الرئيسية / رأي / قل لي إلى أيّ حزب تنتمي، أقل لك كيف تفكّر!
قل لي إلى أيّ حزب تنتمي، أقل لك كيف تفكّر!

قل لي إلى أيّ حزب تنتمي، أقل لك كيف تفكّر!

رحاب الهمامي

مضت الآن أشهر على تشكيل الحكومة والتي ضمّت عناصر مستقلّة وأخرى سياسية. لكن في الحقيقة هي حكومة ائتلافات حزبية تتكون أساسا من حركة النهضة والتيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس. بينما يحتلّ كل من حزب قلب تونس والحزب الدستوري الحر موضع المعارضة وفقا للصيغة البرلمانية الحالية. وقدّمت تلك الأحزاب نفسها أثناء الانتخابات على أنها أحزاب للتضامن الاجتماعي. فأين هي اليوم وكيف ساهمت في مقاومة فيروس كورونا ؟

بعد مسرحيات البكاء والخطابات الحماسية وبعد الأرقام غير العلمية التي قدّمها لنا رئيس الحكومة يوم 2 أفريل وبعد تأخير الاجراءات الوقائية، ارتفع نسق تفشّي المرض وزادت حالات الوفاة واجتاح الفيروس كل من ولاية سليانة وجندوبة، كآخر ولايتين ظلّتا بمنأى عن الوباء. وقد كنّا دعونا إلى عزلهما، ولكن “قد أسْمعتَ لو ناديتَ حيًّا”.

في هذا الخضمّ تجاهلت الأحزاب ما يسود في المجتمع من أزمة اقتصادية واجتماعية. وفي ظلّ ضعف أداء الحكومة، تجنّد المجتمع المدني والمنظمات والسلط المحلية والمواطنون المتطوعون. فالتونسي للتونسي رحمة مهما كانت انتماءاته السياسية. في المقابل لم تنخرط تلك الأحزاب البرلمانية في حملة مقاومة الوباء ولم تقم بدورها التحسيسي والتضامني ولم تتصدى لتقاعس الحكومة خلال الطور الأول من تكوّن الوباء وهو ما يعكس الرؤية الضيقة لها التي تقتصر على نضال الكردونة عند اقتراب الحملات الانتخابية فجلّ هذه الأحزاب علّقت أنشطتها

قرارات حكومية غير جدّية ومرتجلة:
قرارات تخصّ الحجر الصحي

إنّ القرارات التي اتخذتها الحكومة لا تتلاءم وخطورة الوضع. فماهي الاجراءات الجريئة التي اتخذتها وزارة الصحة لتعزيز المستشفيات بالمعدات اللازمة خاصة بالشمال الغربي الذي يعاني من رداءة الخدمات الصحية؟ فهل من المعقول أن يتم نقل المصاب من معتمدية قعفور إلى مستشفى بالمنستير؟ فوزارة الصحة اكتفت بتحويل المعدات والآلات الطبية الموجودة إلى مسالك كوفيد ولم تعمل قط على تعزيز المرافق الصحية و تهيئتها كما ينبغي لمجابهة الوباء. فهل نظّمت وزارة الصحة حملات توعوية للحد من السلوكات المخالفة للحجر الصحي ؟ وهل قامت الوزارة بتأمين مواد التعقيم لوقاية المواطنين؟ وماذا عن الأزمة الاجتماعية؟

لقد اكتفت الدولة بتخصيص منح ظرفية هزيلة (200 دينار) للعاملين لحسابهم الخاص متجاهلة بذلك العاطلين عن العمل. وقد انعكس الوضع سلبا كذلك على عمال القطاع الخاص. فعلى سبيل الذكر، لم يتقاضَ عمال مصنع الجبن بماطر أجورهم منذ اندلاع الأزمة. لماذا لا تحاسب الدولة رجال الأعمال وأصحاب الشركات بمقتضى الأمر الحكومي عدد 264 المؤرخ في 14 أفريل سنة 2020 والمتعلق بسنّ إجراءات اجتماعية استثنائية وظرفية لمرافقة المؤسسات والاحاطة بأجرائها المتضررين من التداعيات المنجرّة عن تطبيق الحجر الصحي الشامل توقيا من تفشي فيروس كورونا ؟

