الرئيسية / منظمات / أخبار / كوفيد 19: من أزمة صحيّة إلى أزمة اقتصاديّة واجتماعيّة وسياسيّة
كوفيد 19: من أزمة صحيّة إلى أزمة اقتصاديّة واجتماعيّة وسياسيّة

كوفيد 19: من أزمة صحيّة إلى أزمة اقتصاديّة واجتماعيّة وسياسيّة

تجاوز عدد المصابين بفيروس كورونا في العالم 800 ألف، وأودى بحياة حوالي 40 ألفا. وتعيش تونس صراعا، مثلها مثل بقية العالم، ضد هذا الفيروس، خاصة بعد تسجيل أولى الإصابات في بداية مارس، ثم تصنيف منظمة الصحة العالمية في 11 مارس لـ”كورونا” بـ”الجائحة”، لتدخل بلادنا في ما بعد في 22 مارس في حجر صحي عام.

بلغ عدد الحالات المؤكدة في تونس، إلى حدود الندوة الصحفية لوزير الصحة ليوم الأربعاء 01 أفريل 2020، 423 حالة، شفيت منهم خمس حالات وتوفّي منهم 12، وسط مخاوف بمزيد تصاعد عدد الحالات المؤكدة خاصة أمام القفزة الكبيرة الحاصلة في الأيام الأخيرة.

والجدير بالذّكر أنّ فترات الأوبئة والجوائح تكشف بحق قوة وتماسك المنظومات الصحية، ولكم على سبيل المثال الدول الأوروبية الخمس الأولى من حيث عدد الاصابات، (ايطاليا واسبانيا وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة). حيث أنّ ألمانيا في المرتبة الثالثة بعد ايطاليا واسبانيا في عدد الإصابات بحوالي 67051 إصابة تقريبا، وناهز عدد الوفيات 651، لتتجاوز بذلك جملة الوفيات من إصابات “كورونا” 1%، في حين تقفز النسبة في ايطاليا إلى 11,39% وتتأرجح بين 6% و7% في كل من فرنسا والمملكة المتحدة.

منظومة صحّيّة مهترئة

في بلادنا، ورغم أنّ الاحصائيات تثبت أنّ تونس لم تتجاوز بعد 3% إلاّ أنّ العديد من الخبراء يرجّحون ارتفاع هذه النسبة خاصة من المنحنى الآسي (exponentielle) الذي يتخذه تطور حالات الإصابة، وضعف منظومتنا الصحية والاشكاليات التي يتعرض لها المبلغون عن حالاتهم عند الاتصال بالأرقام المخصصة (منها 190).

إنّ منظومتنا الصحية كانت وماتزال تعاني التهميش والتهرئة. ولطالما نبّه حزب العمال إلى هذه المسألة وإلى خطورة التلاعب بصحة التونسيين واستقالة الدولة التدريجية من واجباتها في قطاع الصحة العمومية.

إنّ جريمة تدمير المرفق الصحي العمومي هي أساسا من صنيع المنظومة النوفمبرية وزادت في ضربها وتدميرها منظومات الحكم التي تلت الثورة (الترويكا وتحالف النهضة والنداء ثم تحالف يوسف الشاهد والنهضة). إذ لا تسجل الأرقام الرسمية ارتفاعا لعدد المنشآت الصحية العمومية، العامة منها والجهوية والمحلية. كما لا يوجد تطور في حجم الاستثمارات العمومية في قطاع الصحة. بل نسجّل تراجعا كبيرا في جودة الخدمات الصحية وبنية المنشآت والتجهيزات التي فيها، وتراجعا في عدد المستشفيات (مثلا من 109 مستشفى محلي سنة 2008 الى 108 سنة 2016 ومن 33 مستشفى جهوي سنة 2008 إلى 32 سنة 2016).

يكفي أن نذكر أنّ نسبة ميزانية الصحة (والتي تتنزل ضمن مقاربة حكومية تقشفية أملاها صندوق النقد الدولي بعد الثورة) مقارنة بالميزانية العامة للدولة في 2020 لا تتجاوز 5,4% ونسبتها في 2019 تقارب 5,1%، مع العلم أنّ 78% من ميزانية وزارة الصحة مخصصة للأجور والتسيير فقط في حين تنقسم البقية على التنمية والتطوير والصيانة.

إنّ الظروف المادية واللوجستية والبشرية لقطاع الصحة العمومية وميزانيته الهزيلة بالإضافة إلى تراجعه خلال السنوات السابقة على كل المستويات يجعله غير قادر على تأمين الحاجيات الصحية الأساسية لأكثر من 1 مليون تونسي، وهو ما يفسر تغوّل القطاع الخاص عبر زيادة عدد المستشفيات الخاصة واحتكارها لأكثر من 70 من التجهيزات الطبية الثقيلة، بالإضافة الى احتكار أنواع محددة من العمليات الجراحية الدقيقة.

إنّ قطاع الصحة العمومية وحده غير قادر على مجابهة وباء “الكورونا” وهو ما دفعنا أيضا الى المطالبة بإخضاع القطاع الخاص في الصحة للدولة في هذه الفترة.

