الرئيسية / أقلام / ثورة آخر زمن
ثورة آخر زمن

ثورة آخر زمن

بقلم خالد الهداجي

100إنّنا في زمن غريب زمن مظلم وموجع زمن تتحوّل فيه ثورة الحرية إلى انتكاسة رجعيّة، زمن يسود فيه عبيد الموت ويسجن فيه أبناء الحياة، زمن تتحوّل فيه الأحلام إلى كوابيس والرّبيع إلى خريف والحرية إلى عبودية، زمن يتراجع فيه النور ويسود الظّلام.. ماذا نقول عن زمن تثور فيه الجماهير من أجل الخبز والشغل والكرامة والعدالة والحرية فتنقلب الآية وينقلب السّحر على الثائرين ليغرق الوطن في الوحل أكثر من قبل ليغرق الشعب في الفقر والجوع والبطالة أكثر لتتحوّل الثورة الى مأساة ولتتضخّم المعاناة.. إنه زمن العودة إلى الوراء بالسرعة السابعة. فجأة أصبح المشهد المخيّم على بلدان الرّبيع العربي الثائرة من أجل الحرية والديمقراطية هو مشهد من مشاهد القرون الوسطى مشهد الوحشية والدماء والذبح والتقتيل والجهل والأوبئة والمجاعات والذلّ والإهانة مشهد الجواري والعبيد والسبايا..

يحدث كلّ هذا في القرن الواحد والعشرين وكأننا نعود إلى ما قبل التاريخ ما قبل الإنسانية، مشهد صادم مجرمون يطلق سراحهم قتلة وقنّاصة ونهّابون ومتكرّشون يعيثون في الوطن فسادا وإفسادا وثوّار وأحرار يقبعون خلف القضبان.. متسلّقون وانتهازيّون ومخبرون تقدّمهم المنابر كثوّار يعلّموننا الوطنيّة ويلقون على أسماعنا دروسا في الديمقراطية والمدنية، سياسيّون أصبحوا بفضل الثورة من أثرى الأثرياء، مفقّرون أصبحوا بفضل الثورة أفقر من الفقر.. البوليس أصبح بفضل الثورة أكثر قمعا وتنكيلا.. كلّ شيء في وطني أصبح يباع في المزاد العلني ويتاجر به في الأسواق الحب والدّين والثقافة والفكر والتاريخ والفن كلّ شيء أصبح سلعة حتى دماء الشهداء هكذا تتحوّل الثورة إلى بصمة عار على جبين الوطن الذي مزّقته المحن والمآسي هكذا بعد أن ظنّ الجميع أنه الرّبيع ربيع الشعوب ظهر أنه ربيعهم ربيع الوحوش والمحتكرون ربيع المتوحّشون والمتكرّشون الذين ازدادوا جشعا ونهبا وتكالبا على الوطن ونهشا للحم الشعب..

إنه زمن العصف بأحلام شعب إنه زمن التجويع والتّرهيب ومحاكمة وقتل كلّ نفس ثوري حرّ.. إنّه زمن تحرير البضائع وتكبيل الإنسان.. إنه زمن تغلى فيه السّلع ويرخص فيه الإنسان.. زمن يزداد فيه المرفّهون رفاهية وبذخا ويزداد فيه الجائعون جوعا والمعطّلون عن الحلم والأمل عطالة.. إنه زمن الثورة الذي يسود فيه أعداء الثورة ويُسجن ويقتل فيه الثوّار.. إنه زمن الضّياع والضّباع تجتمع فيه الذئاب واللئام على موائد الأيتام… زمن تتخلّى فيه الدّولة عن كلّ شيء وتبيع فيه كلّ شيء تتخلّى فيه الدّولة عن دورها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للتفرّغ للقمع وحده فلا مهمّة أخرى للدّولة اليوم سوى بيع الوطن وتركيع الشعب… تنشر الدّولة كلابها في الشّوارع والساحات والميادين وأزلامها في الفضائيات والمنابر والمؤسسات فقط للترهيب والترويع فقط لتقدّم الوطن على طبق من الفضة لقوى النهب والاحتكار.. إنه الزمن النيوليبيرالي المتوحّش في أبشع مراحل جشعه. في النهاية لم يتبقّ لنا ولأبناء شعبنا شيئا البتّة سوى الحلم والأمل والمقاومة.

ليس لنا ما نخسره في النهاية سوى قيودنا في زمن تتجلّى فيه كلّ دواعي اليأس والإحباط علينا أن “نزرع الأمل قبل القمح” فمن مزبلة التاريخ يمكن أن تنبت وردة الحياة مثلما يمكن أن تتجلّى من عتمة الظّلام نجمة الحمراء.. نعم إنه زمن قاتم جنائزي لكنّه دعوة إلى المقاومة فمن قمّة اليأس ينبثق شعاع الأمل.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×