شعارنا “بلترة وتقوية وتصليب الحزب” ونناضل في نفس الوقت
من أجل بناء جبهة الطبقات الشعبيّة للتخلّص من النظام الاستبدادي القائم
جمال براجع هو مناضل يساري ماركسي لينيني مغربي معروف ومن أبرز قادة حزب النهج الديمقراطي العمالي وقد انتخب أمينا في المؤتمر الخامس للحزب الذي انعقد أيام 22 و23 و24 جويلية (يوليوز) 2022.
انطلقت مسيرته النضالية منذ الشباب أواخر سبعينات القرن الماضي حيث انخرط في الحركة التلاميذية تحت تأثير أفكار اليسار الماركسي اللينيني (اليسار الجديد) التي كان لها تأثير كبير في أوساط الشباب من طلبة وتلاميذ ومثقفين.
التحق في بداية الثمانينات في الجامعة لفصيل الطلبة القاعديين وهو أبرز وأقوى فصيل يساري طلابي وشكل مدرسة كبيرة في تنظيم وتأطير الطلبة فكريا وسياسيا ونقابيا ونضاليا.
بعد تخرجه من الجامعة أواسط الثمانينات والتحاقه بالعمل في التعليم كأستاذ انخرط في النضال النقابي والحقوقي.
ساهم في التسعينات مع ثلة من المناضلين في تأسيس حزب النهج الديمقراطي وتحمل فيه مسؤوليات قيادية وطنية وجهوية منها عضوية اللجنة الوطنية (ما يوازي اللجنة المركزية) والكتابة الوطنية للحزب لولايتين متتاليتين منذ المؤتمر الوطني الثالث للحزب سنة 2012.
أجرينا معه حوارا شيقا فيما يلي نصّه:
ونحن نحيي عيد العمال العالمي هذه السنة في ظل ما يشهده النظام الرأسمالي العالمي من تحوّلات كبرى تطال تأثيراتها كل بلدان العالم، أي دور للطبقة العاملة في بلداننا المغاربية والعربية وفي العالم عموما لمواجهة هذه التحولات؟
تخلد الطبقة العاملة، ومعها شعوب العالم وقواها الثورية والتحررية، عيدها الأممي فاتح ماي لهذه السنة في ظل ظروف دولية بالغة التعقيد والصعوبة من جراء التغول الرأسمالي الإمبريالي وما يرافقه من تكثيف استغلال الطبقة العاملة والهجوم على مكتسباتها التاريخية سواء في دول المركز الرأسمالي أو في الدول التابعة، وكذا تكثيف استغلال ثروات ومقدرات الشعوب وإغراقها في المديونية لتكريس التبعية للقوى الامبريالية… هذا بالإضافة إلى ما ينتجه ويخلفه هذا التغول الامبريالي من حروب ( من أبرز مظاهرها حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني) وصراعات وإرهاب وتدمير للبيئة وتنام للتوجهات اليمينية النازية وخاصة في أوربا وأمريكا الشمالية والتي تجعل من النساء والمهاجرين والأقليات وحقوق الإنسان موضوعا لسياساتها وحملاتها الدعائية العنصرية لاكتساح الرأي العام في المجتمعات الغربية في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي تعرفها هذه المجتمعات.
وكما هو معروف، يأتي هذا التغول الرأسمالي الإمبريالي الغربي للحفاظ على هيمنة القوى الرأسمالية الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية على العالم في سياق التراجع الملحوظ لهذه الهيمنة بسبب الأزمة الخانقة المتواصلة للمنظومة الرأسمالية الغربية منذ انفجار الأزمة في 2008، وظهور أقطاب اقتصادية منافسة صاعدة أصبحت تهدد تلك الهيمنة وتكرس واقعا جيو استراتيجيا جديدا قائما على التعددية، وعلى رأسها تلك الأقطاب الصين وروسيا.
