الرئيسية / الورقية / سلسبيل القليبي: المحكمة الدستورية تأخّرت بأربع سنوات لأسباب سياسية ولـــــيس لتعقّد الإجراءات أو سقف الأغلبية المطلوبة
سلسبيل القليبي: المحكمة الدستورية تأخّرت بأربع سنوات لأسباب سياسية ولـــــيس لتعقّد الإجراءات أو سقف الأغلبية المطلوبة

سلسبيل القليبي: المحكمة الدستورية تأخّرت بأربع سنوات لأسباب سياسية ولـــــيس لتعقّد الإجراءات أو سقف الأغلبية المطلوبة

أمام‭ ‬الأحداث‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬عرفتها‭ ‬البلاد‭ ‬كثر‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬تركيز‭ ‬المحكمة‭ ‬الدستورية‭ ‬التي‭ ‬يخوّل‭ ‬لها‭ ‬البتّ‭ ‬في‭ ‬المسائل‭ ‬الخلافية‭ ‬القانونية‭ ‬وقد‭ ‬اعتبرت‭ ‬أستاذة‭ ‬القانون‭ ‬الدستوري‭ ‬سلسبيل‭ ‬القليبي‭ ‬في‭ ‬حوارها‭ ‬مع‭ “‬صوت‭ ‬الشعب‭” ‬أنّ‭ ‬أسباب‭ ‬التعطّل‭ ‬التي‭ ‬بلغت‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬هي‭ ‬سياسية‭ ‬بحتة‭. ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬والجريدة‭ ‬تحت‭ ‬الطبع‭- ‬قرّرت‭ ‬الهيئة‭ ‬الوقتية‭ ‬لمراقبة‭ ‬دستورية‭ ‬القوانين‭ ‬قبول‭ ‬الطعن‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الانتخابي‭ ‬شكلا‭ ‬ورفضه‭ ‬مضمونا،‭ ‬وقد‭ ‬اعتبرته‭ ‬الأستاذة‭ ‬القليبي‭ ‬سابقة‭ ‬خطيرة‭ ‬لأنّ‭ ‬تمريره‭ ‬حصل‭ ‬قبل‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬الانتخابات‭.‬‭ ‬

حاورتها‭ ‬فاتن‭ ‬حمدي‭ ‬‭ ‬

كثر‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬عن‭ ‬المحكمة‭ ‬الدستورية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يتمّ‭ ‬انتخابها‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭. ‬من‭ ‬يتحمّل‭ ‬مسؤولية‭ ‬عدم‭ ‬تركيزها؟‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬الأسباب‭ ‬حسب‭ ‬رأيكم؟‭ ‬Résultat de recherche d'images pour "‫سلسبيل القليبي‬‎"

علينا‭ ‬أن‭ ‬نذكّر‭ ‬أوّلا‭ ‬أنّ‭ ‬المحكمة‭ ‬الدستورية‭ ‬تتركّب‭ ‬من‭ ‬12‭ ‬عضوا،‭ ‬ينتخب‭ ‬أربعة‭ ‬منهم‭ ‬مجلس‭ ‬نوّاب‭ ‬الشعب‭ ‬بأغلبية‭ ‬ثلثي‭ ‬أعضائه‭ ‬وأربعة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للقضاء‭ ‬بنفس‭ ‬الأغلبية‭ ‬بينما‭ ‬يعيّن‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬الأربع‭ ‬المتبقّين‭.‬

ولأنّ‭ ‬القانون‭ ‬الأساسي‭ ‬للمحكمة‭ ‬الدستورية‭ ‬أقرّ‭ ‬أن‭ ‬تدخّل‭ ‬سلطات‭ ‬التعيين‭ ‬يتمّ‭ ‬بهذا‭ ‬الترتيب‭ ‬فإن‭ ‬تأخّر‭ ‬مجلس‭ ‬نوّاب‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬انتخاب‭ ‬قضاة‭ ‬المحكمة‭ ‬الدستورية‭ ‬الراجعين‭ ‬إليه‭ ‬بالنظر‭ ‬عطّل‭ ‬إرساءها‭. ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬أنّ‭ ‬الدستور‭ ‬وضع‭ ‬آجالا‭ ‬لإحداثها‭ ‬وهي‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬أقصى‭ ‬تقدير‭ ‬بعد‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬نتائج‭ ‬الانتخابات‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬أنّ‭ ‬إرساء‭ ‬المحكمة‭ ‬الدستورية‭ ‬يشهد‭ ‬تأخيرا‭ ‬بأربع‭ ‬سنوات‭.‬

