الرئيسية / أقلام / فيلم “جمل البروطة” للمخرج حمزة العوني
فيلم “جمل البروطة” للمخرج حمزة العوني

فيلم “جمل البروطة” للمخرج حمزة العوني

 

مخرج فيلم جمل البروطة حمزة العوني

مخرج فيلم جمل البروطة حمزة العوني

حمزة العوني و فيلمه جمل البروطة (القرط) في نادي سينما حلقة الحمراء
في اطار سلسلة عروض ‫#‏نقطة_للسطر‬ لنادي سينما حلقة الحمراء تم عرض فيلم جمل البروطة بحضور مخرجه حمزة العوني…و اتسم النقاش الذي عقب العرض بالصدق و التلقائية..
و في هذه الورقة حاولت جمع بعض ما قيل حول الفيلم على اثر عرضه لاول مرة في تونس لتتكون لديكم فكرة عنه و عن مخرجه…
يبدأ الفيلم من ظلام دامس لا نسمع خلاله سوى صوت طرقات قوية بحجر على باب من الحديد لبضع ثوان، بينما في الخلفية الصوتية يأتينا بين لحظة وأخرى صوت نباح الكلاب، وكأن تلك الطرقات ما هي إلا جرس إنذار أو أداة تنبيه – للمجتمع وللمسؤولين وللمثقفين – لكل ما سيأتي من حقائق مؤلمة، وكأنه إنذار يُؤكد العنوان برمزيته الموجعة، فما أقوى الشبه بين حالة هؤلاء الكادحين وبين “جمل البروطة” الذي تتلخص كل مهمتهُ في الدوران حول البئر، معصوب العينين، لاستخراج المياه. يقضي هذا الجمل سنوات حياته في الدوران إلى أن يُصبح غير قادرٍ على العمل، فيتم ذبحه، واستبداله بآخر. والمجتمع نفسه يُشبه أيضاً هذا الجمل في حركة دورانه اللانهائية، كأنه يدور في حلقة مفرغة وهو الأمر الذي يخلق الحيرة والقلق ويجعلنا نتساءل: هل يمكن إصلاح هذا الوضع اللاإنساني؟ هل هناك أي بارقة أمل؟ ومن أين تأتي البداية؟ على صعيد آخر فإن كلمة “الجورت” والتي تعني التبن أو القش باللهجة التونسية، لكنها كتبت بحروف لاتينية أسفل العنوان العربي على التتر وكأنها مرادف “لجمل البروطة” وهى إشارة شديدة الذكاء من المخرج يُؤكد بها على الرمزية المقصودة والمعنى الحقيقي للفيلم، فعمال القرط مثل جمل البروطة ومرادف له.
و يختتم الفيلم بأغنية تقول كلماتها: هذا البلد يثير اشمئزازي/ فالحصول على الخبز فيه هو نوع من الخطر/ بصدق، سينتهي بي المطاف في السجن/ في باريس سأعيش جيداً/ في بلادي أعاني البؤس والبطالة/ لا يوجد شيء أكله/ لذلك سوف أعمل في المحطات وأحمل الحقائب لأنه في المحمدية ليس لي شيء.
الفيلم جديد في رؤيته، في مضمونه وإنسانيته، في قدرته على أن يغرس الحيرة في قلبك وعقلك، في أن يجعلك تتعاطف مع هؤلاء البشر الكادحين المحرومين والمطحونين رغم أنهم مارسوا السرقة والنهب والحرق والتكسير، رغم أنهم ليسوا فقط ضد حقوق المرأة ولكنهم أيضاً خدعوا النساء واحتالوا على الفتيات، تتعاطف معهم لأن إحساسك الدفين يخبرك أنهم ضحايا لهذا المجتمع الظالم الذي يستغلهم ويسلبهم أدميتهم، مجتمع لا يكتفي بأن لا يمنحهم أبسط حقوقهم، ولكنه أيضاً لا يتركهم إلا عندما يُصبحوا حطاماً أو بقايا بشر مهزومين، وهو في ذلك يتشابه مع مجتمعات أخرى، عربية وغير عربية.
مخرج الفيلم حمزة العوني يمكن وصفه بالمثقف العضوي، فهو يتتبع طوال فيلمه “جمل البروطة حياة ثمانية من عمال “القرط” أي عمّال شاحنات التبن التي تجوب الأراضي التونسية ذهاباًوإيابا، لكنه يغوص بشكل أكثر عمقاً في حياة اثنين منهما، وشواشة وخيري، إذ تربط بينهما علاقة صداقة حميمة كأنهما توأم، يتفاعل معهما حمزة، يدافع عنهما، يحثهما على التفكير والتغيير، فيتشجعان للحديث بصدق وصراحة عن أدق خصوصيات حياتهما فوق وتحت الأرض، يبوحان بمعتقداتهما وزلاتهما، وأخطائهما، يعترفان بعلاقتهما مع النساء، عن واقعة الاعتداء الجنسي علي أحدهما من شخص مثلي، يتحدثان عن الطريق ومخاطره ومُتعه الحسية القليلة التي لا يملكان غيرها حيث تُباع المشروبات الكحولية وتتصيدهم المومسات بأساليب تُتقنها.