إن هذا الواقع الجيوستراتيجي الجديد وما ترافقه من تحولات على كافة المستويات وخصوصا على مستوى موازين القوى الجيوسياسية في العالم بقدر ما يحتوي على مخاطر وتحديات صعبة وخطيرة تواجه البشرية والأمن والاستقرار في العالم من جراء سعار القوى الامبريالية وخصوصا الأمريكية-سعار يتصاعد مع وصول ترامب للسلطة- خوفا على أفول هيمنتها الذي يشكل أفولا لهيمنة الرأسمال المالي الاحتكاري الأمريكي الذي فرض سطوته المطلقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بقدر ما يفتح آفاقا رحبة أمام الطبقة العاملة في صراعها الطبقي في مواجهة الاستغلال الرأسمالي المتوحش، وأمام الشعوب للتحرر الوطني من الهيمنة الإمبريالية والأنظمة الاستبدادية التابعة التي تكرسها، إن هي عرفت كيف تستغل هذه التحولات الجديدة بما يخدم تحررها وانعتاقها من الاستغلال والقهر الرأسمالي الامبريالي والاستبداد والتبعية. ولن يتأتى لها ذلك إلا إذا بنت وقوت أدوات تحررها السياسية من أحزاب ثورية ماركسية لينينية في بلدان المركز الرأسمالي للقضاء على سلطة البرجوازية والانتقال إلى الاشتراكية، وأحزاب ثورية ماركسية لينينية وجبهات وطنية ديمقراطية شعبية في البلدان التابعة، مثل بلداننا في المنطقة العربية المغاربية، لإنجاز مهام الثورات الوطنية الديمقراطية الشعبية بقيادة الطبقة العاملة الضرورية لتمهيد الطريق نحو الاشتراكية. ولن يتحقق لها التحرر الطبقي والوطني إلا إذا وضعت نضالها في إطار النضال الأممي ضد المنظومة الرأسمالية الإمبريالية المهيمنة. وهذا يتطلب من جميع القوى الثورية والوطنية في منطقتنا والعالم ككل تنسيق جهودها وتوحيد مواقفها وبناء جبهات إقليمية وأممية ضد الإمبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وبناء أممية ماركسية، بالنسبة للتنظيمات الماركسية، لقيادة الصراع ضد الرأسمالية ومن أجل الاشتراكية. كما أن على الطبقة العاملة أن تبني وتقوي وتطور وتوحد أدواتها النقابية المستقلة وتحررها من هيمنة البرجوازية والارستقراطيات النقابية العميلة للبرجوازية لتصبح، بالفعل، أدوات ومدارس حقيقية لتنظيم العمال/ات ونشر الوعي الطبقي العمالي وسطهم/ات في تمفصل جدلي مع سيرورة بناء وتقوية أحزابها السياسية المستقلة.
تمرّ الحركة النقابية في جميع بلدان العالم بمصاعب موضوعية وذاتية منها الانقسامات التي شقت المنظمات النقابية وأدت إلى التعددية، فما حال الحركة النقابية في المغرب الشقيق اليوم وهل استفادت الطبقة العاملة من التعددية النقابية؟
فعلا، تعيش الحركة النقابية، أزمة موضوعية وذاتية، كجزء من أزمة الحركة العمالية والثورية عبر العالم، ومنها منطقتنا، وخصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والتجربة الاشتراكية في أوربا الشرقية وما تلا ذلك من تراجع للفكر الاشتراكي ومن تحولات فكرية وسياسية وسط العديد من الأحزاب والحركات الشيوعية والاشتراكية نحو الاشتراكية الديمقراطية وحتى الليبرالية بالنسبة لبعضها تحت تأثير هول الصدمة وما رافقها من هجوم أيديولوجي وسياسي ليبرالي برجوازي ولأفكار ما بعد الحداثة التي تنفي الصراع الطبقي ودور الطبقة العاملة كحاملة لمشعل التحرر من الرأسمالية. وقد وجدت الأرستقراطيات النقابية في هذه التحولات فضاءا أنسب لتكريس هيمنتها على الحركة النقابية العمالية وتسييد عمالتها الطبقية وتصورها البيروقراطي الرجعي للممارسة النقابية إما كنضال اقتصادوي ( خبزي) منفصل عن الصراع الطبقي ضد البرجوازية، أو كنضال نقابي، بأهداف سياسوية، ملحق بالأحزاب البرجوازية والبرجوازية الصغيرة أو بالسلطة في بعض البلدان.
ولا تخرج الحركة النقابية المغربية من أسر هذا الواقع. فهي تعاني من جميع الأمراض التي كرستها الأرستقراطية النقابية من تدبير بيروقراطي للشؤون والملفات النقابية ومن تشتيت للحقل النقابي بخلفيات مصلحية وسياسية انتهازية إلى درجة أن عدد النقابات في المغرب يعد بالعشرات، معظمها لها وجود وتأثير شكلي، الشيء الذي أضعف قوة الطبقة العاملة وجعل نسبة التنقيب وسطها جد ضعيفة لا تتجاوز في أحسن الأحوال 6% من مجموع حجمها البالغ حوالي أربعة ملايين عامل وعاملة. (أغلب العمال/ات المنقبون/ات مؤطرون في مركزيتين نقابيتين هما: الإتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل).