أمّا‭ ‬عن‭ ‬أسباب‭ ‬التأخير‭ ‬أو‭ ‬التعطّل‭ ‬فهي‭ ‬سياسية‭ ‬بحتة‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬إرجاعها‭ ‬لتعقيد‭ ‬إجراءات‭ ‬إحداث‭ ‬المحكمة‭ ‬أو‭ ‬ارتفاع‭ ‬سقف‭ ‬الأغلبية‭ ‬المطلوبة‭ ‬لانتخاب‭ ‬أعضائها‭. ‬وبالفعل‭ ‬إنّ‭ ‬اشتراط‭ ‬أغلبية‭ ‬معزّزة‭ ‬لانتخاب‭ ‬أعضاء‭ ‬أعلى‭ ‬هيئة‭ ‬قضائية‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬تجنّب‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬أغلبية‭ ‬وائتلاف‭ ‬حاكمين‭ ‬يدها‭ ‬عليها‭ ‬بتمكينها‭ ‬من‭ ‬تعيين‭ ‬أربعة‭ ‬أعضاء‭ ‬بها‭. ‬وعلينا‭ ‬إدراك‭ ‬أهمية‭ ‬هذا‭ ‬الاحتياط‭ ‬في‭ ‬ضمان‭ ‬حياد‭ ‬قضاة‭ ‬المحكمة‭. ‬وإنّ‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬حياد‭ ‬قضاة‭ ‬المحكمة‭ ‬الدستورية‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬اشتراط‭ ‬ألاّ‭ ‬يكون‭ ‬لهم‭ ‬رأي‭ ‬سياسي‭ ‬أو‭ ‬مواقف‭ ‬أو‭ ‬مبادئ‭ ‬لكن‭ ‬ألاّ‭ ‬تكون‭ ‬لهم‭ ‬ولاءات‭ ‬لأحزاب‭ ‬أو‭ ‬قوى‭ ‬سياسية‭. 

لكن‭ ‬يبدو‭ ‬أنّ‭ ‬النوّاب‭ ‬لم‭ ‬يستوعبوا‭ ‬مقاصد‭ ‬اشتراط‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأغلبية‭ ‬وهي‭ ‬حماية‭ ‬المحكمة‭ ‬من‭ ‬التوظيف‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬حزب‭ ‬أو‭ ‬لخدمة‭ ‬مصالح‭ ‬سياسية‭ ‬ظرفية،‭ ‬ولذا‭ ‬نرى‭ ‬منذ‭ ‬شهور‭ ‬طاقات‭ ‬ووقت‭ ‬النوّاب‭ ‬مسخّرة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لكلّ‭ ‬طرف‭ ‬سياسي‭ ‬إمّا‭ ‬لفرض‭ ‬مرشّح‭ ‬يتمسّك‭ ‬به‭ ‬أو‭ ‬قطع‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬مرشّح‭ ‬الخصم‭ ‬عوضا‭ ‬أن‭ ‬تسخّر‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬الشخص‭ ‬الأكثر‭ ‬كفاءة‭ ‬والشخص‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬فوق‭ ‬كلّ‭ ‬شبهة‭ ‬ولاء‭ ‬وترشيحه‭ ‬ثمّ‭ ‬التوافق‭ ‬على‭ ‬انتخابه‭.  ‬وتعود‭ ‬هذه‭ ‬التجاذبات‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ “‬وضع‭ ‬اليد‭” ‬على‭ ‬المحكمة‭ ‬الدستورية‭ ‬إلى‭ ‬أهميّة‭ ‬الرهانات‭ ‬التي‭ ‬تطرحها‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭. ‬وبالفعل‭ ‬باعتبار‭ ‬خصوصية‭ ‬النصّ‭ ‬الدستوري‭ ‬التونسي‭ -‬وهو‭ ‬كما‭ ‬يعلم‭ ‬الجميع‭ ‬دستور‭ ‬توافقات‭- ‬ترك‭ ‬عديد‭ ‬المسائل‭ ‬سواء‭ ‬المتعلّقة‭ ‬بالخيارات‭ ‬المجتمعية‭ ‬أو‭ ‬الخيارات‭ ‬السياسية‭ ‬عالقة‭ ‬فإنّه‭ ‬سيعود‭ ‬للمحكمة‭ ‬الدستورية‭ ‬باعتبارها‭ ‬المؤوّل‭ ‬الرسمي‭ ‬لنصّ‭ ‬الدستور‭ ‬والطرف‭ ‬الذي‭ ‬سيقول‭ ‬الكلمة‭ ‬الفصل‭ ‬بخصوص‭ ‬دلالة‭ ‬كلّ‭ ‬فصل‭ ‬من‭ ‬فصوله‭ ‬بل‭ ‬كلّ‭ ‬كلمة‭ ‬فإن‭ ‬الجهات‭ ‬السياسية‭ ‬خاصة‭ ‬منها‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬هذا‭ ‬الدستور‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬التأسيسي‭ ‬تخشى‭ ‬أن‭ ‬يفلت‭ ‬منها‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬وأن‭ ‬يُحَمّل‭ ‬غير‭ ‬الوجه‭ ‬الذي‭ ‬أراده‭ ‬له‭. ‬

