الرئيسية / أقلام / عندما يذهب الشّهداء إلى النّوم.. أقول لهم تصبحون على وطن
عندما يذهب الشّهداء إلى النّوم.. أقول لهم تصبحون على وطن

عندما يذهب الشّهداء إلى النّوم.. أقول لهم تصبحون على وطن

حمّلوه على فرس راكضة

يا أصدقائي لن تصبحوا مثلنا

حبل مشنقة غامضة

                                                                                          درويش

60

بقلم عمار عمروسية

منذ أكثر من سنتين ونحن ننبّه إلى الوضع الحرج الذي ارتدّ إليه المسار الثوري ببلادنا. ومنذ أكثر من عامين وجميع قوى الثورة المضادة تراكم الدليل تلو الآخر بصفاقة لا نظير لها من أجل تصفية مكتسبات الثورة والإجهاز على تطلّعات الكادحين والمفقّرين بما يضمن أوّلا الإجهاز النهائي على المسار الثوري وإيقاف تقدّمه وثانيا ترميم النظام القديم وتمشيطه حتى يستعيد عافيته وبطشه.

ومن نافلة القول إنّ “الترويكا” وخصوصا حركة النهضة قد لعبت الأدوار الحاسمة ومازالت من وراء الستار -الآن- في تعفين الأوضاع وتنظيم التقهقر المريع الذي أضحت عليه، مثلما يحلو لهم القول، التجربة التونسية.

ولعل آخر الحلقات المتعلّقة بتصفية الحساب مع الثورة وصولها حدّ إلحاق الأذى برمزيّة تلك الثّورة وروحها من خلال إصدار الدّائرة الجنائيّة بمحكمة الاستئناف العسكرية يوم 12 أفريل الجاري أحكاما في بعض قضايا الشهداء.

فبالرّغم من ماراطون الجلسات الممّل وتكاثر التأخير ومرور كلّ هذا الوقت تحت تعلاّت استكمال الأبحاث وجمع القرائن والتريّث الخ… جاءت الأحكام مجانبة لكلّ التّوقّعات وبمثابة الطّعنة العميقة ليس فقط لأرواح الشهداء وأسرهم وإنّما لكلّ القوى الديمقراطية والوطنية.

ودون الدخول في التفاصيل القانونية وحيثيات تلك الملفات فما صدر عن القضاء العسكري كان محلّ استهجان واسع من قبل الساحة السياسية والحقوقية حتى أننا في جميع البيانات لم نعثر إلاّ على عبارات من قبيل “وصمة العار”، “المهزلة” و”الصدمة”، “الصفقة” إضافة إلى الإجماع بالمطالبة بالنقل الفوري لكلّ الملفّات إلى أنظار القضاء المدني.

ونحن نعتقد مثل الكثيرين أنّ هذه الخطوة وحدها كفيلة من جهة لخفض التوتّر والاحتقان الحاصل ومن جهة ثانية بداية الشروع في إنصاف الشهداء وأسرهم مع التّشديد على خطورة الاستمرار في المكابرة بالحديث عن هيبة القضاء العسكري الذي لن نجد أفضل توصيف له غير ما ورد على لسان مناضلة حقوقية مشهود بنزاهتها ونقصد الأستاذة “راضية النصراوي” التي قالت على أمواج الأثير:”القضاء العسكري غير مستقل وليس من مشمولاته النظر في قضايا شهداء وجرحى الثورة”.

في ذات الوقت لابدّ من الوقوف على مسؤولية “الترويكا” في خطورة المناخ العام السائد في الساحة السياسية وتحديدا بالوسط القضائي. فهذا المناخ حدّدت كلّ معالمه وزواياه “الترويكا” ومازالت حتى هذا الوقت تتحكّم في الكثير من تفاصيله إمّا بواسطة التّعيينات المشبوهة التي تمّت بأمر من “نور الدين البحيري” أو من خلال عقلية الترهيب والابتزاز والصفقات التي تم اعتمادها ومازال على حساب كشف الحقيقة ومحاسبة المورّطين وإمّا بواسطة اختطاف المجلس التأسيسي واعتقاله لتحقيق مآرب الأغلبية وتعطيل مسار العدالة الانتقالية وتأخير انطلاقه حتى هذا اليوم.

ودون لبس فإنّ وصمة العار الجديدة هي نقطة من سجل أسود طويل ينضاف إلى الأحزاب التي تسلّمت مقاليد الحكم بعد 23 أكتوبر 2011 ممّا ينزع كلّ مصداقيّة عن بياناتها المدينة لتلك الأحكام ويعرّي زيف الحديث عن “الصدمة” التي وردت ببلاغ الرئاسة.

بعبارة أدقّ فالأحكام الصادرة مؤخّرا هي ثمرة منطقية لنهج التلاعب باستحقاقات الثورة وهي أيضا منسجمة مع محاولات الالتفاف والتّصفية التي مسّت واجهات عديدة وامتدّت إلى محطّات تاريخية مضيئة في النضال ضدّ الدكتاتورية. وفي هذا السياق وفي هذه الأيام أيضا نحييّ ذكرى عملية قفصة 80 البطولية. تلك العملية التي ذهب ضحيّتها، بعد محاكمة مهزلة غابت فيها أبسط معايير التقاضي العادل، العشرات من كوكبة الرجالات الأوائل الذين شقّوا طريق مقارعة النظام البورقيبي. فبقطع النظر عن الأسلوب المعتمد آنذاك فلا أحد بإمكانه نفي الرّوح الوطنية التي حرّكت تلك المجموعة إضافة إلى أنّ أهمّ رموزها مثل أحمد المرغني، عزالدين الشريف، عبد المجيد الساكري… يحملون وراءهم سنوات من السّجون والاعتقالات نتيجة معارضتهم حكم بورقيبة الاستبدادي.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×