مخاطر على الأرواح

التقصير لم يَطلْ الجانب الصحي والاجتماعي فقط حيث أن الجامعة المهنية للسياحية من جانبها دقّت ناقوس الخطر وأنذرت بإفلاس مئات الشركات السياحية مثل وكالات الأسفار وهو ما سيعمّق من أزمة البطالة، والتي بطبعها متأزّمة وتنذر بانفجار اجتماعي محدق.

قرارات ما بعد الحجر الصحي

أعلنت رئاسة الحكومة بتاريخ 29 أفريل عن جملة من الإجراءات التي تتعلق بالحجر الصحي الموجه .
تشمل هذه الإجراءات الإعادة الجزئية أو الكلية للأنشطة الإقتصادية تقديم خطة لإنقاذ السنة الدراسية والجامعية و عرض التدابير المتعلقة بوسائل النقل العام و الخاص من أجل ضمان سلامة المواطنين غير أن هذه التدابير تبدو غير عملية و غير قابلة للتطبيق على عدة مستويات:

    • في المستوى الإقتصادي: ذهل الرأي العام بإنتداب 12 مستشار حكومي في وضع يتطلب الضغط على الميزانية ممّا يعكس تعامل الحكومة مع الدولة بمنطق الغنيمة، وفي مقابل ذلك يتمّ اقتطاع يوم عمل من أجور الموظّفين. وهذه عادة السلطة: تفتكّ الأموال من جيوب عامة الشعب إلى خزائن المتنفّذين. ناهيك على تواصل مسلسل التلاعب بسيادة البلاد وبمناعتها باستغلال المؤسسة التشريعيّة، البرلمان، للوضع لتمرير اتفاقيات مشبوهة خدمة لقطر وتركيا.
    • في المستوى الصحي: قرارات غير ناجعة من حيث تأمينها للسلامة الصحية للعمال: عدم توفير الكمامات مثلما صدعوا رؤوسنا بتوفير مئات الآلاف منهم، وربّما تراجعوا بعد أن افتضحوا في صفقة العار بين الوزير والنّائب. إلى جانب تواصل ارتفاع سعرها في ظلّ الاحتكار.

ولا تبدو هناك ضمانات لمراقبة مدى احترام إجراء التّباعد الجسدي في وسائل النقل العمومية (ترك مسافة 1 م بين المسافرين في الحافلات والمترو إجراء غير قابل للتطبيق / ضرورة مراقبة مدى احترام المصانع لتوفير النقل الخاص للعمال، فبعض المصانع يتعطل عملها إذا لم يكن جميع العمال حاضرين فيها. ( كما أن فتح محلات بيع الملابس بعد 11 ماي يعدّ خطرا على صحة المواطنين باعتبار أن النصف الثاني من رمضان يشهد إقبالا مكثّفا على هذه المحلات.

إن أداء الحكومة يراوح بين الإستخفاف وعدم الإلمام بصعوبة تحقيق الإجراءات على أرض الواقع. هذا يجعلنا نشدّد على ضرورة رفع الجاهزيّة استعدادا لأيّ طارئ قادم أو موجة وبائية ثانية محتملة… وعليه فالحكومة مسؤولة على ما يمكن أن تتسبّب فيه هذه الإجراءات من مخاطر على الأرواح.