“كورونا” يعمّق الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة

دخلت تونس سنة 2020 بحصيلة اقتصادية هزيلة جدا حطّمت فيها نسب المديونية والعجز التجاري أرقاما قياسية لم تعرفها بلادنا في تاريخها، بالإضافة إلى نسبة نمو في حدود 1%، وسط صراعات سياسية تمخضت عنها حكومة السيد الياس الفخفاخ التي وجدت نفسها مباشرة أمام تحدي “الكورونا”.

فماذا قدّمت حكومة الفخفاخ في هذه الأزمة؟ أعلن رئيس الحكومة عن حزمة من الاجراءَات الاقتصادية والاجتماعية، على مضض وتحت ضغط المديونية والمالية العمومية التقشفية، تقدّر بـ2,5 مليار دينار، كانت حصة الفئات الهشة والأكثر تضرّرا تمثل 450 مليون دينار فقط! (300 مليون دينار للمحالين على البطالة الفنية و150 مليون دينار مخصص للفئات الفقيرة وحاملي الإعاقة)..

في حين تمّ تخصيص أكثر من 1200 مليون دينار للشركات والمؤسسات منها ما جاء في شكل صناديق استثمارية بملغ قيمته 700 مليون دينار لهيكلة المؤسسات المتضرّرة، ومنها ما جاء في شكل خط تمويل بقيمة 500 مليون دينار لإنعاش المؤسسات الاقتصادية، مع تمتيع كلّ المؤسسات الاقتصادية من إمكانية استرجاع الأداء على القيمة المضافة وإعفاء جبائي وديواني لمؤسسات معيّنة.

إنّ الإجراءَات التي اتخذتها حكومة الفخفاخ لا تكفي. بل وستؤدّي حتما إلى تأزيم الوضع الاقتصادي والاجتماعي أكثر، إذ لم تقدّم الحكومة أية حلول للعمال والتقنيين في القطاع الخاص الذين مازال يُجبر كثير منهم على العمل في ظلّ هذه الظروف. ولم تقدّم أية إجراءات دقيقة تُذكر لفائدة صغار ومتوسطي الفلاحين او للعمال الفلاحيين أو لصغار التجار والحرفيين وأصحاب المقاهي والمطاعم والمحلات التجارية وللذين يعملون فيها.. لم تقدم شيئا للعاملين في القطاع غير المهيكل ولمئات الآلاف من الفقراء غير المسجلين في قائمات وزارة الشؤون الاجتماعية وللمسحوقين، أولئك الذين يجمعون المواد البلاستيكية للعيش أو الذين يعرضون “الطابونة” والخبّيزة والمعدنوس”..

لقد دعا حزب العمال منذ بداية الأزمة الصحية إلى ضرورة التعامل الجدي والصارم مع وباء “الكورونا”، كما حذّر من تحوّل الأزمة الصحية إلى أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية خاصة مع حصيلة اقتصادية هزيلة لـ2019 ومع كساد اقتصادي كبير يهدّد الاقتصاد الوطني والعالمي.

كما دعا حزب العمال إلى اتّخاذ تدابير جريئة وصارمة وسريعة، مثل مركزة الدولة لتجارة الجملة ووضع استراتيجية واضحة لإدارة مسالك التوزيع والتصدي للمحتكرين، وتعليق تسديد الديون من أجل توفير أكثر من 11 الف مليار مليم وفرض ضريبة استثنائية على الشركات الكبرى التي تحقّق أرباحا كبيرة (البنوك وشركات التأمين، الفضاءات التجارية الكبرى، الشركات البترولية الخ…) مساهمة منها في مقاومة الوباء ويتمّ رصدها كلها لدعم القطاع الصحي ولاحتواء الأزمة صحيا واقتصاديا واجتماعيا ومساعدة الشعب التونسي وخاصة طبقاته وفئاته الكادحة والفقيرة والهشة. وطالب أيضا بإجراءَات عاجلة لإنعاش الموسم الفلاحي وانقاذه، بما يقتضي توفير مستلزمات الإنتاج للفلاّحين وتعليق سداد ديونهم وإلغاء مديونية الصغار منهم، بما يوفّر للشعب الضروريات الدنيا من الغذاء…

إنّ إلزام المواطنين بالحجر الصّحي العام واعتماد المقاربة الأمنية دون تمكينهم من الأساسيات الحيوية من غذاء ودواء وكساء سيفشل مع طول المدة وستبدأ أكثر الفئات والشرائح الشعبية تضرّرا بالتمرّد والاحتجاج مثل ما حدث في المنيهلة مؤخّرا وفي باب سويقة.

لقد بدأ شبح السخط والاحتقان يحوم في الأزقة والأحياء الشعبية كما كان متوقعا.. فالإجراءات الهزيلة والمتأخرة التي اتخذتها الدولة كانت طبقية بامتياز.. ولذلك فإنّ الرد الشعبي، وفي صورة تواصل الوضع طويلا، سيكون أيضا طبقيا.

عزيز بن جمعة

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×