الرئيسية / صوت الوطن / الصراع السياسي في تونس والمنعرج الجديد
الصراع السياسي في تونس والمنعرج الجديد

الصراع السياسي في تونس والمنعرج الجديد

علي البعزاوي

الصراع السياسي والاجتماعي في تونس لم يهفت منذ انطلاق المسار الثوري في 2011. وقد تجلى في مستويين: صراع من فوق بين أطراف الحكم من أجل التموقع واحتكار السلطة وخدمة مصالح كبرى الشركات والمؤسسات المالية وقوى الهيمنة الإقليمية والدولية وحفنة من السماسرة المحليين المتربعين على عرش السلطة بوجهيها الاقتصادي -المالي والسياسي. وصراع من تحت تخوضه الفئات الكادحة والمهمشة وتعبيراتها السياسية التقدمية والثورية وفي مقدمتها حزب العمال.
الصراع أخذ هذه الأيام بُعدا جديدا حيث لجأ الحزب الحاكم الأول إلى الشارع وعبّأ أنصاره وزبائنه وكل من استطاع جلبهم بوسائل مختلفة فيها المادي والديني والخدماتي ليؤثث مسيرة حاشدة فيها استعراض للقوة من جهة ورسائل إلى الخارج والداخل مفادها أنّ حركة النهضة هي الحزب الأقوى تمثيلا والقادر على تأمين مصالح القوى الكمبرادورية المحلية والاستعمارية المهيمنة على بلادنا من جهة أخرى.
ولئن خيّر الحزب الدستوري الحر، أحد منافسي النهضة والمعبّر سياسيا عن منظومة الحكم القديمة المطاح بها، الانسحاب من المواجهة خوفا من الظهور بمظهر الطرف الأقل قوة وقدرة على التعبئة وخوفا من خسارة “تفوّقه” في نوايا التصويت فإنّ حزب العمال الذي ينعته خصومه بالصفر فاصل خيّر النزول إلى الشارع ولو بأعداد ضعيفة للتعبير عن وجهة نظر أخرى لا ترى أفقا لحل الأزمة في إطار المنظومة الحالية والقديمة بل على أنقاضهما وفي قطيعة تامة معهما. حزب العمال عبّر من خلال هذا السلوك عن حسّ سياسي طبقي متطور عماده الصراع والمراكمة -ولا شيء غير ذلك – على طريق تغيير موازين القوى المختلة مؤقتا لصالح القوى الرجعية. فالاحتكاك بالجماهير والدفاع عن مصالحها ومنازلة قوى الحكم هي الطريق إلى الانغراس ولفّ أوسع الفئات الشعبية المتضررة من الأزمة حوله وكسب ثقتها حول مشروع وطني ديمقراطي شعبي قادر على تأمين العيش الكريم والعدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية والمساواة للأغلبية التي تضطهدها المنظومة الحالية وتحمّلها أسباب أزمتها.
هذا السلوك السياسي هو أيضا رسالة إلى كل القوى السياسية والفعاليات الشبابية والنسائية والقطاعية وغيرها الرافضة للمنظومتين القديمة والحالية بأنها قادرة على الفعل النضالي والمراكمة على طريق التغيير الجذري. إنّ صوت حزب العمال ومعه اتحاد القوى الشبابية رغم تواضع الحضور في الشارع يوم السبت 27 فيفري كان أقوى وأكثر إقناعا وتأثيرا لدى الفئات الشعبية. وستكون لهذه المسيرة التاريخية تداعيات قد تساهم في تغيير المشهد والاستقطابات والسلوك السياسي لمجمل الأطراف.

لا خوف بعد اليوم من منازلة المنظومة وطرح البدائل وإطلاق صراع المشاريع والبرامج
إنّ كل من تابع يوم السبت على الجزيرة مباشر المواجهة بين أمين عام حزب العمال وبين رئيس مجلس شورى حركة النهضة يدرك بما لا يدع مجالا للشك أنها لم تكن متكافئة. فبقدر ما كان صوت الهاروني خافتا ومترددا وخجولا باعتبار مسؤولية حزبه في الأزمة التي تضرب البلاد وقناعتة بعدم القدرة على الخروج منها وتركيزه على الحوار وضرورة استكمال المؤسسات الدستورية التي كانت النهضة أحد المتسبّبين في عرقلتها… فإنّ صوت حمة الهمامي كان عاليا وسقف المهام مرتفعا وخطابه جريئا وواضحا ليس لأنّ الشخص قادر على الخطابة فقط، بل لأنّ المشروع البديل الذي يطرحه متماسك ويستجيب لواقع الأزمة وقادر على معالجتها معالجة جذرية.
فتأميم الثروات الوطنية التي تستغلها الشركات العالمية بتواطؤ من منظومة الحكم من جهة والامتناع بقرار سيادي عن خلاص الديون الكريهة من جهة أخرى هما جوهر السيادة الوطنية وعنواناها الأبرز وشرطان أساسيان لتوفير موارد مالية قارة لفائدة الدولة حتى تعول على إمكانياتها الذاتية بدل اللجوء لسياسة الاقتراض والتداين بشروط مهينة. والإصلاح الزراعي هو الديمقراطية بمعناها الاقتصادي. فالديمقراطية السياسية لا معنى لها دون هذا البعد. والخدمات الأساسية الراقية والمجانية للفئات الشعبية من صحة وتعليم وثقافة وبيئة هي تأكيد على البعد الاجتماعي للدولة، دولة الديمقراطية الشعبية نقيض دولة السماسرة. وتشغيل الشباب وإعادة الحياة إلى المؤسسات الصغرى والمتوسطة ودفع النشاط الحرفي وإرساء صناعة وطنية وفلاحة عصرية هي الضمانة لإطلاق إنتاج الثروة وتوفير الأمن الغذائي والقطع مع التهميش والبطالة التي دّمرت الشباب وجعلت حلمه الوحيد تأمين “حرقة” للخارج هروبا من البؤس.
مسيرة 27 فيفري التي قابلت بين مشروعين متناقضين ستفتح على نضالات جديدة أكثر تماسكا وعمقا شعبيا وأكثر جرأة وتصميما على تغيير واقع الشعب التونسي نحو الأفضل.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×