تبقى الدقائق العشر الأخيرة من الفيلم ذات خصوصية كبيرة لما بها من شحنة صادمة ومؤلمة جداً، فبعد مشاجرة عنيفة شديدة الصراحة والعتاب القاسي بين الصديقين، يأتي المشهد المذهل لخيري ذلك الشاب الضحوك الساخر طوال الفيلم والذي يهتم بمظهره وشعره، والذي يزين ذراعه بوشم التنين، ويهتم بارتداء الدلاية في عنقه نفاجأ به في هيئة أخرى، الشكل تغير بعد مرور سنة، فاللحية طويلة والوجه يكسوه الحزن والهم وكأنه كبر سنوات عدة لا سنة واحدة، يجلس مهزوم ملتحف بالعباءة الواسعة، بعد قليل عندما يرفعها تصيبنا الغصة ووخز الضمير، إذ نرى آثار الحروق والتشوهات على يديه نتيجة محاولته الانتحار حرقاً في ديسمبر 2011. أن يحرق بوعزيزي نفسه قبل الثورة ليكون وقودها فهو أمر صار مستوعب، لكن أن يحاول هذا الشاب أن ينتحر أربع مرات قبل مرور عام من قيام الثورة فهذا أمر يحتاج أن نتوقف أمامه – ليس فقط في تونس ولكن في كافة بلدان الربيع العربي – وكأن ما فعله خيري في نهاية الفيلم يرد على أقوال آخرين: بن علي هرب ولم يهرب، بن علي لايزال يحكم، فالنظام لم يتغير، لايزال النظام كما هو، والبطالة لم تختفي وإنما تضاعفت، والظلم لايزال يعشش في جنبات الوطن.
و نختم هذه الورقة بما قاله حمزة العوني حول هذه التجربة السينمائية… لأنّ هناك فكرة تتعلق بتونس توجعني ، فكرة أن تونس التي كانت ومازالت تحلّق نحو الانفجار، ولأنّي أتصوّر أنّه من واجبي كفنّان أن أحاول التّقييم فنّيّا، لأنّي لست سياسياً أو مؤرّخاً. لكن لديّ نظرة فنيّة إزاء الأشياء التي تحدث في البلاد. في نفس الوقت فقدت أشخاصا كانوا مهمّين بالنّسبة لي، وبالنّسبة للجيل الذي أنتمي إليه. أشخاصاً كانوا يحملون حلماً كبيرا. حلمهم لم يكن حلماً فردياً، وإنما حلماً جماعياً.. حلم للبلاد. هؤلاء الأشخاص مضوا هكذا من دون أي اعتراف بهم. هناك أناس دخلوا السّجون. هناك مَنْ قاوم. هناك مَنْ مات، ولم يسمع به أحد في كل البلدان العربيّة. أناس كانوا هامّين، ليسوا فقط أدباء وفنّانين، لكن أيضاً مواطنون عاديّون كانوا في المعارضة، وحاولوا إيصال صوتهم، لكن لم يصلوا إلى هدفهم.
من هو حمزة العوني …
مخرج تونسي وُلِد عام 1975 في المحمدية حيث يعيش ويعمل الآن. بدأ دراسته السينمائية في المعهد المغاربي للسينما ثم واصل تدريبه في مدرسة الفنون والسينما في تونس حيث تخصص في الكتابة وصناعة الأفلام. أنجز فيلمه الروائي القصير الأول عام 2006 «الحقيقة بالأبيض والأسود». يعمل الآن في مرحلة ما بعد الإنتاج على فيلم وثائقي طويل الذي بدأ العمل به عام 2005.
«جَمل البروّطة» هو فيلمه الوثائقي الطويل الأول، قُدّم في عرضه العالمي الأول خلال مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي، و تحصّل على جائزة أفضل مخرج في العالم العربي، و جائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما “فيبريسي”.
أهم المهرجانات والجوائز(فيلم “جمل البروطة”):
* مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي / 2013 : جائزة أفضل مخرج في العالم العربي
* جائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما “فيبريسي”.
* المسابقة الرسمية ملتقى المخرجين التونسيين / 2014 : جائزة أفضل فيلم وثائقي
* افتتاح اللقاءات الدولية للفيلم الوثائقي بتونس DOC à Tunis / 2014
* المسابقة الرسمية لمهرجان Vision Du Réel / 2014
* عرض خاص في الدورة 26 لـ Etats généraux Du Film Documentaire / 2014
* المسابقة الرسمية للدورة 50شيكاغو السينمائي الدولي / 2014
* المسابقة الرسمية للدورة 57 لمهرجان DOK-Leipzig / 2014
* جائزة Talent Dove For An Extraordinairy Film Talent
* المسابقة الرسمية لمهرجان سينما الشعوب وظل الإنسان Ânûû-rûÂboro كاليدونيا الجديدة / 2014
* المسابقة الرسمية للدورة 25 لأيام قرطاج السينمائية / 2014 : جائزة التانيت البرنزي

السيدة منيرة اليعقوبي والسيد منير الفلاح اثناء نقاش فلم جمل البروطة بقاعة الحمراء

السيدة منيرة اليعقوبي والسيد منير الفلاح اثناء نقاش فلم جمل البروطة بقاعة الحمراء

بقلم: منير الفلاح

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×