إن هذه التعددية النقابية هي تعددية مصطنعة ضارة بمصالح الطبقة العاملة وبوحدتها التنظيمية والنضالية، تشكلت تاريخيا انطلاقا من خلفيات سياسية إما من طرف النظام القائم لإضعاف وتشتيت الجسم العمالي النقابي أو من طرف أحزاب سياسية لتشكيل أذرع نقابية للضغط على النظام لتحقيق المكاسب السياسية. وكان لهذه التعددية، ولا زال، آثار وانعكاسات مدمرة ورهيبة على مصالح ووحدة الطبقة العاملة التي تجد نفسها في مواجهة هجوم واستغلال باطرونا رأسمالية مفترسة مدعمة من طرف النظام القائم الذي يوفر لها جميع الشروط السياسية والقانونية والقضائية والعملية لتكثيف استغلال العمال/ات وقمع نضالاتهم/ن، كان آخرها تمرير قانون الإضراب التكبيلي الذي جرد الطبقة العاملة من أهم سلاح لصراعها ضد الاستغلال الرأسمالي وهو الإضراب. ويتم الآن الإعداد لمراجعة مدونة الشغل لفرض المزيد من هشاشة الشغل والأجور وشروط العمل.
في قلب هذا الواقع المر نناضل، كحزب النهج ديمقراطي العمالي، إلى جانب جميع المناضلين/ات والقوى المنحازة للطبقة العاملة من أجل تحقيق الوحدة النضالية الميدانية للطبقة العاملة في أفق وحدتها النقابية التنظيمية وتشجيع العمال/ات على الانخراط في النقابات وتوحيد النضالات ودعمها والعمل على تشكيل توجه نقابي ديمقراطي ميداني عابر للنقابات. وتحقيق ذلك يتم في إطار سيرورة نضالية تاريخية مرتبطة جدليا بمهمة بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة وببناء وتقوية التنظيمات المستقلة للجماهير الشعبية من منظمات نقابية واجتماعية وحقوقية وتنسيقيات وحركات اجتماعية وحراكات شعبية…
في مؤتمره الخامس قرر حزب النهج الديمقراطي الشقيق التحوّل إلى “حزب النهج الديمقراطي العمالي”، فهل يمكن أن تشرح لعموم الرفاق والقراء في تونس المغزى العميق لهذا التحوّل، وهل سترافقه تغيرات جوهرية في خط الحزب وأساليب عمله وأولوياته؟
حزب النهج الديمقراطي العمالي هو امتداد فكري وسياسي للحركة الماركسية اللينينية المغربية التي ظهرت في بداية السبعينات من القرن الماضي وخصوصا لمنظمة ” إلى الأمام”. وقد ظل وفيا لمبادئها وأهدافها في إنجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية على طريق الاشتراكية والشيوعية، ولخطها الكفاحي الثوري.
تأسس الحزب في سنة 1995 تحت اسم “النهج الديمقراطي”. وفي مؤتمره الوطني الخامس، الذي انعقد في يوليوز 2022، تم الإعلان عن تأسيس ” الحزب المستقل للطبقة العاملة”/حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين كمهمة آنية وضرورية لا تقبل التأجيل تفرضها من جهة ظروف الأزمة البنيوية الشاملة لنظام الرأسمالية التبعية السائد في المغربي وانعكاساتها الخطيرة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للطبقة العاملة وعموم للشعب المغربي والتي تستمر في التفاقم والتدهور يوما عن يوم مخلفة ملايين الفقراء والمهمشين والعاطلين عن العمل… ومن جهة ثانية اتساع وتصاعد النضالات العمالية والشعبية وما تطرحه من ضرورات ومتطلبات تنظيمها وتوحيدها وتوجيهها لتحقيق أهدافها ولكي تصب في المجرى العام للتغيير الوطني الديمقراطي الشعبي، ومن جهة ثالثة التراكمات الفكرية والسياسية والتنظيمية والنضالية الهامة التي حققها الحزب في مسيرته النضالية والتي وفرت الشروط الضرورية للحسم في اتخاذ قرار الإعلان عن تأسيس الحزب المستقل للطبقة العاملة.
