الرئيسية / أقلام / افتتاحية صوت الشعب: التصدّي للثّورة المضادّة
افتتاحية صوت الشعب: التصدّي للثّورة المضادّة

افتتاحية صوت الشعب: التصدّي للثّورة المضادّة

11أثارت تبرئة عدد من المسؤولين الأمنيّين في العهد النوفمبري من تهم القتل الذي أدّى إلى استشهاد عدد كبير من أبناء الشعب أثناء الثورة، والاكتفاء بمحاكمتهم من أجل جنح، وهو ما سمح لهم بمغادرة السّجن بعد ثلاث سنوات من الإيقاف، استنكارا واسعا في مختلف الأوساط السياسية والحقوقية والشعبية وبالخصوص لدى عائلات الضحايا التي رأت في هذه العملية مؤامرة، حيكت بين الأمنيّين والعسكريّين وبعض السّاسة من أجل قبر قضيّة أبنائهم وطيّ ملفّ الشّهداء وطمس معالم الجرائم التي ارتكبت في حقّهم وحقّ جرحى الثورة والشعب التونسي عامّة بشكل نهائي.

إنّ هذه الخطوة التي اتّخذتها المحكمة العسكرية، وهي محكمة استثنائية من إرث العهد الدكتاتوري، لا تتمتّع بالاستقلاليّة الكافية، تمثّل حلقة جديدة من حلقات الالتفاف على الثورة. لقد تمّ في وقت سابق إطلاق سراح عدد من رموز نظام بن علي دون محاسبتهم عن الجرائم التي ضلعوا في ارتكابها. وبعد ذلك سمحت حكومة الترويكا للبعض الآخر بتكوين حزب بل أحزاب والعودة إلى الساحة السياسية من الباب الكبير وتمجيد نظام بن علي و”إنجازاته” في العلن والاستعداد لخوض الانتخابات القادمة. ولم يبق في نهاية الأمر سوى غلق ملفّ الفساد المالي والاقتصادي حتى يتمّ تبييض صفحة نظام بن علي بالكامل.

إنّ مسؤوليّة ما يجري تتحمّله بالطبع الحكومات المتعاقبة منذ سقوط بن علي وبالأخص حكومة الترويكا وعلى رأسها “حركة النهضة” التي حكمت البلاد إثر انتخابات 23 أكتوبر 2011 وعملت بكلّ الوسائل على الالتفاف على ثورة الشّعب التونسي، فلم تقطع أيّة خطوة جدّيّة في فتح ملفّات العهد الماضي وفي تكريس العدالة الانتقالية ومباشرة إعادة تنظيم الأجهزة القضائيّة والأمنيّة والعسكريّة والإداريّة على أسس جديدة، عصريّة وديمقراطيّة، كما أنها لم تباشر إعادة تنظيم الحياة الاقتصادية والاجتماعية بما يقطع مع اختيارات العهد السابق القائمة على الاستغلال والعمالة والفساد وبما يوفّر للطبقات والفئات الشعبية التي مثّلت العمود الفقري للثورة مقوّمات العيش الكريم. ولا نخال الحكومة الحالية الآتية من “الحوار الوطني” قادرة على تغيير الاتجاه وعلى الالتفات إلى مشاغل الشعب وتحقيق مطالبه وطموحاته.

إنّ الواضح بعد كلّ هذا أنّ القوى الرجعية، بقديمها، أيّ الأطراف “التجمعية”، وحديثها، أي “النهضة” وحلفائها، تعمل بكلّ الوسائل على إجهاض ثورة الشعب التونسي نهائيّا وإعادة بسط سيطرتها على المجتمع، متحالفة أو متنافسة وذلك برعاية أجنبيّة، غربيّة، وخليجيّة. ولكنّ الواضح أيضا أنّ الشعب التونسي المتمسّك بحقوقه وبثورته ليس مستعدّا للانصياع لإرادة جلاّديه ومستغلّيه، فكما تصدّى لهم أكثر من مرّة في السّابق وفرض عليهم التّراجع، فهو مستعدّ اليوم للتصدّي لهم وإفشال مساعيهم المحمومة. إنّ شعلة الثّورة التونسيّة لم تنطفئ وإنّ الصّراع مع القوى الرجعية لم يحسم نهائيا حتى لو بدت الكفّة مائلة في اللّحظة الراهنة لهذه القوى. إنّ مسؤوليّة القوى الثوريّة وعلى رأسها الجبهة الشعبيّة تكمن في مزيد الالتصاق بالطّبقات والفئات الشعبيّة وتسليحها بالوعي والتّنظيم حتى تكون قادرة في الوقت المناسب على حسم المعركة لصالحها.                                                                           

صوت الشعب 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×