الرئيسية / عربي / مخاوف من اندلاع صراع مسلح في العاصمة طرابلس من جديد
مخاوف من اندلاع صراع مسلح في العاصمة طرابلس من جديد

مخاوف من اندلاع صراع مسلح في العاصمة طرابلس من جديد

بقلم سمير جراي

مع تواصل هدنة وقف إطلاق النار بين القوات التي تتبع حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة والتشكيلات المسلحة غير الخاضعة لها والمتمثلة أساسا في “جهاز الردع لمكافحة الجريمة والإرهاب” تعيش طرابلس هدوءا حذرا مع استمرار الدبيبة في التأكيد من خلال تصريحاته المتكررة بأنه لا رجوع عن المواجهة المباشرة مع كل التشكيلات المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة، ويتخوف المواطنون في طرابلس وأحوازها من اندلاع الاشتباكات مرة أخرى وبطريقة أعنف إذا لم تتوصل الأطراف جميعها إلى ترتيبات معينة لتحييد “قوة الردع” وإدماجها ضمن وزارة الدفاع أو وزارة الداخلية مع القبض على العناصر المسؤولة فيها عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وخاصة المدعو أسامة نجيم وهو آمر جهاز الشرطة القضائية ورئيس مؤسسة الإصلاح والتأهيل في طرابلس التابع لـ”الردع” والمطلوب دوليا من قبل محكمة الجنايات الدولية لتورطه في ارتكاب جرائم تعذيب وإخفاء قسري وانتهاك حقوق الإنسان في سجن معيتيقة الذي تسيطر عليه “مليشيا الردع” بالإضافة إلى قضايا متعلقة بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، واستخدام المهاجرين المحتجزين في شكل من أشكال العبودية.

صراع الدبيبة وخصومه.. من ينتصر؟

في آخر تصريحات أدلى بها، لا يبدو أن الدبيبة تراجع عن فكرته في مواجهة هذه التشكيلات بقوة السلاح، خاصة مع الضوء الأخضر الذي مُنح له من المجتمع الدولي وواشنطن خصوصا، بشأن هذه الرؤية، وإثر الأحداث التي عاشتها العاصمة في ماي الماضي وصلت الدبيبة رسائل طمأنة بتواصل الاعتراف بشرعية حكومته دوليا ودعم رؤيته في بسط سلطة الدولة والقانون، وهو ما جعله يعقد العزم على تحقيق أهدافه وإزاحة كل المناوئين له في طرابلس والمنطقة الغربية.
قال الدبيبة في آخر تصريحاته إن العملية الأمنية التي قامت بها حكومته ضد “المليشيات الخارجة عن القانون” تمثل بداية فعلية لاستعادة سلطة الدولة داخل العاصمة، بلا شراكة مع أي قوة موازية مضيفا أن من يظنّ نفسه فوق الدولة سيجد أمامه جيشا وشرطة لا يخضعان إلا للقانون والشرعيّة. مؤكّدا تلقيه دعما دوليا واسعا لخطوات بسط الأمن، وترحيبا بالتحركات الجادة لإنهاء الفوضى المسلحة، ولكن ما هدف الدبيبة من كل ذلك؟

مؤسسة «فريدريش إيبرت»: الدبيبة فشل في كسب دعم شعبي حقيقي ويعتمد على المحسوبية

يهدف الدبيبة من خلال كل إجراءاته إلى الظهور بمظهر الداعم لحقوق الإنسان والحريات العامة والفردية وأن حكومته تراعي القوانين المحلية والدولية، وهي التي يجب الاعتماد عليها للمحافظة على الأمن، ومعايير حقوق الإنسان، وتتبع المجرمين من المليشيات التي انتهكت كل قوانين حقوق الإنسان والقوانين الدولية الإنسانية.
تحدثت مجلة «السياسات الدولية والمجتمع»، التابعة لمؤسسة «فريدريش إيبرت» الألمانية منذ يومين عما سمّته ثلاثة شروط لإحداث تغيير سياسي دائم في ليبيا، ومنها إنهاء المحسوبية والولاءات التي يعتمدها الدبيبة في سياساته، كما رأت المجلة أن الدبيبة فشل في كسب دعم شعبي حقيقي، وأن المواطنين باتوا يحمّلونه مسؤولية العنف المستمر والجمود السياسي، وقد خرجت احتجاجات واسعة تطالبه بالاستقالة، في تعبير واضح عن الغضب الشعبي المتصاعد.
في المقابل اتخذ رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي إجراءات مصيرية متعلقة بهيبة الدولة وتطبيق القانون منها قرار بحظر جميع المظاهر المسلحة في العاصمة، ومنع تحرك الألوية العسكرية فيها تحت أي ذريعة وكلف مدير أمن طرابلس والشرطة العسكرية بضبط وفرض الأمن، وشدد المنفي على ضرورة التزام كافة التشكيلات العسكرية بالأوامر والتعليمات، ودعم قوة فضّ الاشتباك للمحافظة على التهدئة وإيجاد الترتيبات اللازمة لدعم التوجه لبسط سيطرة الدولة.