ونحن نعتبر أن عملية بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة هي سيرورة تاريخية ونضالية منفتحة على كافة الماركسيين-اللينينيين/ات المؤمنين/ات بالمشروع التاريخي للطبقة العاملة في تحقيق التحرر الوطني وبناء الديمقراطية على طريق الاشتراكية كمرحلة انتقالية نحو الشيوعية.
وبالإعلان عن تأسيس الحزب المستقل للطبقة العاملة يكون النهج الديمقراطي العمالي قد حقق قفزة نوعية في مساره الفكري والسياسي بتبنيه الواضح للماركسية اللينينية كمنهج للتحليل وكنظرية للتغيير الثوري وكمشروع مجتمعي بديل يهدف إلى انعتاق وتحرير الإنسانية من الاستغلال والاضطهاد والاستبداد في أفق بناء المجتمع الاشتراكي تحت سلطة الطبقة العاملة وحلفاءها من الفلاحين الفقراء وعموم الكادحين، وحيث يتحكم المنتجون الأحرار في وسائل الإنتاج وفي مصير إنتاجهم الذي يجب أن يوجه لتلبية حاجاتهم ولإسعادهم. وعلى هذا الأساس يركز الحزب في خطه السياسي على التوجه نحو الطبقة العاملة، إلى جانب حلفائها من فلاحين فقراء وكادحين، لتنظيمها وتأطيرها أيديولوجيا وسياسيا وتنظيميا باعتبارها الطبقة الثورية الأساسية النقيض للبرجوازية والملقى على عاتقها قيادة التغيير الثوري وإنجاز مهام التحرر الوطني والديمقراطية في أفق الاشتراكية. وانطلاقا من هذا التصور، ومن أجل تأهيل الحزب حتى يكون في مستوى إنجاز هذه المهمة ينصب العمل على أجرأة شعار “بلترة وتقوية وتصليب الحزب” بما يعنيه ذلك من التجذر وسط الطبقة العاملة واستقطاب طلائعها المناضلة وتوسيع إشعاع ونفوذ الحزب ليتحول إلى قوة سياسية واجتماعية وازنة وفاعلة في المجتمع واشتغال أجهزته وقطاعاته وتنظيماته وفق المبادئ التنظيمية الماركسية اللينينية.
وفي ارتباط بسيرورة بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة يتوجه النهج الديمقراطي العمالي نحو العمال والكادحين لمساعدتهم على بناء وتقوية تنظيماتهم الذاتية للدفاع عم مصالحهم الآنية والمستقبلية. كما يناضل من أجل بناء جبهة الطبقات الشعبية الضرورية للتخلص من النظام الاستبدادي القائم وبناء نظام وطني ديمقراطي شعبي تكون فيه السلطة للشعب. وهي جبهة شعبية عريضة تضم كل الطبقات والفئات والقوى السياسية والمجتمعية المتضررة من النظام القائم والتي من مصلحتها التخلص منه. وتتكون هذه الجبهة عبر مسارين مترابطين جدليا: الأول يتمثل في الجبهات الميدانية ( نضالات عمالية وحراكات شعبية وحركات اجتماعية وتنسيقيات…) التي يتم فيها تنسيق الفعل النضالي الميداني بين كافة القوى والفئات الشعبية، والثاني يتمثل في بناء الجبهة الديمقراطية التي تضم القوى اليسارية والديمقراطية المختلفة، ويعتبر النجاح في بناءها ضرورة لنجاح جبهة الطبقات الشعبية.
وترتبط هذه السيرورات الثلاثة، في تصور الحزب، بسيرورة بناء أممية ماركسية. لهذا يعمل الحزب على تطوير وتقوية علاقاته الأممية مع كافة القوى الماركسية والماركسية اللينينية على صعيد منطقتنا وعلى الصعيد العالمي لبناء هذه الأممية لعولمة النضال ضد الرأسمالية والإمبريالية ومن أجل بناء المجتمع الاشتراكي في أفق الشيوعية.
نتابع بانتباه الحركة الاحتجاجية العظيمة في المغرب الشقيق ضد حرب الإبادة البشعة في غزة ولكن أيضا ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني، فما هي الآمال المعقودة على هذه الحركة؟
بداية لابد من التذكير أن الشعب المغربي وقواه التقدمية والثورية تعتبر القضية الفلسطينية قضية وطنية لا تقل أهمية عن باقي قضاياه المصيرية كقضايا التحرر الوطني والديمقراطية وغيرها. الشيء الذي جعل القضية حاضرة دائما في وجدان وعقول المغاربة الأحرار، وفي قلب اهتمامات ونضالات وأنشطة القوى التقدمية والثورية التي لم تدخر جهدا في دعم ومساندة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة بمختلف الأشكال والوسائل بما فيها إرسال متطوعين لخوض الكفاح المسلح في صفوف المقامة وخصوصا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والذين استشهد العديد منهم.