حسب‭ ‬رأيكم‭ ‬لماذا‭ ‬عجز‭ ‬مجلس‭ ‬نوّاب‭ ‬الشعب‭ ‬عن‭ ‬تركيز‭ ‬الهيئات‭ ‬الدستورية‭ ‬المستقلّة‭. ‬وهل‭ ‬هي‭ ‬نفس‭ ‬الأسباب؟‭ 

تمثّل‭ ‬الهيئات‭ ‬الدستورية‭ ‬المستقّلة‭ ‬هيئات‭ ‬عمومية‭ ‬على‭ ‬غاية‭ ‬من‭ ‬الأهمّية،‭ ‬إذ‭ ‬أنّ‭ ‬الفصل‭ ‬125‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬جعل‭ ‬منها‭ ‬هياكل‭ ‬مكلّفة‭ ‬بدعم‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬نجد‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬بدور‭ ‬التحكيم‭ ‬في‭ ‬المنافسة‭ ‬السياسية‭ ‬وهي‭ ‬الهيئة‭ ‬العليا‭ ‬المستقلة‭ ‬للانتخابات‭. ‬كما‭ ‬نجد‭ ‬هيئات‭ ‬تعديلية‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬هيئة‭ ‬الاتّصال‭ ‬السمعي‭ ‬البصري‭ ‬التّي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬ضمان‭ ‬مشهد‭ ‬إعلامي‭ ‬صحّي‭ ‬ونزيه‭. ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الهيئات‭ ‬الرقابية‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬هيئة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وهيئة‭ ‬الحوكمة‭ ‬الرشيدة‭ ‬ومكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬وهي‭ ‬سلطات‭ ‬مضادّة‭ ‬من‭ ‬صنف‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬السلط‭ ‬العمومية‭ ‬التقليدية‭ ‬وتحديدا‭ ‬السلطتين‭ ‬التنفيذية‭ ‬والتشريعية‭ ‬حيث‭ ‬تضطلع‭ ‬بمهام‭ ‬رقابية‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬حقّ‭ ‬التحقيق‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬انتهاك‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬بالنسبة‭ ‬للأولى‭ ‬وممارسات‭ ‬مشبوهة‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬الرشوة‭ ‬أو‭ ‬الارتشاء‭ ‬مثلا‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الدور‭ ‬الاستشاري‭ ‬التضامني‭ ‬في‭ ‬المجالين‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والبيئي‭ ‬الذي‭ ‬تضطلع‭ ‬به‭ ‬هيئة‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬وحقوق‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭.‬