بيان لجنة المتابعة الدولية في برلين يدعم شرعية الدبيبة

وممّا يؤكد دعم المجتمع الدولي لخطط الدبيبة في إنهاء حكم المليشيات، وتغاضيه عن الطريقة أو تداعيات العمليات العسكرية المحتملة، لم يتطرق البيان الختامي لاجتماع برلين، يوم الجمعة الماضي، لأيّ تعليق مباشر على المعركة السابقة أو المرتقبة، ورأى عدد من المحللين أن خلو البيان من التوصيفات الحادة، يعكس نجاح دبلوماسية الدبيبة في الإقناع بمشروع الدولة، وإعادة ضبط الأولويات، كما أن تجنب البيان للحديث عن حرب الدبيبة وخصومه يُفسّر على أنه تفهم ضمني للطابع “الشرعي” لهذه العمليات ضد الخارجين عن القانون.
البيان الختامي لاجتماع برلين الذي رعته البعثة الأممية بمشاركة ممثلي وسفراء حكومات عدة دول عربية وأفريقية وغربية، بالإضافة إلى الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية لم يتطرق أيضا إلى نقطة مهمة أخرى، وهي تغيير حكومة الدبيبة كما يطالب بذلك البرلمان وجزء واسع من الشعب الليبي.
يرى محللون أن خلو البيان بشكل تام من أي إشارة إلى ضرورة تشكيل حكومة جديدة، أو السعي لإعادة هيكلة السلطة التنفيذية، لم يكن عرضيا، بل يُعبّر على إدراك المجتمع الدولي بعدم واقعية الطرح البديل، وبأن أي تغيير في المشهد السياسي مربوط بالحوار الداخلي، لا من ضغوط خارجية، وهذا يعني دعم لشرعية حكومة الوحدة الوطنية إلى حين إجراء الانتخابات.
لم يخرج اجتماع برلين بقرارات حاسمة، ولكنه مثّل اعترافا ضمنيا بشرعية الإجراءات لي اتخذتها الحكومة، وفيه إشارات لتغيّر الموقف الدولي من اتباع سياسة الضغط إلى دعم “الشرعية” في خياراتها وتوجهاتها.
كل هذا يؤشر على تواصل الدعم الدولي للدبيبة وحكومته في ظل سعي الأخير إلى القضاء على خصومه داخل العاصمة في انتظار ما قد تؤول إليه الحوارات بشأن المسار السياسي وما إذا كانت البعثة الأممية ستنجح في تقريب وجهات النظر من أجل وضع قاعدة دستورية متينة تُجرى على أساسها الانتخابات.

تيتيه في إحاطة أمام مجلس الأمن: سأعرض خارطة طريق ذات حدود زمنية واضحة

وأمام هذه المعطيات قدمت المبعوثة الأممية إلى ليبيا الثلاثاء الماضي إحاطة أمام مجلس الأمن معتبرة أن اجتماع لجنة المتابعة الدولية في برلين يمثل نقلة لدفع الجهود الأممية إلى الأمام، وإطلاق عملية سياسية جامعة، موضحة أن الليبيين فقدوا الثقة في الأجسام الحالية، ويشككون في استعدادها لوضع المصالح الوطنية فوق مصالحها الخاصة.
وأكدت المبعوثة الأممية أن هناك رغبة في عملية سياسية تمكّن الليبيين من اختيار من يمثلهم وإنتاج حكومة ذات ولاية واضحة، داعية كل الأطراف إلى تجنب الإجراءات الأحادية، ووقف التصعيد المتبادل من أجل التهدئة.
ونوهت تيتيه إلى أنها تنوي تقديم خارطة طريق ذات حدود زمنية واضحة، وإنهاء المرحلة الانتقالية خلال الجلسة المقبلة لمجلس الأمن، في ضوء انعدام الثقة بين السياسيين والشعب.

إلى الأعلى
×