الرئيسية / صوت الوطن / “صحة حرية كرامة وطنية”.. الأطباء الشبان ينتفضون ضدّ سياسات التهميش والتنكيل
“صحة حرية كرامة وطنية”.. الأطباء الشبان ينتفضون ضدّ سياسات التهميش والتنكيل

“صحة حرية كرامة وطنية”.. الأطباء الشبان ينتفضون ضدّ سياسات التهميش والتنكيل

أساليب التهديد والقمع لن تثني التونسيين عن مواصلة النضال السلمي لافتكاك حقوقهم

بقلم سمير جراي

هذا المقال كُتب قبل أن تنتصر منظمة الأطباء الشبان في معركة ردّ الاعتباركما وصفها رئيسها وجيه ذكار بعد إمضاء الاتفاق مع وزير الصحة وإعلان المنظمة أنه تمّ الاستجابة لأغلب المطالب ومنها المطلب الأساسي المتمثّل في إعادة اختيار مركز التربّصات، وعلى إثر ذلك تمّ الإعلان عن إنهاء كل التحرّكات والعودة للعمل بعد تلك الهبّة الاحتجاجية من أجل الدفاع عن حقوقهم وعن المستشفى العمومي بكل عزم وشجاعة وتصميم مع مساندة كبيرة من الرأي العام ليقدّم الأطباء الشبّان درسا جديدا في الإيمان بأن الحقوق لا تُهدى بل تفتكّ.. وأنّ ما لا يأتي بالنضال يأتي بمزيد من النضال.

“صحة حرية كرامة وطنية”، “وزير بلا قرار يمشي يشدّ الدار”، “سبيطارات عَمّالْ لتالي والوزارة لا تُبالي”، “صامدون صامدون لا ترهيب ولا سجون”..

لا شكّ في أنّ من يستمع إلى هذه الشعارات والهتافات من أمام المسرح البلدي وسط العاصمة سيظن أنها وقفة احتجاجية لأحزاب سياسية من “المتآمرين” و”الخونة” و”العملاء” كما يعتبر قيس سعيد كل من يرفع شعارا سياسيا أو رأيا ضدّ سياساته الشعبوية، إلا أنه وبالاقتراب من جادة المسرح البلدي سيتفاجأ كل من ساء به ظنّه، بأن المحتجّين يرتدون “فرملة بيضاء” وهم ليسوا إلا الأطباء الشبان الذين ذاقوا ذرعا بسياسة التهميش والتفقير والإقصاء التي تمارسها عليهم وزارة الصحة ومن ورائها سياسات الرئيس المتفرّد بالسلطة.

هكذا إذن كانت شعارات الأطباء الشبان بعد أن وصلت الأزمة بينهم وبين سلطات قيس سعيد إلى طريق مسدود، بل واتّخذت منحىً خطيرا بعد التهديدات التي وجّهها وفد السلطة المفاوض لممثلي المنظمة التونسية للأطباء الشبان خلال جلسة تفاوض يوم الإثنين 30 جوان المنقضي، وخاصة ما صدر من وزير الشؤون الاجتماعية الذي هدّد وفد المنظمة بالتتبّع القضائي إذا واصلوا ممارسة حقّ من حقوقهم المشروعة وهو الاحتجاج ورفض قرارات السلطة المسقطة.

وعوض الدخول في مفاوضات جدية مع هذه الفئة من الأطباء التي تمثل عصب المستشفيات العمومية ومستقبل قطاع الصحة في بلادنا، اختارت السلطات نهج التصعيد، عبر اعتمادها جملة من الإجراءات العقابية تمثلت في تغيير مراكز التربص بشكل تعسفي، واقتطاع أجور المضربين، وتهديد بعض رؤساء الأقسام بعدم المصادقة على التربصات.

التهديد بالتقاضي يؤكد عزم سلطات مواصلة انتهاج أسلوب القمع

ومثّل التهديد بالتقاضي من طرف وزير الشؤون الاجتماعية الذي فوّضته رئاسة الحكومة، وتصريحه بعدم وجود إشكال في مغادرة الأطباء للبلاد وتعويضهم بأطباء من دول أخرى، تطوّرا خطيرا في خطاب السلطة ينمّ عن عزم سلطات قيس سعيد مواصلة إدارة النزاع الاجتماعي بأسلوب القمع وتجريم العمل النقابي.

وكنتيجة لفشل جلسة التفاوض وما بدر من تهديدات لأعضاء المنظمة واصل الأطباء الشبان تحركاتهم الاحتجاجية، في رسالة منهم لا تحتاج إلى توضيح، مفادها أنّ القمع والوعيد لن يثنيهم عن مواصلة النضالات والتحركات السلمية من أجل تحقيق مطالبهم المشروعة، وتزامنا مع انسحابهم من المستشفيات، بعد تعثّر المفاوضات، ورفض مطالبهم المتعلقة أساسا بتحسين ظروف العمل بالمستشفيات والحق في اختيار مراكز التربصات دون تعيينات فوقية من الوزارة، نظّم الأطباء الشبان وقفة احتجاجية رفضا للقرار الصادر عن وزارة الصحة والقاضي بإلزام الأطباء المقيمين بمواصلة العمل بمراكز تعيينهم الحالية، واعتبرت المنظمة القرار متعارضا مع الفصلين 8 و37 من القانون المنظم الدراسات الطبية ما سيؤثر على مسارهم الأكاديمي وتحصيلهم العلمي في مواصلة لمحاولات ضرب حقوقهم والتضييق على تحرکاتهم بحسب بيان للمنظمة.