نلاحظ‭ ‬إذا‭ ‬أهمّية‭ ‬هذه‭ ‬الهيئات‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬المؤسّساتي‭ ‬التونسي‭ ‬وخاصة‭ ‬التوجّس‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تثيرها‭ ‬الصلاحيات‭ ‬الموكولة‭ ‬إليها‭ ‬لدى‭ ‬السلط‭ ‬التقليدية‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬السلطة‭ ‬التشريعية‭ ‬المطالبة‭ ‬بانتخاب‭ ‬أعضائها‭. ‬وبالتالي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬بشأن‭ ‬تأخّر‭ ‬تعطيل‭ ‬إرساء‭ ‬الهيئات‭ ‬الدستورية‭ ‬المستقّلة‭ -‬التي‭ ‬لم‭ ‬يقع‭ ‬إحداث‭ ‬إلاّ‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الخمس‭ ‬المعلن‭ ‬عنها‭ ‬ضمن‭ ‬الباب‭ ‬السادس‭ ‬من‭ ‬الدستور‭-. ‬أنّ‭ ‬إحداثها‭ ‬قد‭ ‬يُخضع‭ ‬السلطة‭ ‬الحاكمة‭ ‬إلى‭ ‬قيود‭ ‬ورقابة‭ ‬لم‭ ‬تعهدها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬ثانية‭ ‬ترتيبا‭ ‬على‭ ‬المعطى‭ ‬الأوّل‭ ‬هنا‭ ‬كذلك‭ ‬محاولات‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬لضمان‭ ‬حضور‭ ‬موالين‭ ‬لها‭ ‬بهذه‭ ‬الهيئات‭. ‬وباعتبار‭ ‬أنّ‭ ‬انتخاب‭ ‬أعضاء‭ ‬هذه‭ ‬الهيئات‭ ‬يتمّ‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬بأغلبية‭ ‬ثلثي‭ ‬أعضاء‭ ‬المجلس‭ ‬كان‭ ‬ولا‭ ‬زال‭ ‬التوافق‭ ‬صعبا‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬الممثلة‭ ‬بمجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب‭. ‬

اعتبرتم‭ ‬أنّ‭ ‬تنقيح‭ ‬القانون‭ ‬الانتخابي‭ ‬غير‭ ‬دستوري‭ ‬ويضرب‭ ‬مبدأ‭ ‬نزاهة‭ ‬الانتخابات‭. ‬كيف‭ ‬ذلك؟ 

لا‭ ‬يمكن‭ ‬اختزال‭ ‬الانتخابات‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬الاقتراع‭ ‬وفي‭ ‬ورقة‭ ‬توضع‭ ‬في‭ ‬صندوق،‭ ‬وبالتّالي‭ ‬فإنّ‭ ‬نزاهة‭ ‬الانتخابات‭ ‬التي‭ ‬تمثّل‭ ‬إحدى‭ ‬شروط‭ ‬الانتخابات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬تفرض‭ ‬غياب‭ ‬أي‭ ‬عملية‭ ‬غشّ‭ ‬أو‭ ‬تزوير‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الناخبين‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المتنافسين‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الإدارة‭ ‬الانتخابية‭ ‬نفسها‭.‬

لذلك‭ ‬فإنّ‭ ‬نزاهة‭ ‬الانتخابات‭ ‬تقتضي‭ ‬كذلك‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬توفير‭ ‬نفس‭ ‬الفرص‭ ‬لجميع‭ ‬المتنافسين‭ ‬للاستعداد‭ ‬للانتخابات‭ ‬ولخوضها‭. ‬وإنّ‭ ‬ذهاب‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬الحاكمة‭ ‬التي‭ ‬تتمتّع‭ ‬بالأغلبية‭ ‬التي‭ ‬تمكّنها‭ ‬من‭ ‬تمرير‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬تريدها‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬شروط‭ ‬المنافسة‭ ‬السياسية‭ ‬قبل‭ ‬مدّة‭ ‬وجيزة‭ ‬من‭ ‬الانتخابات‭ ‬فيه‭ ‬إخلال‭ ‬بتكافؤ‭ ‬الفرص‭ ‬هذا‭. ‬وليس‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الصدفة‭ ‬أن‭ ‬يذهب‭ ‬القانون‭ ‬المقارن‭ ‬وأن‭ ‬توصي‭ ‬المنظّمات‭ ‬الدولية‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬لجنة‭ ‬البندقية‭ ‬بعدم‭ ‬تغيير‭ ‬القواعد‭ ‬المنظمة‭ ‬للانتخابات‭ ‬قبل‭ ‬ستّة‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬موعدها‭ ‬خاصة،‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬لهذه‭ ‬القواعد‭ ‬انعكاس‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬النتائج‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬نظام‭ ‬الاقتراع‭ ‬أو‭ ‬حدود‭ ‬الدوائر‭ ‬الانتخابية‭ ‬أو‭ ‬شروط‭ ‬الانتخاب‭ ‬أو‭ ‬شروط‭ ‬الترشّح‭.‬

