الرئيسية / صوت الوطن / شخصيّات سياسيّة وحقوقيّة: محاولة تمرير قانون المصالحة تكريس للإفلات من العقاب وإجهاض لمسار العدالة الانتقاليّة
شخصيّات سياسيّة وحقوقيّة:  محاولة تمرير قانون المصالحة تكريس للإفلات من العقاب وإجهاض لمسار العدالة الانتقاليّة

شخصيّات سياسيّة وحقوقيّة: محاولة تمرير قانون المصالحة تكريس للإفلات من العقاب وإجهاض لمسار العدالة الانتقاليّة

أثارت محاكمة ثلاثة من رموز النظام السابق في قضايا فساد والحكم عليهم بالسجن مسألة المصالحة الاقتصادية Sans titre-2والسياسيّة الملغومة والمطالبة بـ”طيّ صفحة الماضي” من قبل أحزاب تجمعيّة ومن قبل عدد من النواب.

وإن تُعتبر المصالحة في حدّ ذاتها من أسمى أهداف العدالة الانتقاليّة، فإنّ قوى سياسيّة معارضة وشخصيّات وطنيّة ومنظمات المجتمع المدني وقوى شبابيّة ترى أنّ المرور إلى المصالحة، دون كشف حقيقة الانتهاكات ومساءلة مرتكبيها ومحاسبتهم وجبر ضرر الضحايا وردّ الاعتبار وإصلاح المؤسسات ثمّ الاعتذار قبل المصالحة، يُعدّ تشريعا للإفلات من العقاب وانتهاكا صارخا لمسار العدالة الانتقاليّة.

المصالحة لا يُراد بها المصالحة

 في تصريحها لـ”صوت الشعب”، اعتبرت المحامية وعضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إيمان البجاوي، Sans titre-1أنّ تقديم مشروع المصالحة في هذه المرحلة تَعدٍّ على مبادئ العدالة الانتقالية وقفزا على المراحل التي يجب أن تمرّ بها. والهدف من ذلك هو الالتفاف على مطلب المساءلة والمحاسبة والاعتذار وجبر الضّرر لغايات سياسيّة تسعى إلى التّعتيم على جرائم زمن الاستبداد.

وأضافت أنّ تونس تشهد، على جميع المستويات، محاولات تبييض النظام الدكتاتوري وتلميع صوره بهدف إغلاق ملف الانتهاكات، رغم وجود من يطالب بحفظ الذاكرة وجبر الأضرار وفتح ملفات الفساد والانتهاكات بأنواعها.

وفي ذات السياق، قالت البجاوي إنّ “هيئة الحقيقة والكرامة لم تقم بدورها كما يجب. ولم تطبّق مراحل العدالة الانتقالية بطريقة علميّة وعمليّة صحيحة”، مشيرة إلى أنّ إشراف مهام الهيئة على الانتهاء لا يعني الوصول وجوبا الى مرحلة المصالحة.

ودعت المجتمع المدني والمثقفين والشخصيات الوطنية والسياسيين التقدميين إلى توضيح أدبيّات العدالة الانتقالية وطرح هذه المسألة فكريّا وسياسيّا من أجل تحشيد الرأي العام للتصدي لمحاولة إغلاق ملف الانتهاكات والجرائم التي حصلت في عهد الديكتاتوريّة، مبرزة أهمية دور المجتمع المدني باعتباره “قوة فاعلة عليها التركيز على موضوع المصالحة ووضع استراتيجية واضحة في التعامل مع هذا الملف”.

وحذّرت البجاوي من “نقص اليقظة وانعدام الرؤية”، مشيرة إلى ضرورة أن يقوم الإعلام بواجبه عبر تشريك كلّ المعنيّين بهذه المسألة وخصوصا ضحايا الانتهاكات من أجل إيصال صوتهم.

وأوضحت البجاوي أنّ إمكانيّة تمرير قانون المصالحة تظلّ واردة، خصوصا وأنّ “الأغلبية النيابيّة لحزبي النهضة والنداء تحكمهم مصالح حزبيّة ضيّقة ولا يراعون مصلحة الشعب والبلاد. وأكّدت أنّ إمكانية الطعن في عدم دستوريّته باعتباره يتناقض مع أحكام الدستور واردة في هذه الحالة، إلى جانب تنظيم الوقفات الاحتجاجيّة والتحركات النضاليّة والتحسيسيّة من أجل إطلاع الرأي العام على مدى خطورته.

وشدّدت على أنّ مسار العدالة الانتقالية مترابط ولا يجب طرحه عبر مشاريع قوانين لأنّ الوصول إلى المصالحة يجب أن يمرّ بالمراحل التي تسبقه، ولعلّ أهمها المساءلة والمحاسبة وجبر الضرر.

