الرئيسية / منظمات / أخبار / “من الاضطهاد المزدوج إلى الاضطهاد الثّلاثي… نحتاج إلى أن نقول يكفي”
“من الاضطهاد المزدوج إلى الاضطهاد الثّلاثي… نحتاج إلى أن نقول يكفي”

“من الاضطهاد المزدوج إلى الاضطهاد الثّلاثي… نحتاج إلى أن نقول يكفي”

تستيقظ باكرا منهكة، تُعدّ فطور الصباح والغداء… ترتّب المطبخ وتذهب إلى حاسوبها لتنطلق في عملها عن بعد… تحاول جاهدة التّركيز. ولكن سرعان ما يُقطع حبل تفكيرها بصراخ الأبناء… وتبدأ رحلة الشّقاء…

منذ قرون، ارتبط العمل المنزلي بالنساء، وكما قال الماركسيون، فقد كان العمل المنزلي غير المدفوع الأجر أوّل شكلٍ من أشكال الاضطهاد في تاريخ البشريّة. ولطالما كنت أتساءل: لماذا تقوم المُعينة المنزليّة بالتنظيف والطّبخ بمقابل، بينما تفعل أمّي الشّيء نفسه دون مقابل؟ لماذا تقوم الـ”دادا” بالاعتناء بالأطفال في فترة غياب الأهل بمقابل، بينما تقوم الأمّهات بالاعتناء بالأبناء دون مقابل؟ كانت الإجابات سطحيّة جدّا ولم تكن مقنعة. فلا المرأة مكانها المنزل، ولا هي مخلوقٌ خارق، كما أنّ مقولة “المرأة” هي الأم والأخت والصديقة والعالم” لا تخفّف آلام ظهرها ليلًا، ولا تخفي تجاعيد عينيها، ولا تمسح دموع حسرتها على دراستها التي لم تُكمِلها أو طموحاتها المهنيّة التي اندثرت أو شغفها بالعمل المدني والسياسي الذي قُبِر بسبب العمل المنزلي وبسبب عقليّة ذكوريّة أبويّة ونظام عالميٍّ قائم على الاستغلال وتكديس الأرباح على حساب الإنسانية…

نعم، فاعتناء الزوجة بالزّوج والأبناء ليس عفويّا ولا قدرًا. بل يندرج ضمن سياسة النظام الرأسمالي المتوحّش الذي يعمل على إهمال العمل المنزلي ويعلم جيّدا قيمة مرابيحه منه… نعم سيّدتي، فأنت تعتنين بمنزلٍ يسكنه عامل أو موظّف، تطبخين له وتنظّفين ملابسه مجانا لتتجدّد طاقته ويُنتج لرأس المال…وأنتِ تُنتجين عمّالا وموظّفي المستقبل: “الأطفال”، فتعتني بهم وتدرّسينهم مجانًا ليكبروا ويدخلوا في حلقة الاضطهاد الرأسمالي… كلّ ذلك يقلّص على رأس المال مصاريف العناية بطاقةِ وجهد العمّال والموظفين ويضمن استمراريّتهم…

ولمّا نادت النساء في العالم بالحقّ في الشغل واقتمحت ما سُمِّي بـ”مهن الرّجال” أصبحت ضحيّة لاضطهادين: اضطهاد في العمل تتشارك فيه مع الرّجل وتفوقه أحيانا (اللامساواة في الأجر، الطرد التعسفي..) واضطهاد ثانٍ في المنزل. حيث أبرزت دراسة للدكتورة “سلوى العنتري” تحت عنوان “تقدير قيمة العمل المنزلى غير المدفوع للنساء فى مصر” وجود فجوة كبيرة بين ساعات العمل المنزلي لكلّ من النّساء والرجال في مصر. إذ يبلغ متوسّط عدد ساعات العمل المنزلي الأسبوعيّة للنّساء حوالي 30 ساعة مقابل 4 فقط للرجال. وتأخذ الخدمات المنزلية 47 بالمائة، أي 14 ساعة للنساء مقابل 0 ساعات للرجل. وعلى الأرجح أنّ متوسّط الأربع ساعات يعود إلى خدمات اصطحاب الأطفال أو المسنّين في العائلة أو إلى اشتراء المواد الغذائيّة التي يقوم بها الرجل أحيانا.

أمّا اليوم ونحن نعيش فترة حجر صحيّ عام، فإنّ ربّات البيوت والمعطّلات والمطرودات من العمل، تعملن على الأقل 12-18 ساعة في اليوم بشكل مضاعف على تلبية حاجيات كلّ أفراد الأسرة كامل النهار من توفير للطعام، والتنظيف والتدريس وتوفير كلّ أسباب الرفاهيّة دون تثمين يُذكر أو أجر يُدفع…

أمّا العاملات والموظفات اللاتي بين مطرقة العمل المنزلي وسنديان العمل عن بعد في هذه الأزمة الخانقة، فيجدن أنفسهنّ مجبرات على ممارسة عملين في نفس الوقت. فبينما تُجيب عن البريد الالكتروني تنتظر تصفير وعاء الطبخ المضغوط لتضع الطعام على الطاولة وتعود إلى عملها… لعلّ هذا الضغط ليس إلّا وقودا جديدا يُشعل نار الغضب والثورة… لعلّه يأذن بوعي نسائيّ جماعيّ ليقُلْن لا… يكفي… نريد حقوقنا كلّ حقوقنا. ونريد نظاما يكفل حقوقنا، نظاما اشتراكيّا يحرّرنا من تلك الأعمال المنزليّة المنهكة وينقل مسؤوليتها إلى الدّولة… نظاما نعيش فيها حياة لا كابوسا يعاد كلّ يوم…

إيناس سبيحة

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×