وإنّ‭ ‬القانون‭ ‬الذي‭ ‬تمّت‭ ‬المصادقة‭ ‬عليه‭ ‬أسابيع‭ ‬فقط‭ ‬قبل‭ ‬افتتاح‭ ‬مرحلة‭ ‬قبول‭ ‬الترشّحات،‭ ‬وهو‭ ‬يتضمّن‭ ‬تغييرا‭ ‬لشروط‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الإخلالات‭ ‬الإجرائية‭ ‬التي‭ ‬تشوبه‭ ‬يمثّل‭ ‬خرقا‭ ‬لمبدأ‭ ‬نزاهة‭ ‬الانتخابات‭ ‬لما‭ ‬تقتضيه‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬التزام‭ ‬الأطراف‭ ‬الحاكمة‭ ‬بعدم‭ ‬استغلال‭ ‬موقعها‭ ‬بالحكم‭ ‬لتغيير‭ ‬قواعد‭ ‬اللّعبة‭ ‬السياسية‭. ‬لذلك‭ ‬نعتبر‭ ‬أنّ‭ ‬تعديل‭ ‬القانون‭ ‬الانتخابي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬التوقيت‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬التهديدات‭ ‬التي‭ ‬تمثّلها‭ ‬بعض‭ ‬الأطراف‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬على‭ ‬خطّ‭ ‬المنافسة‭ ‬السياسية‭ ‬لضربها‭ ‬القوانين‭ ‬عرض‭ ‬الحائط،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬بأنّ‭ ‬هذا‭ ‬التغيير‭ ‬يمثّل‭ ‬سابقة‭ ‬خطيرة،‭ ‬حيث‭ ‬فتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬الفاعلين‭ ‬السياسيين‭ ‬الذين‭ ‬يجوز‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬فصاعدا‭ ‬تغيير‭ ‬القانون‭ ‬الانتخابي‭ ‬قبيل‭ ‬كلّ‭ ‬انتخابات‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬تقتضيه‭ ‬مصالحهم‭.‬

لم‭ ‬يصادق‭ ‬مجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬الطوارئ‭. ‬من‭ ‬وجهت‭ ‬نظرك‭ ‬هل‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬بالتمديد‭ ‬خاصة‭ ‬ان‭ ‬البلاد‭ ‬مقبلة‭ ‬على‭ ‬انتخابات؟‭ ‬

لقد‭ ‬مدّد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬فعلا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الطوارئ‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬متوقّعا‭ ‬ولا‭ ‬يعود‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬اعتقادي‭ ‬إلى‭ ‬كوننا‭ ‬مقبلين‭ ‬على‭ ‬انتخابات‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬تواتر‭ ‬العمليات‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬الأخيرة‭ ‬وتواصل‭ ‬التهديدات‭ ‬الجدية‭

 

 ‬بهذا‭ ‬الشأن‭.‬

في‭ ‬خطوة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬أعلن‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬عن‭ ‬إصداره‭ ‬لمنشور‭ ‬يمنع‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬ارتداء‭ ‬النقاب‭ ‬في‭ ‬الإدارات‭ ‬العمومية‭. ‬هل‭ ‬يتطابق‭ ‬ذلك‭ ‬والدستور‭ ‬وخاصة‭ ‬ما‭ ‬تعلّق‭ ‬منه‭ ‬بالحريّات‭ ‬والحقوق؟ 