وهو ما ذهب إليه السجين السياسي السابق والناشط في المجتمع المدني الصّادق بن مهنّي بقوله إنّ:”المصالحة دون محاسبة لم تنتظر مشروع القانون الذي سعت رئاسة الجمهورية إلى تمريره على حين غرّة، ثمّ اعتزمت فرضه فرضا. وها هي تعاود.”

وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ المصالحة الوطنية، كما وردت في قانون العدالة الانتقالية تهدف إلى “تعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق العدالة والسلم الاجتماعية وبناء دولة القانون وإعادة ثقة المواطن في مؤسسات الدولة”. وهو ما يتنافى كليّا مع قانون المصالحة الذي تسعى الأحزاب الحاكمة إلى تمريره باعتباره لا يهدف إلى محاسبة من أجرموا وارتكبوا انتهاكات في حقّ البلاد واقتصادها وشعبها ونهبوا المال العام.

التّغافل عن الفاسدين وتبييضهم

وأوضح بن مهنّي أنّ التّغافل عن الفاسدين بكلّ أصنافهم وتبييضهم والدّعوة إلى الاستفادة من” خبرتهم” بدأ فور فرار المخلوع وتمادى بصفة تصاعديّة. واستفادت منه جماعات وأحزاب أو على الأقلّ حاولت سواء بمناسبة الانتخابات أو بناء التّوافقات.Sans titre-2

وأضاف أنه “بعد أن اعتقد البعض أنّ الأمر قد استقرّ أو هو آخذ بالاستقرار لصالحهم تهافتوا على فعل المصالحة، بل فعل الإغواء وفعل الابتزاز وفعل الخداع”.

وذكّر بن مهنّي، في هذا الإطار، بتقرير اللجنة الوطنية لتقصّي الحقائق حول الرّشوة والفساد الذي تضمّن مشروع مرسوم “يعفي من العقوبات المرشيّ أو الواسطة في جرائم الرّشوة أو المستفيد من جرائم الفساد…” لمجرّد أن يكون قد بادر بالإبلاغ عن فعلته.

كما ذكّر بما أسماه “المناورات التي تقاطرت لفرض سقوط جريمة التّعذيب بالتّقادم” رغم أنّ المعاهدات والقوانين الدّولية التي تلزم تونس تقضي بعكس ذلك.

وأفاد أنّه من بين قلّة قليلة من المناضلين الذين لا يريدون “ثأرا ولا مكافأة”. إنمّا هدفهم هو تحقيق العدالة الانتقاليّة باعتبارها أساسا للانتقال نحو الدّيمقراطية.

وأكّد بن مهنّي أنّ الأمر، منذ الأيّام الأولى التي سبقت الثورة، لا يخلو من الخدعة والتحيّل ومازالت محاولات الخداع وطمس الحقائق والوقائع متواصلة إلى حدود هذا اليوم، بدعوى” المصلحة العامّة”.

وأضاف أنّ من يقفون وراء هذه المغالطات والأكاذيب عادوا بمقولة المصالحة لأنّهم خالوا أنّ التونسيين قد اطمأنّوا وغفلوا، وأنّ كلّ السّلطات أضحت طوع بنانهم أو ربّما هم جنحوا إلى ذلك بكلّ بساطة، لأنّ للكثيرين منهم مصلحة شخصيّة مباشرة في عدم تكريس مسار العدالة الانتقالية وعدم احترام مراحله.

وفي هذا الإطار، قال بن مهنّي إنّ تونس تشهد اليوم وضعا غريبا يدفع أحيانا إلى القول: “إنّنا انزلقنا إلى أسوأ ممّا كنّا فيه ولم نراكم ولم نبن ولم نتقدّم”. مشيرا إلى أنّ عجلة التّاريخ متى تحرّكت لا بدّ أن تبلغ مداها حتّى وإن بدت مجهدة أو توقّفت أو تراجعت.

وألمح إلى أنّ من يسعون إلى مصالحة كاذبة “يرتجفون من احتمالات تقضّ مضاجعهم، لذا هم يحاولون، ولا يخجلون. يستنفرون جميع طاقاتهم ويسعون إلى تأبيد سلطانهم وفسادهم ويعوّلون على جبروتهم وعلى أبواق استأجروها واستعبدوا خدّامها”.

وأبرز أنّه متسامح فيما يتعلّق بحقه الشخصي باعتباره (سجينا سياسيّا سابقا)، وأنّه لن يتسامح إذا تعلّق الأمر بحقّ تونس والتونسيين، مشدّدا على أنّه لا يقبل بأن يعامله من وصفهم بـ”الفاسدين والمتجبّرين والطّغاة باستغباء”.

وختم بقوله:”لا أدري كيف سيتمّ ذلك ولكنّي موقن أنّني سأشهد المحاسبة، وإن هي تأخّرت. وعلى أيّ حال لا يهمّني كثيرا أن أرى المحاسبة بعينيّ طالما أنّني على قناعة أنّ لي رفيقات ورفاق وأبناء وبنات سيشهدونها بل سيبدعون مرّة أخرى شمسا جديدة”.

