الرئيسية / أقلام / الخبير الاقتصادي مصطفى الجويلي: “الصكوك الإسلامية، الاستعمار “الحلال”
الخبير الاقتصادي مصطفى الجويلي: “الصكوك الإسلامية، الاستعمار “الحلال”

الخبير الاقتصادي مصطفى الجويلي: “الصكوك الإسلامية، الاستعمار “الحلال”

6نشأت فكرة الصكوك لأّول مّرة في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1970، عندما قامت الهيئة الوطنية الحكومية للرهن العقاري بإصدار صكوك تستند على القروض المضمونة بالرهن العقاري. أما الصكوك الإسلامية فقد انطلقت في ماليزيا بعد أن تّم التخلي عن الملكية العامة للدولة في أغلب القطاعات، بمعنى أن الصكوك بدأت من حيث بدأت الخوصصة، فهي تتلاءم مع اقتصاديات القطاع الخاص في الأساس. و عرفت هذه الآلية رواجا كبيرا عندما اعتمدت دول الخليج هذه الصكوك مدفوعة بتضخم الريع النفطي نتيجة لارتفاع أسعار البترول في الأسواق العالمية (2006-2007) وقد وقع تصديرها إلى البلدان التي تعاني من مشاكل وأزمات اقتصادية.
وتعّرف الصكوك الإسلامية بأنّها عبارة عن مشاركة حملة الصكوك في مشاريع يتّم خلالها تقسيم رؤوس الأموال بطريقة متساوية من حيث القيمة وتطرح للعموم بهدف البيع والتمويل الجماعي لهذه المشاريع، ويكون لحاملي الصكوك حق التصرف فيها بالبيع وهي خاضعة للربح والخسارة. وهي بذلك لا تختلف في شيء عن صناديق الاستثمار عالية المخاطر التي ابتكرتها البنوك الغربية منذ ما يقرب من قرنين من الزمن، أو ملكية أسهم الشركات في البورصة.
من باب المغالطة أيضا القول بأن الصكوك الإسلامية لا تتضمن فوائد (فهي أذن «حلال”). الفوائد في الصكوك الإسلامية تتّخذ شكل قسط من الأرباح على طول مدة القرض. أي أن الحامل لصك إسلامي يسترجع أصل الدين في نهاية المدة بعد أن يكون قد أخذ جزءا من الأرباح أي ما يقابل الفوائد في الصكوك التقليدية. في جوهرها لا تختلف الصكوك الإسلامية إذن عن الصكوك التقليدية وإضافة صفة “إسلامية” على هذه الصكوك يدخل في باب المتاجرة بالدين.
مخاطر هذه الصكوك (كما الصكوك التقليدية) متعددة، إذ تؤدي إلى نقل الثروة من البنوك إلى الصكوك عبر جذب الأموال خارج الجهاز المصرفي إلى جانب خطر الاحتكار وسيطرة أقليّة من أصحاب الثروات على مختلف الأنشطة الاقتصادّية. أما الأخطر فهو إمكانية ارتهان الاقتصاد المحلّي بالإملاءات الخارجّية وسيطرة الاستثمارات الأجنبيّة على المشاريع الكبرى والحساسة خصوصا أّن الصكوك تتمتع بحرية التداول والبيع

في تونس، صادق المجلس الوطني التأسيسي على قانون يشّرع اعتماد الصكوك الإسلامية في 17 جويليّة 2013 ثم أعلن محافظ البنك المركزي أوائل شهر فيفري عن دخول هذه الصكوك حّيز الاستعمال في أفريل 2014. أخيرا اقر مشروع قانون المالية 2016 إصدار صكوك إسلامية بقيمة 1000 مليون دينار. اعتماد الصكوك الإسلامية في تونس جاء نتيجة لضغط حركة النهضة المرتبطة، كغيرها من التنظيمات الاخوانية، بأنظمة دول الخليج ومؤّسساتها الماليّة خصوصا البنك الإسلامي للتنمية وهو ليس إلا خدمة لأجندات هذه الأنظمة.
رهن ملعب رادس يتنزل في هذا الإطار. الصكوك الإسلامية اختارت واشترطت رهن الملعب لأنه منشأة هامة ومشروع ستتمكن من خلاله من الانتفاع بجزء من المرابيح التي تصل إلى 200 مليون دينار في السنة من عملية كرائه. و قد تتبعه عمليات رهن لمنشآت أخرى عمومية على غرار الطريق السيارة المتمثلة في محطات الاستخلاص التابعة لها وعدد من الشركات العمومية لمدة عشر سنوات لتغطية عجز الميزانية. وقد عبرت خمس شركات خليجية (قطرية أساسا) عن رغبتها لنيل هذه الصفقة.
بالإضافة الى مخاطر الصكوك المشار اليها أعلاه، فان اعتماد هذه الآلية لتغطية عجز ميزانية الدولة و في غياب مشاريع اقتصادية مربحة سيجعلنا أمام ضرورة اللجوء المستمر لهذه الآلية ورهن المزيد من المنشآت والذي سينتهي بالتفويت فيها في حالة عدم القدرة على تسديد الديون. هذه الفرضية واردة جدا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن حجم خدمة الدين سيرتفع بشكل ملحوظ بداية من 2017 أي مع تسديد الأقساط الأولى من ديون حكومة الترويكا. عموما هذا ما حدث في جل البلدان التي اعتمدت هذه الآلية للخروج من أزماتها. و الصكوك الإسلامية ليست في واقع الأمر إلا خوصصة “حلال” وتفويت “حلال” في المؤسسات والثروات الوطنية أي بلغة أخرى استعمار “حلال”.
بقطع النظر عن الآلية المعتمدة، يبقى السؤال الجوهري: لماذا هذا اللجوء إلى التداين رغم توفر الإمكانيات لتنمية الموارد الذاتية للدولة؟ في تقديرنا التحالف اليميني الحاكم لا يريد المس من مصالح الرأسمال الطفيلي ولا أيضا الرأسمال الأجنبي. وإغراق الدولة في المديونية سياسة ممنهجة هدفها إضعافها وإخضاعها لإملاءات المؤسسات العالمية. أن تكون الديون “حرام” أو “حلال” فهذا تفصيل غير مهم.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×