وعن انسحابهم من المستشفيات توقّع نائب رئيس المنظمة بهاء الدين الرابعي أن يشارك أكثر من 6 آلاف طبيب شاب في الانسحاب اعتبارا من يوم الثلاثاء. وأوضح في تصريح لإذاعة “موزاييك” أنّ وزارة الصحة دعت في خمس مناسبات الأطباء الشبان للالتحاق بمراكز التربصات غير أنهم يصرّون على مواصلة تحركاتهم إلى حين الوصول إلى حلول نهائية بشأن مطالبهم.

من جهة أخرى، أكّد مكتب المنظمة الوطني غياب أيّ نيّة حقيقية للتفاوض من قبل السلطة، ما يعمّق الأزمة ويدفع إلى خيار الهجرة على مضض، ودعا المكتب جميع الأطراف، والأساتذة الاستشفائيين الجامعيين إلى تحمّل مسؤولياتهم التاريخية والتضامن مع الأطباء المقيمين وحماية مرفق صحّي عمومي يحفظ كرامة المواطن والأطباء على حدّ السواء.

استهداف الأطباء الشبان هو استهداف لكل التونسيين للتنكيل بهم، وحرمانهم من خدمات صحية مجانية

إنّ ما يتعرّض له الأطباء الشبان من تنكيل معنوي ومادي وتهميش مهني وقطاعي ما أدّى إلى انسحابهم من المستشفيات يؤثر حتما على جودة الخدمات الطبية في مستشفياتنا، وقد لاقت هذه التحركات مساندة واسعة من التونسيين بكل أطيافهم ودعا عشرات النشطاء كما ندعو كذلك من منبرنا هذا إلى مساندة حراك هذا الجيل من الأطباء الذي يمثّل مستقبل القطاع الصحي لبلادنا.

إنّ وقوف بقية القطاعات ونقاباتهم وكل التونسيين بمختلف توجهاتهم إلى جانب هؤلاء الشباب الذين يعتبرون طليعة النخبة العلمية، هو دفاع عن حقّ التونسيات والتونسيين في خدمات صحية جيدة ودعم لقطاع الصحة العمومية الذي تعرّض لكل أشكال التهميش والاستهداف، وهي سياسة انتهجتها كل الحكومات المتعاقبة للتنكيل بالتونسيات والتونسيين لحرمانهم من خدمات صحية مجانية وعالية الجودة، ولا يخفى على أحد الحال التي أصبحت عليها مستشفياتنا العمومية في السنوات الأخيرة.

التهديدات بالملاحقة القضائية تطال جلّ الفئات المهمشة من التونسيين

التناقض الصريح للخطاب الرسمي للسلطة فيما يتعلق بالدفاع عن مرجعية المرفق العمومي والمستشفى العمومي باعتباره أساس الدولة الاجتماعية واستهداف الأطباء الشبان ورفض مطالبهم ومحاولة قمع تحركاتهم وتهديدهم لا يدلّ إلّا على النهج الانفرادي والاستبدادي الذي يسوّق له قيس سعيد ويَلقُفه وزراؤُه وأنصاره لتخوين وضرب كل نفس يريد أن يكون حرا في هذه البلاد، ولكل من يريد التحرك من أجل كرامته وحقوقه المسلوبة.

وأبرز مثال على توسّع دائرة المستهدفين من طرف السلطة هو الكمّ الهائل من الانتهاكات والملاحقات القضائية التي طالت العمال والنشطاء من مختلف المجالات الاجتماعية، فلم تقتصر الانتهاكات على الملاحقات القضائية التعسفية على الفاعلين السياسيين والمدنيين في السنوات الأخيرة، بل شملت فئات مهمشة عبر إثارة قضايا اجتماعية واقتصادية وبيئية.

ووظفت سلطات قيس سعيد جريمة “تعطيل حرية العمل” الواردة في الفصلين 136 و107 من المجلة الجزائية في محاكمات لمحتجين وعمال ونقابيين في جهات مختلفة وفي سياقات متشابهة، وهو ما يؤشر على التوسع المستمر لنطاق الانتهاكات الحقوقية. وقد أجرت منظمة العفو الدولية في تحقيق لها بعنوان “المعاقبة على التجمع السلمي باستخدام تهمة التعطيل” مقابلات مع 26 شخصا ممّن جرى تتبّعهم قضائيا من محتجّين ومحامين ونشطاء وعائلات الموقوفين، ووثقت ملاحقات شملت 90 شخصا خلال الفترة بين فيفري 2020 وأكتوبر 2024 وقد ارتفع هذا العدد في سنة 2025 ليشمل نشطاء آخرين وقطاعات أخرى ولا نستغرب هنا أن يتمّ تلفيق القضايا ضدّ أعضاء منظمة الأطباء الشبان بسبب تحركاتهم الأخيرة.

إلى الأعلى
×