الرئيسية / صوت الوطن / عاملات القطاع الفلاحي خارج حسابات وأولويّات حكومة الفخفاخ
عاملات القطاع الفلاحي خارج حسابات وأولويّات حكومة الفخفاخ

عاملات القطاع الفلاحي خارج حسابات وأولويّات حكومة الفخفاخ

نساء بلادي كنّ ولازلن دائما باختلاف مستوياتهنّ وإمكانياتهنّ في الصّفوف الأولى في كل أزمة، فكما الطّبيبة والممرّضة وعاملة النسيج وعاملة الإدارة والإعلاميّة والصيدلانية والناشطة المتطوّعة والأمنيّة والعسكرية، كذلك عاملات النظافة وعاملات الفلاحة جميعهنّ جنود المرحلة تصدّرن الصّفوف الأولى في معاضدة مجهودات الدّولة لمواجهة الجائحة وحماية عائلاتهن وتأمين قوت أبنائهن.

ولئن سُلِّطت الأضواء مؤخّرا على “جنود الميدعة البيضاء” وإسهامات المرأة داخل المستشفيات وخارجها وكتبت الصّحف الوطنية والعالمية عنهنّ بإطنابٍ، إلاّ أنّ صورة النساء العاملات في المزارع والأراضي الفلاحية غابت وخفَتَ صوتها عَدا بعض المقالات والتّحقيقات التي لا تتجاوز عدد أصابع اليدِ أو نداءاتِ المجتمع المدني وبيانات المنظّمات، فلا البرامج الإعلاميّة ولا البرامج الحكومية ولا حتى حسابات روّاد الفضاء الأزرق من نشطاء أو نواب أو سياسيّين ممّن كانوا بالأمس يزيّنون بْرُوفيلاتهم بصور “الفولارة الخضراء”، تَذكَّروهن.

منسيّاتٍ في زمن الكوفيد-19

هل ننتظر أن يفتِك وباء كورونا بإحدى العاملات في القطاع الفلاحي حتى تتذكّر حكومتنا الموقّرة أنها نسِيَت جنديّا من جنودها بلا سلاحٍ ولا ذخيرة ولا مؤونة ولا وقاية يصارع وحده عدوَّا لا يرحم؟ أم أنّ جنود الخفاء قُدِّر لهنّ أن لا تُذكر أسمائهن ولا يُحْسب لهنّ حساب ولا تسلّط عليهنّ الأضواء إلا بعد كلّ كارثة تُزهق فيها أرواح عدد منهنّ لِنبْكِيهنّ أو في الأعياد والمراسيم لنتشدّق بحقوقهنّ ونتزيّن بوشاحهنّ؟

هنّ الكادحات رغم المِحن والأزمات، هنّ الصّامدات في وجه العنف والمُعاناة، بريق الأمل الصّامد رغم كل هذا الزخم من الانهيارات، كيف لا وهنّ منْ على أكتافهنّ تنشأ أجيال وأجيال وبسواعدهن تُملأ المخازن وتُعمّر الديار، عاملات الحُقول جانيات الثمار، نساء العُمق اللاتي يرْوين بِعرقِهنّ الأرض لتنبت وتثمر وبخيراتها نأمن لغذائنا ونقاوم الأزمات والحروب. فقد لا تكفي مشاعر الأسى على وصْف معاناة هذه الشّريحة من نساء بلادي.

نساء بلادي خارج حسابات حكومة الفساد

هنّ منسيّات، ونسيانهنّ متأتٍّ من نسيان قطاعٍ كامل، على أهمّيته، أهملته الدولة ولم يحظ بالرّعاية اللازمة ولمْ يكن ضمن أولوياتها أو مخطّطاتها رغم عشرات الأزمات التي شهدها خلال السنوات الأخيرة والتي كانت ناقوس خطرٍ يدقّ إيذانا بحدوث أزمة حقيقيّة تسير بنا نحو الفقر الغذائي. ولعلّ اتفاقية الأليكا وحدها كفيلة بكشف ما كانت تسير نحوه الفلاحة في تونس.

اليوم ونحن في حرب حقيقيّة وفي عزلٍ تامّ عن كل دول العالم أثبتت الأزمة أنّ الغذاء كالدواء على حدّ سواء، كلاهما ضروريّ وكلاهما شرط تعافي الجسد المجتمعيّ. فهل من مُنقذٍ لنا غير أرضنا وخيراتها وفلاحتنا واليد والسّاعد العامل فيها؟

في الحديث عن الفلاحة أخصّ بالاهتمام العاملات فيها، الحلقة الأضعف في سلسلة القطاع، تحيط بِهنّ المخاطر من كلّ جانب ويطاردهنّ شبح الموت مع كلّ خطوة منذ لحظة خروجهنّ من بيوتهن فجْرَا في الشّاحنات أو على الأقدام حتّى عودتهنّ قبل الغروب. ومع هذا تجِدُهنّ كاتِماتٍ لغيضهنّ بفؤادٍ حليمٍ لا يفيض إلّا بالصّفاء والمحبّة، وجوهُهنّ المجعّدة مُنهكَة القوى تكْسوها بسمات بينما في عيونهنّ صرخات تئن بصمت مكْتوم، حِمْلهنّ ثقيل تنوء تحته الجبال ولكنهنّ يتحدّين الوباء والعناء ويسلكن الطّرقات الوعرة في رحلتهن اليوميّة للكفاح من أجل البقاء.

إنقاذ نساء بلادي واجب وطني

نحن في خضمّ معركةٍ وأمام وضعٍ مفتوح على عدّة سيناريوهات، ومنها الأسوأ، نظرا لما يمثّله خطر انتشار الوباء من تهديدٍ يجب علينا توفير الأدوات من أجل خوض معركته والانتصار فيها، والانتصار الذي ننشده لا يأتي إلّا بالقرارات السّليمة والمدروسة والعمل الدؤوب، الذي يصبّ في اتّجاه منْ هُمْ في الواجهة ومن بهم نحفظ أو نخسر توازننا.
على الجميع اليقظة والتّعبئة لمواجهة وباء فيروس كورونا وتداعياته على القطاع الفلاحي والعاملات فيه ومن المفروض على الحكومة الاهتمام الجاد بالأوضاع الهشّة لهذه الفئة التي تواجه الجائحة منعزلة والتعجيل بإيجاد آليّة وتشريعات تضمن لهذه الفئة أدنى ظروف العيش الكريم وإعطائهنّ الأولوية في الاستفادة من المِنح والمساعدات الاجتماعية والبرامج التّضامنيّة بطريقة ناجعة ودون إحداث فوضى وتعريضهنّ للخطر كما حدث الأيام الأخيرة أمام مكاتب البريد.

ولحماية صحّة العاملات ووقايتهنّ من خطر العدوى، من الضّروري تكثيف زيارات المراقبة إلى الضّيعات الفلاحية التي اقتضت الضّرورة استمرارها في العمل لفرض التزام المشغّلين باحترام الإجراءات الاحترازيّة الصحّية أثناء العمل وأثناء نقل العاملات تفادِيًا لانتشار الوباء وحِفاظا على سلامتهنّ الصحيّة.

حياة العطار
المنتدى التونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×