ولعل ما يؤكد هذه الحقيقة هو ردود فعل الشعب المغربي واحتجاجاته دعما للشعب الفلسطيني في نضاله ضد العدو الصهيوني ومن أجل حريته واستقلاله، واحتجاجا على تواطؤ وتعاون النظام المغربي مع هذا الكيان من خلال استقبال بعض رموزه وإقامة علاقات معه في المجالات المختلفة وفتح مكتب الاتصال “الإسرائيلي” بالرباط في سنة 2000 والذي اضطر إلى إغلاقه تحت الضغط الشعبي. ثم ردود فعل الشعب المغربي وقواه المناضلة على توقيع النظام على اتفاقية التطبيع الخيانية مع العدو الصهيوني في 10 دجنبر 2020.
ولمواجهة السياسة التطبيعية للنظام وتوحيد النضال التضامني مع الشعب الفلسطيني التأمت العديد من القوى السياسية والنقابية والحقوقية والجمعوية وأسست “الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع” بتاريخ 28 فبراير 2021 مما أعطى دفعة هامة منظمة لنضال ودعم الشعب المغربي للقضية الفلسطينية والتي تقوت و توسعت أكثر بسبب حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي يشنها الكيان الصهيوني منذ انطلاق ملحمة “طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، حيث تصاعد ت أشكال الدعم التضامنية مع الشعب الفلسطيني ومقاومته الوطنية والاحتجاجية على سياسة التطبيع مع العدو الصهيوني من مسيرات ووقفات عبر ربوع البلاد وأنشطة اشعاعية وتعبيرية متنوعة. لكن، للأسف، لا ينصت النظام لنبض الشعب المغربي، وهو يتمادى في سياسته التطبيعية في كافة المجالات ضدا على الإرادة الشعبية إلى حد تشريع أبواب بلادنا أمام المجرمين الصهاينة واستقبال سفن “الموت والإبادة الجماعية” في الموانئ المغربية، والتي تحمل العتاد العسكري للكيان لتقتيل الفلسطينيين، رغم كل الجرائم والمجازر المروعة التي يرتكبها هذا الكيان في حق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية. والأكثر من ذلك يقوم أحيانا بقمع التظاهرات واعتقال ومحاكمة النشطاء ومحاصرة الأشكال النضالية وتنظيم حملات دعائية مغرضة، عبر أبواقه الإعلامية، لتشويه سمعة الجبهة ومكوناتها.
وما يميز هذه الدينامية النضالية التضامنية التي أطلقتها الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع هو استمراريتها وشمولها لمختلف فئات الشعب ولمختلف مناطق البلاد ومشاركة قوى سياسية واجتماعية مختلفة المرجعيات والخلفيات الفكرية والاجتماعية. ومما ساهم ويساهم في استمرار عمل الجبهة وحيويتها وقدرتها على التعبئة هو أنها تشتغل، بصفة عامة، بآليات تنظيمية مرنة ومنهجية ديمقراطية جماعية وأشكال متنوعة في التعبئة وخصوصا استعمال وسائل التواصل الاجتماعي.
ورغم قوة واستمرار نضالات الجبهة فإنها لم تتمكن لحد الآن من تحقيق شعار “إسقاط التطبيع” بسبب اختلال موازين القوى لصالح النظام وعدم استطاعتها لحد الآن من تحويل هذا الشعار إلى شأن شعبي تحمله مختلف الطبقات والفئات الشعبية وتناضل من أجل تحقيقه. مما يجعل من إسقاط التطبيع مرتبط بتغيير موازين القوى لصالح الجماهير الشعبية وقوى التغيير، وفي مقدمتها القوى اليسارية، وهو ما يتطلب من هذه الأخيرة العمل بروح وحدوية جماعية على تشكيل الجبهة الشعبية الميدانية الواسعة للنضال من أجل إسقاط نظام الاستبداد باعتباره العقبة والعائق البنيوي أمام تحرر شعبنا وبناء النظام الوطني الديمقراطي الشعبي.