الرئيسية / أقلام / بئر المشارقة:خصوبة سهولها ووفرة مياهها لم تساهم سوى في تفقير أهاليها  
بئر المشارقة:خصوبة سهولها ووفرة مياهها لم تساهم سوى في تفقير أهاليها  

بئر المشارقة:خصوبة سهولها ووفرة مياهها لم تساهم سوى في تفقير أهاليها  

معتمدية بئر المشارقة التابعة لولاية زغوان من بين المناطق الغنية بالموارد المائية الجوفية منها والسطحية وتتميز بسهولها الخصبة الممتدة على أطراف سد واد مليان الذي يعتبر من أهم السدود حيث يحتوي على كمية مياه يمكن أن تسد حاجة المنطقة من مياه الري بما يساهم في دفع عجلة التنمية الفلاحية وخلق مواطن شغل قارة خصوصا وأن السد كان يتم استغلاله في تربية الأسماك. لكن الانتفاع بهذه الثروة المائية الهائلة المهددة بالتلوث اقتصر على بعض كبار الفلاحين والمستثمرين في القطاع الفلاحي باعتبار أن الدولة منحتهم امتيازات لم تمنحها لغيرهم من عشرات صغار الفلاحين.

“صوت الشعب” زارت بئر المشارقة واطلعت على مشاكل عدد من صغار الفلاحين والصيادين الذين تضرروا بشكل ملحوظ جرّاء سياسة الكيل بمكيالين المنتهجة من قبل السلطات المحلية والجهوية والمركزية منذ عهد بورقيبة إلى اليوم، إضافة إلى انعدام إرادة حقيقية في النهوض بقطاع الفلاحة رغم توفر الموارد والعوامل الضرورية لخلق ثروة فلاحية.

التجويع القسري

السيد عبد الحميد بن نازي، من بين حوالي ثلاثين صياد يستزرعون، منذ سنوات عدة أنواع من الأسماك على غرار سمك البوري، حيث قاموا سنة 2004 بتكوين “مجمع التنمية والصيد البحري” بهدف حماية الموارد الطبيعية واستغلال الثروة السمكية بسدّ واد مليان.

السيد بن نازي عبّر بحرقة عن خسارة حوالي ثلاثين عائلة لمورد رزقها بسبب تلوث مياه السد وما انجر عنه من توقف كلي لنشاط تربية الأسماك وصيدها. حيث أدى تلوث مياه السد إلى نفوق الأسماك وذلك جراء تسرب فواضل الصرف الصحي وسكب فواضل المصانع المجاورة في السد.

وحمّل السيد عبد الحميد السلط المحلية والجهوية مسؤولية فقدان هذه العائلات لمورد رزقها الوحيد، مؤكدا أنّ ديوان التطهير يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية نظرا إلى أنه لم يقم بربط القنوات بالشكل المطلوب ما أدى إلى تسرب كميات كبيرة من مياه الصرف الصحي إلى السد.

 وأضاف أنّ المتضررين تقدموا بأكثر من طلب للسلط المحلية والجهوية من أجل إيجاد حلّ لهذا المشكل الذي لم يقضي فقط على الثروة السمكية بالمنطقة بل طال أيضا قطاع تربية المواشي والأشجار المثمرة وغيرها من الأنشطة الفلاحية. وهو ما أدى، حسب قوله، إلى عزوف عدد من صغار الفلاحين على مزاولة نشاطهم.

وقد دعا محدثنا السلط المعنيّة إلى إيجاد حلّ جذري لمشكل لا يهدد الأهالي في قوتهم اليومي فحسب بل في صحتهم نظرا إلى تكاثر البعوض والحشرات وانبعاث الروائح الكريهة بشكل ملفت للانتباه.

وهذا ما عاينته “صوت الشعب” عند زيارتها لبئر المشارقة. لكن مشاكل الأهالي لا تقف عند هذا الحد. فهناك حوالي 90 مواطن قامت الدولة بانتزاع أراضيهم لفائدة المصلحة العامة منذ سنة 1973 دون أن يتم تعويضهم إلى يوم الناس هذا.

غطرسة الدولة

السيد علية اللطيف من بين المتضررين من “المصلحة العامّة”، باعتباره الوريث الوحيد لوالده الذي انتزعت أرضه قسرا و الذي عاش على أمل أن يسترجع حقه لكنه توفي دون أن ينال ولو جزء منه.

السيد علية حدثنا بمرارة عن حرمانه من أرضه دون وجه حق وحدثنا عن شغفه بالفلاحة منذ كان طفلا، معبرا عن خشيته أن يضيع حقه كما ضاع حق والده.

وقد حصلت “صوت الشعب” على وثائق تفيد بانتزاع قطعة الأرض المذكورة مقابل مبلغ زهيد جدا إضافة إلى نسخ من المطالب التي تقدم بها السيد عليّة إلى السلط المعنية على غرار وزرارة الفلاحة التي تقدم لها بمطلب بغرض تسوية وضعية العقار المذكور بتاريخ 02 فيفري 2012 وولاية زغوان بتاريخ 24 جانفي 2019 .

 لكن محدثنا أكّد أنه لم يتلق أي إجابة. مضيفا أنه اضطر إلى العمل في الحضيرة مقابل أجر بخس- أصر على ذكره حرفيا- لا يتجاوز 337 دينار. كما أصرّ على افتكاك حقّه المسلوب.

الضيم الذي طال صغار الفلاحين وبعض مالكي الأراضي المحاذية لسد واد مليان عمقه التعاطي السلبي للسلط المحلية التي تجاهلت كل مطالبهم المتكررة في تعبيد المسلك الفلاحي المؤدي إلى هذه الأراضي.

الأستاذ لطفي الفتني، يمتلك قطعة أرض تقع على ضفاف سد واد مليان لكن بحكم العزلة المفروضة على هذه الأراضي يجد نفسه مضطرا على الاقتصار على الفلاحة البعلية وخصوصا الزراعات الكبرى نظرا إلى أن الجهات المسؤولة اكتفت بتعبيد نصف المسلك المؤدي إلى ضفاف السد، خدمة لبعض “الأثرياء والمتنفذين” دون سواهم.

تهجير المواطن

وانتقد الأستاذ الفتني السياسة المتبعة من قبل المجالس المحلية للتنمية التي ترفع شعار “تشريك المواطن في القرار” دون ترجمته فعليا وواقعيا معتبرا أن ترتيب الأولويات فيما يتعلق بمطالب المواطنين لا يأخذ بعين الاعتبار سوى مصلحة البعض ولا يحترم مبدأ التنمية العادلة بقدر ما يخضع لمنطق العلاقات والمصالح المحباباة والمحسوبية.

وأشار الأستاذ الفتني، في ختام تصريحه لـ”صوت الشعب” إلى أنّه كان من الأجدر تعبيد كامل المسلك الذي لا يتجاوز 5 كلم وربط المنطقة بالشبكة الكهربائية حتى لا نظل معزولة، مشددا على وجوب تشجيع الفلاحين على الانتاج الفلاحي السقوي و استغلال الأراضي المحاذية للسد في انتاج الخضر والغلال حتى تعم الفائدة على الفلاح والمواطن باعتبار أن توفر السهول الخصبة ووفرة مياه الري  تضمن انتاجا وفيرا يساهم بشكل مباشر في تخفيض الأسعار، عوضا عن انتهاج سياسة تهجير المواطن.

لطفي الوافي 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×