بقلم علي الجلولي
صدرت نتائج الدورة الأولى لامتحان البكالوريا، في انتظار صدور نتائج دورة التدارك يوم 13 جويلية المقبل، وفي انتظار ذلك حتى تكون القراءة موضوعية يمكن إبداء بعض الملاحظات الأولية حول النتائج المعلنة.
الدورة الأولى في أرقام
تقدّم لاجتياز الامتحان 151.779 تلميذ ولم يحضر منهم في قاعات الامتحان إلّا 144.863، أي أنه لم يجر الاختبارات سوى 95,44 % فقط من المسجلين، نجح 53.721 أي ما نسبته 37,08 %، وبلغ عدد المؤجَّلين 46.281 أي ما نسبته 31,95 %. فيما بلغت نسبة المرفوضين 30,52 % من مجموع المترشحين.
أمّا توزيع الناجحين حسب الشعب فكان كما يلي:
74,93 % من مترشحي شعبة الرياضيات، 73,33 % من مترشحي شعبة الرياضة، 48,47 % من مترشحي شعبة علوم الإعلامية، 45,83 % من مترشحي شعبة العلوم التجريبية، 35,02 % من شعبة العلوم التقنية، 28,95 % من شعبة الاقتصاد والتصرف و23,02 % من الآداب.
ومن جملة الناجحين تمكنت 33.890 فتاة من النجاح بما يشكل 63,09 % من مجموع الناجحين، فيما بلغ عدد الذكور 19.831 أي 36,91 %. كما تمكنت أربعة فتيات من تصدّر نتائج شعبهنّ من جملة 7 شعب.
وقد حاز على الشهادة بملاحظة متوسط 55,51 %، و23,07 % بملاحظة قريب من الحسن، و13,13 % بملاحظة حسن، و8,29 % بملاحظة حسن جدا. وبلغت حالات الغش 647 حالة.
أمّا ترتيب المندوبيات فقد حافظت مندوبيّتا صفاقس 1 و2 على صدارة الترتيب، كما حافظت مندوبيتا قفصة والقصرين على تذيّله.
في دلالات الأرقام
إنّ أهمّ الملاحظات حول نتائج الدورة الأولى لهذا العام يمكن أن تطال المستويات التالية: تواصل الفجوة بين الجهات وبين الشعب وبين الأجناس.
أمّا فيما يهمّ تفاوت النتائج بين الجهات، فإن جدول الترتيب يمكن اعتماده كمؤشر مهمّ في قراءة حقيقة التفاوت بين جهات البلاد، فتفوّق جهة صفاقس والجهات الساحلية مقابل تنافس جهات الشريط الغربي على أسفل الترتيب يعزى في جانبه الأساسي إلى ضعف إمكانيات هذه الجهات فيما يهمّ الشروط المادية للتمدرس. الأكيد أنّ الأمر لا يتعلق بتفاوت في الذكاء لكن بتفاوت واسع في امتلاك شروط تثمين الذكاء وهي الشروط المادية والاقتصادية والاجتماعية. فالبنية الأساسية للمؤسسات التربوية تعيش حالة تراجع مفزع في كل الجهات، لكن الأمر يصبح مريعا وفظيعا في الجهات الداخلية. ولا تتوقف البنية الأساسية على حالة المدرسة وقاعاتها ونقص إطار التدريس ووسائل العمل، بل يشمل أيضا ظروف النقل وانعدام وسائله في عديد الحالات ممّا يفرض على آلاف التلاميذ التنقل لمسافات طويلة يوميا ممّا يستنزف وقتهم وصحتهم بما يؤثّر سلبا على تركيزهم وأدائهم المعرفي. وكثيرا ما ترتبط هذه الأوضاع الدراسية بالأوساط الاجتماعية الأكثر فقرا وخاصة في الأرياف. لذلك فإن تأثر النتائج المدرسية بالأوضاع المادية والاقتصادية للمحيط الاجتماعي ظاهرة وبيّنة، لذلك لا غرابة أن تكون الجهات الأكثر تفقيرا هي الجهات الأسوأ نتائج مثل القصرين وقفصة وجندوبة والقيروان. هذا لا يعني البتة أن الجهات التي تتصدّر الترتيب هي جهات يعيش سكانها رغد العيش. إنها جهات استفادت من بعض العوامل التي ساهمت في تحسين النتائج، فجهة صفاقس ظلت تستفيد من نوع من الثقافة والتقليد الذي يقدّس العمل والاجتهاد والإيمان الكبير بالدراسة كمصعد اجتماعي، وهي ثقافة تمسّ وسطا هاما من سكان الجهة المتعلمين منهم وأيضا الأوساط الاقتصادية والتجارية الصغرى والمتوسطة التي ترى في التمدرس والتفوق فيه علامة من علامات الانتماء الاجتماعي وافتكاك الموقع والوجاهة، وهي عقلية تسود أيضا الخط البحري من جهة مدنين (جربة وجرجيس) التي قفزت من الموقع التاسع في العام الماضي إلى الترتيب الثالث في الدورة الأولى. ولئن حافظت جهات الساحل وتونس الكبرى ونابل وبنزرت على مواقعها في النصف الأول من الترتيب، فإن بقية الجهات الداخلية ترصّفت في النصف الثاني من القائمة.
على أنّ القراءة الأكثر علمية والأكثر موضوعية لهذا الوجه من النتائج لا يجب أن تقف على حدود ترتيب الجهات على أهميته كمؤشر كمّي ذي دلالة. إنّ القراءة الأكثر موضوعية هي التي تنكب على النظر والتمحيص في خريطة النجاح على مستوى كل جهة لتبيّن الفوارق بين المؤسسات التي تحوز الحدّ الأدنى من شروط التمدرس والأخرى التي يغيب عنها ذلك. على أنّ التعاطي مع الأرقام والإحصائيات لا يجب أن يقف عند أعداد الناجحين والراسبين، بل يجب أن يستحضر معطيات أخرى تهمّ ظروف التمدرس التي تقارب العدم في عديد المؤسسات.
أمّا المؤشر الثاني الذي يمكن قراءته أوليا من خلال المعطيات الإحصائية، فهو الذي يهمّ الفجوة الواضحة بين الشعب، فقد نجح تقريبا ثلاث أرباع المترشحين من شعبتي الرياضيات والرياضة، وقرابة نصف مترشحي شعبتي العلوم الإعلامية العلوم التجريبية، وثلث مترشحي العلوم التقنية، فيما لم يتجاوز الناجحون ربع المترشحين في شعبتي الاقتصاد والتصرف والآداب. وهذا الوجه يهمّ معضلة من معضلات التعليم في بلادنا وهي معضلة الهوّة بين المسالك والشعب في غياب أيّ رؤية للإصلاح ولا للمراجعة بما عزّز الظواهر غير التربوية مثل الدروس الخصوصية للتفوق في الشعب العلمية وهو أمر عمّق الجوهر الطبقي لعملية التمدرس في حدّ ذاتها بمزيد ربط الفرص بالقدرة المادية، فيما تتعزّز الهوّة بين عدد المنتسبين إلى “شعب التفوّق” التي لا تستقطب إلا عدد محدودا من التلاميذ، وهو ما يهدّد مثلا شعبة الرياضيات بالانقراض (8224 مترشحا) فيما وصل عدد مترشحي الاقتصاد والتصرف 49.225 والآداب 27.079.