحين اليوم كما في الأوقات السابقة في النضال دفاعا عن الحقوق وعلى رأسها الحق في الشّغل والكرامة والأجر العادل المناسب لكلفة العيش والتغطية الاجتماعية الشاملة وظروف العمل الإنسانية والخدمات الاجتماعية الرّاقية والمجانيّة (صحة، تعليم) أو منخفضة التكلفة (النقل، السّكن، الماء، الكهرباء، الثقافة، المحاضن ورياض الأطفال) والتقاعد اللائق إضافة إلى الحق في العمل النقابي وحريّة التعبير والإضراب والاحتجاج وهي كلها حقوق غير قابلة للتصرّف ضحّت من أجلها الطبقة العاملة العالمية والتونسية بالغالي والنفيس.
فلتكن غرة ماي انطلاقة جديدة للنضال الاجتماعي والشعبي في بلادنا دفاعا عن الحريات والحقوق ليس للعمال والأجراء فحسب وإنّما لكافة الطبقات والفئات الشعبية وما يعنيه ذلك من مطالبة بإطلاق سراح كافة معتقلي/معتقلات الرّأي ورفع اليد عن حرّية الإعلام وإلغاء القوانين الجائرة والفاشية وفي مقدمتها المرسوم 54 والكف عن المحاكمات الجائرة وتوظيف القضاء وانتهاك شروط المحاكمة العادلة وإلغاء اتفاقية العار مع الاتحاد الأوروبي الخاصة بالمهاجرين غير النظاميين بمن فيهم التونسيون في بلدان هذا الاتحاد وتعبيدا للطريق من أجل إسقاط منظومة الاستبداد وإرساء أسس جمهورية ديمقراطية، شعبيّة يحقق في إطارها العمّال والكادحون والفقراء ومختلف فئات الشعب الأخرى وفي مقدمتها النساء والشباب المهمّش انعتاقهم من الظلم والغبن والتبعيّة والاستغلال والفقر والجهل والمرض والبؤس. ولتكن غرّة ماي أيضا فرصة للرفع من مستوى التضامن مع الشعب الفلسطيني والمطالبة بوضع حدّ لحرب الإبادة والعدوان على اليمن وسوريا ولبنان علاوة على الضغط محلّيا من أجل تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب. ولتكن، أخيرا، فرصة ليرفع العمال والنقابيون التونسيون صوتهم عاليا مع رفاقهم ورفيقاتهم في مختلف أنحاء العالم ضدّ الزحف الفاشي الشعبوي ومخاطر الحرب التي تهدّد الإنسانية جمعاء.

عاشت غرّة ماي عنوانا للتضامن العمالي الأممي
عاشت الطبقة العاملة التونسية
إلى النضال من أجل الشغل والحرية والكرامة الوطنية

إلى الأعلى
×