من‭ ‬المهمّ‭ ‬رفع‭ ‬بعض‭ ‬اللّبس‭ ‬حول‭ ‬المنشور‭ ‬الأخير‭ ‬لرئاسة‭ ‬الحكومة،‭ ‬فلم‭ ‬يتحدّث‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬عن‭ ‬النقاب‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬صنف‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬اللّباس‭. ‬بل‭ ‬أنّه‭ ‬حجّر‭ ‬على‭ ‬أيّ‭ ‬كان‭ ‬دخول‭ ‬الإدارة‭ ‬العامة‭ ‬أو‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬غير‭ ‬مكشوف‭ ‬الوجه،‭ ‬وعلّل‭ ‬قراره‭ ‬باعتبارات‭ ‬أمنية‭ ‬والحال‭ ‬أنّنا‭ ‬تحت‭ ‬نظام‭ ‬حالة‭ ‬الطوارئ‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬تحت‭ ‬تهديدات‭ ‬إرهابية‭ ‬جدّية‭. ‬يبقى‭ ‬أنّه‭ ‬على‭ ‬مجلس‭ ‬نوّاب‭ ‬الشعب‭ ‬سنّ‭ ‬قانون‭ ‬في‭ ‬الغرض‭ ‬باعتبار‭ ‬أنّ‭ ‬هذا‭ ‬التحجير‭ ‬لا‭ ‬يشمل‭ ‬الأعوان‭ ‬العموميين‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬كذلك‭ ‬مستعملي‭ ‬المرافق‭ ‬العمومية‭ ‬الذين‭ ‬يمكنهم‭ ‬التردّد‭ ‬على‭ ‬الإدارات‭ ‬العمومية‭ ‬لقضاء‭ ‬حاجياتهم‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬لا‭ ‬يمثّل‭ ‬المنشور‭ ‬الأداة‭ ‬القانونية‭ ‬المناسبة‭ ‬لأنّ‭ ‬النصّ‭ ‬لا‭ ‬يكتفي‭ ‬بالتنظيم‭ ‬الداخلي‭ ‬للإدارة‭ ‬بل‭ ‬ينسحب‭ ‬على‭ ‬الغير،‭ ‬وباعتبار‭ ‬كذلك‭ ‬هذا‭ ‬المنشور‭- ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يذكر‭ ‬المنتقبات‭ ‬بصريح‭ ‬العبارة‭- ‬فهو‭ ‬يشملهم‭ ‬وبالتّالي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬فيه‭ ‬مساس‭ ‬بالحريات‭ ‬الفردية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التضييق‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬بقانون‭.‬

هل‭ ‬تعتبرين‭ ‬أن‭ ‬المناخ‭ ‬العام‭ ‬السياسي‭ ‬يسمح‭ ‬بإجراء‭ ‬انتخابات‭ ‬نزيهة‭ ‬وشفافة؟‭ ‬

في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬شروط‭ ‬قيام‭ ‬انتخابات‭ ‬نزيهة‭ ‬وشفافة‭ ‬مرتبط‭ ‬بطبيعة‭ ‬المناخ‭ ‬السياسي،‭ ‬إذ‭ ‬يعرف‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬أنّه‭ ‬يحمل‭ ‬دائما‭ ‬قبيل‭ ‬الانتخابات‭ ‬بعض‭ ‬التشنّجات‭ ‬المتفاوتة‭ ‬الحدّة‭ ‬بحسب‭ ‬الظروف‭ ‬التّي‭ ‬تمرّ‭ ‬بها‭ ‬كلّ‭ ‬دولة‭. ‬فضمان‭ ‬انتخابات‭ ‬نزيهة‭ ‬وشفافة‭ ‬هو‭ ‬رهن‭ ‬الإدارة‭ ‬الانتخابية‭ ‬المسؤولة‭ ‬بمقتضى‭ ‬الدستور‭ ‬والقانون‭ ‬المنظّم‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬تأمين‭ ‬انتخابات‭ ‬بهذه‭ ‬المواصفات‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬دور‭ ‬القضاء‭ ‬في‭ ‬حسم‭ ‬النزاعات‭ ‬الانتخابية‭ ‬وأخيرا‭ ‬وليس‭ ‬أخرا‭ ‬دور‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬وخاصة‭ ‬الجمعيات‭ ‬المختصة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬في‭ ‬مراقبة‭ ‬سير‭ ‬الانتخابات‭. ‬

وفيما‭ ‬يخصّ‭ ‬دور‭ ‬الإدارة‭ ‬الانتخابية،‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الهيئة‭ ‬العليا‭ ‬المستقلة‭ ‬للانتخابات‭ -‬رغم‭ ‬كلّ‭ ‬الإشكاليات‭ ‬التي‭ ‬مرّت‭ ‬بها‭- ‬راكمت‭ ‬من‭ ‬الخبرة‭ ‬والتجربة‭ ‬ما‭ ‬يؤهّلها‭ ‬لتأمين‭ ‬انتخابات‭ ‬الخريف‭ ‬المقبل‭ ‬بنجاح‭.‬

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×