وقد اعتبرت أطراف عديدة أنّ طرح مسألة المصالحة يُعدّ تَعدٍّ على الفصل 14 من القانون الأساسي المتعلق بتحقيق العدالة الانتقالية والهادف إلى “تفكيك منظومة الفساد والقمع والاستبداد ومعالجتها بشكل يضمن عدم تكرار الانتهاكات واحترام حقوق الإنسان وإرساء دولة القانون”.

المصالحة الحقيقيّة والشاملة

من جانبه قال الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي والنائب بمجلس نوّاب الشعب غازي الشواشي “موقفنا هو نفسه مع المصالحة الحقيقية والشاملة في إطار منظومة العدالة الانتقالية. نحن مع المصالحة الحقيقية والشاملة في إطار منظومة العدالة الانتقالية”.Sans titre-3

وذكّر أنّ قانون العدالة الانتقاليّة قد تمّت دسترته وأنّ هيئة الحقيقة والكرامة هي المكلّفة بتكريسه، “إذا أردنا أن ننتقل من منظومة استبداديّة قاتمة وغامضة إلى منظومة ديمقراطية وشفافة”.

ودعا الشواشي إلى ضرورة كشف حقيقة الفترة الماضية وإصلاح المنظومة الإدارية برمّتها وإلى محاسبة رموز النظام السابق، مشدّدا على أنّ “من أخطأ لابدّ أن يعتذر ولا بدّ من تعويض ضحايا الانتهاكات ولا بدّ من كشف الحقيقة كاملة. هذه خطوات ضروريّة ونحن نبحث عن مصالحة إيجابية”.

ونبّه من خطورة المصالحة “المغشوشة” التي لا تقضي على الضغائن والتي تسمح بتواصل المنظومة المغشوشة وبتأجيج الاحتقان.

وحذّر الشواشي من سعي بقايا التجمع ورموزه والقريبين منهم ونداء تونس إلى تعطيل منظومة العدالة الانتقالية وتعويضها بقانون المصالحة الاقتصادية والمالية، معتبرا أنّ قانون المصالحة “لا يخدم لا بلادنا ولا ثورتنا ولا صورة تونس”، نظرا إلى أنّه يُعدّ انقلابا على منظومة العدالة الانتقالية، وجب على القوى الديمقراطيّة والتقدميّة التصدي له ولغيره من القوانين على غرار مشروع قانون العفو العام على رموز الفساد بكلّ الوسائل المتاحة، بعيدا عن منطق الانتقام والتشفي ومن أجل تحقيق المصالحة الحقيّقية والفعليّة.

ووصف القانون المذكور بأنّه “خطوة إلى الوراء” باعتباره يهدّد استقرار البلاد، موضّحا أنّ محاولة تمريره بالقوة ليست سوى مخاطرة ومغامرة مجهولة النتائج.

وفي ذات السياق، قال الشواشي إنّ “المشاورات جارية صلب تنسيقية الأحزاب المعارضة في اتجاه التصدي لهذا القانون وجملة القوانين المشابهة، مؤكدا أنه سيتمّ الطعن في دستوريّة مبادرة العفو عن رموز الفساد والاستبداد التي يعتزم بعض النواب عرضها على مجلس نواب الشعب، مشيرا إلى أنّ فرضيّة النزول إلى الشارع بهدف إحباط هذه المحاولات، تظلّ واردة.

وأشار إلى أنّ تونس تمرّ بأزمة خانقة على جميع المستويات وأنّ مثل هذه القوانين من شأنها أن تقسّم الشعب التونسي وتعمّق الأزمة والاحتقان الاجتماعي، وحمّل من وصفهم بـ”الأطراف السياسية غير الناضجة التي تتبنّى أجندات ضدّ مصلحة البلاد”، مسؤوليّة ما قد تؤول إليه الأوضاع، ملفتا إلى أنّ الحكومة، رغم رفعها لشعار “الوحدة الوطنيّة”، تقوم بتمزيق الشعب وتفريقه.

وللتّذكير فقد كانت رئاسة الجمهوريّة قد تقدّمت إلى مجلس نواب الشعب بمشروع قانون المصالحة الاقتصاديّة والسياسيّة في جويلية 2015. لكنّ القوى السياسة التقدميّة ومنظمات المجتمع المدني أعلنت رفضها لهذه المصالحة الملغومة التي تشرّع للفساد وتعتبر اعتداء على حقّ الشعب في معرفة الحقيقة كاملة. كما تعالت الأصوات المطالبة بإسقاطه وإلغائه بشكل نهائي. في المقابل تعددت محاولات الائتلاف الحاكم من أجل تمرير قوانين مشابهة وسعيها إلى فرض سياسة الأمر الواقع.

لطفي الوافي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×