الرئيسية / الورقية / الافتتاحية: منعرج أمني خطير…
الافتتاحية: منعرج أمني خطير…

الافتتاحية: منعرج أمني خطير…

Untitled-2تشهد بلادنا منذ حوالي الأسبوعين تصعيدا أمنيّا خطيرا يستهدف بشكل خاص التحركات الاجتماعية المطالبة بالتنمية من أجل معالجة معضلة البطالة والفقر التي تدمّر حياة مئات الآلاف من الشبان خاصة، ثلثهم أو أكثر من حاملي الشهادات العليا، والذين لم تنجز لهم الحكومات المتعاقبة منذ إسقاط بن علي شيئا. بل إنّ السياسات التي انتهجتها، والتي هي نفسها سياسات الدكتاتورية التي ثار ضدها الشعب التونسي، زادتهم بؤسا على بؤس وفقرا على فقر.

وقد بدأ التصعيد القمعي بقرقنة حيث تمّ إنزال مئات أعوان البوليس بالجزيرة، ليس فقط لفكّ اعتصام الشبان الذين أخلّت الحكومة ببنود الاتّفاق الذي أمضته معهم منذ عام، وإنما أيضا للتنكيل بعامة سكان الجزيرة الذين ارتكب البوليس في حقّهم انتهاكات فظيعة شهدت بها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان كما شهد بها عديد وسائل الإعلام، وهو ما دفع السكان إلى الإضراب العام ممّا أجبر حكومة الصيد على التراجع وسحب بوليسها من الجزيرة.

وبعد قرقنة جاء الدور على المفروزين أمنيّا، وهم من قدماء الاتحاد العام لطلبة تونس الذين أبرمت معهم الحكومة أيضا اتفاقا يقضي بتسوية وضعيتهم وتشغيلهم في آجال محددة باعتبارهم من ضحايا الدكتاتورية بسبب نشاطهم النقابي. وكالعادة لم تحترم الحكومة هذه الآجال بل إنها تنكّرت تماما لذلك الاتفاق وهو ما جعلهم ينزلون يوم 9 أفريل، إلى ساحة الحكومة بالقصبة للاحتجاج، فكان القمع الوحشي والاعتقال في انتظارهم.

وفي نفس الوقت طال القمع اعتصامات أخرى بالناظور من ولاية زغوان والدهماني من ولاية الكاف.

وفي يوم الثلاثاء، 19 أفريل، خرجت مسيرة بالكاف جمعت كلّ المنظمات المهنية ومعظم القوى السياسية بالجهة، الاتحاد الجهوي للشغل والاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة، والاتحاد الجهوي للفلاحين وفرع المحامين وفرع رابطة حقوق الإنسان، وجمعية صيانة المدينة، الجبهة الشعبية، حركة الشعب… وما إن وصلت أمام مقر الولاية حتى هاجمها البوليس وأشبع المتظاهرين ضربا ورفسا. وفي اليوم الموالي، الأربعاء، 20 أفريل، خرج الطلبة المفروزون أمنيا من جديد قصد الاحتجاج فكان مصيرهم العفس والرفس أيضا. ولكنهم صمدوا وقاوموا وكان معهم نائب الجبهة الشعبية، عبد المومن بلعانس الذي تعرّض هو بدوره إلى الاعتداء من قبل أحد جلاّدي العهد البائد الفالت مثله مثل غيره من الجلادين من العقاب. وقد تمّ كلّ هذا تحت غطاء “تطبيق القانون” و”حفظ النظام العام”. وهو تبرير لا هدف منه سوى إخفاء فشل الحكومة والائتلاف الحاكم في حل المشاكل التي ثار من أجلها الشّعب وفي مقدّمتها مشكلة البطالة.

إنّ هذه الممارسات القمعية لا تمثّل اليوم “انفلاتات” أو “تجاوزات فردية”، بل تعكس توجّها سياسيّا لحكومة الصيد وللائتلاف الحاكم يتمثل في مواجهة النضالات الاجتماعية بالقمع البوليسي لإخمادها حتى تتمكن هذه الحكومة وهذا الائتلاف الحاكم، من فرض خياراته الاقتصادية والاجتماعية المعادية لمصالح الطبقات والفئات الكادحة والفقيرة والالتفاف نهائيا على ثورة الشعب والعودة بالمجتمع إلى مربّع الاستبداد.

ولكن الائتلاف الحاكم يجد اليوم مقاومة تتصدّى لهذا التوجّه القمعي. ففي قرقنة أفشل الأهالي مخطط السلطات الرامي إلى إخضاعهم، ممّا اضطرّها إلى سحب البوليس دون أن يحقّق هدفه. وفي تونس العاصمة لم يتراجع المفروزون أمنيّا عن حقوقهم، وهو ما اضطرّ السلطات، إلى دعوتهم إلى الحوار من جديد. وفي الكاف ليس من المستبعد أن يردّ منظّمو مسيرة الثلاثاء على القمع البوليسي بإعلان الإضراب العام. وفي نفس الوقت يتواصل اعتصام شبان قفصة بالمروج وشبان القصرين وجندوبة أمام وزارة الشؤون الاجتماعية.

ومن جهة أخرى فقد هبّت القوى الديمقراطية من أحزاب ومنظمات حقوقية واجتماعية وعديد وسائل الإعلام للتصدي لهذا التوجّه الذي يهدّد أهم مكاسب الثورة إلى حد الآن وهو الحرية السياسية. وأمام هذا الحال من المحتمل أن تراجع السّلطات حساباتها خوفا من اتساع رقعة الاحتجاج، مردّدة أنّ “الحريات مكسب لا تراجع فيه”.

ولكن هذا لا ينبغي بأيّ شكل من الأشكال أن يغالط الشعب والقوى الديمقراطية، إذ الأمر يتعلق، كما أكّدنا، بتوجّه، وليس بـ”انفلات” أو “تجاوز”. فالتراجع اليوم قد يهيّئ لهجوم جديد، خصوصا أنّ الائتلاف الحاكم ماض في سياسات لا يمكن أن تثير غير الغضب والاحتجاج. ومن هذا المنطلق لا بدّ من اليقظة بل لا بدّ من رصّ الصفوف لإفشال هذا التّوجّه. وهو ما يطرح على الجبهة الشعبية أن تتحمّل مسؤوليتها، كما تحملتها إلى حد الآن، لتكون على رأس القوى المعارضة للاستبداد والدكتاتورية وتسدّ الباب أمام عودتهما وتعبّد الطريق لتغيير ديمقراطي حقيقي.

“صوت الشعب”: العدد 206

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×