التعليم: إنقاذ المناظرات وتهديد حياة التلاميذ

بعد الصمت المريب الذي دام طيلة الحجر الصحي تفاجئنا الحكومة بقرارات لا تخلو من الارتجال، حيث أعلن وزير التربية يوم 29 أفريل إنهاء السنة الدراسية في شتى المستويات ما عدى البكالوريا. إذ تستأنف الدراسة بداية من 27 ماي على أن تتواصل لمدة أربعة أسابيع لغاية إتمام البرامج و تجرى كل من الدورة الرئيسية و دورة المراقبة في شهر جويلية .قد تبدو هذه الإجراءات معقولة لكن شرط توفير السلامة الصحية من تعقيم مستمر و العمل على تطبيق إجراءات التباعد الإجتماعي و تقسيم التلاميذ إلى فرق وهو ما يصعب توفيره في مثل هذه الظروف نظرا لنقص الإطار التربوي و عدم توفّر ظروف ملائمة للعمل خلال فصل الصيف )إصلاح اختبارات البكالوريا سيمتد إلى شهر أو أكثر ). استنتاجنا هو أن مثل هذه المخططات غير واقعية وليست ولم تأخذ حظّها من الدّراسة الضروريّة.

الإمعان في التداين.. الإمعان في رهن البلاد

كان من المفروض على الحكومة التونسية أن تعمل على إلغاء الديون الخارجية للتخفيف من وطأة الشلل الاقتصادي في ظل هذه الأزمة. لكن خلافا لذلك نرى أنّ الحكومة ماضية في سياسة التداين حيث تم إقرار قرض ب 700 مليون دولار من قبل صندوق النقد الدولي يوم 10 أفريل. كما وافق البنك الدولي في الآونة الأخيرة على منح تونس تمويل بقيمة عشرين مليون دينار ولم تتّخد الحكومة إلى حد اليوم أيّ اجراء بخصوص ملف المديونية.

التزام حزب العمال بمشاغل الشعب في هذه الجائحة

خطا حزب العمال خطوات هامّة في مجال تتبّع التطوّرات الحاصلة وتقييم الوضع ومن ثمّة بإطلاق جملة من المقترحات الكفيلة بمواجهة مخلّفات الأزمة. فقد بادر حزب العمال ببعث خليّة بحث علمي تتكون من كفاءات علميّة من أطباء وباحثين الخ، وهي التي تزوّد الحزب والرّأي العام في كثير من تطوّرات ومؤدّيات الوضع. وهي التي قدّمت عدّة مقترحات ملموسة، كانت مادة حزب السياسية والدّعائية الاساسية في هذا الظرف…

إلى جانب ذلك، ساهم حزب العمّال في إطلاق مبادرة وطنية بمعيّة أحزاب أخرى ومنظمات وجمعيات وشخصيات وطنية، حاملة لنقاط برنامجيّة مباشرة، وتدابير وإجراءات صحية واجتماعية واقتصادية. وكان يمكن أن تكون هذه المقترحات كفيلة بكبح جماح التقهقر الحاصل، لو وجدت الآذان الصاغية من مسؤولي هذه الدّولة.

وقد اقترح الأمين العام للحزب حمه الهمامي، يوم 3 مارس، منذ الأيّام الأولى للوباء، إجراءات لمقاومة فيروس كورونا فطالب الحكومة بإنشاء منظومة وطنية للبحث العلمي وصدر ذلك في بيان في أكثر من مناسبة.

كما قام حزب العمال ومنظماته بأنشطة هامة على وسائط التواصل الاجتماعي، الفايسبوك اساسا، تحث على الوقاية وضرورة الالتزام بالحجر الصحي، واليقظة إزاء أيّ تلاعب بصحة التونسيّين وبأمنهم وقوتهم الخ….

وبصفته أمينا عامّا للحزب، توجه حمه الهمامي كذلك برسالة إلى رئيس الجمهورية يقترح من خلالها حلولا اقتصادية واجتماعية للخروج من الأزمة ومن أجل إرساء استراتيجيات طوارئ ناجعة (كتعليق تسديد الديون، تعليق تحويل المرابيح من قبل شركات أجنبية، تأجيل التوريد، الاقتطاع على الثروات الخ…)

هذه لمحة بسيطة عن مدى التزام حزب العمال بالخط الثوري وعدم تنكّره لقضايا الشعب زمن الأزمات. بينما اكتفت الأحزاب الحكومية بالمتاجرة بمِحن الشعب لتحقيق مناصب سياسية. فلم تكتفِ هذه الأحزاب باللامبالاة، بل سرعان ما كُشف ضلوع بعض عناصرها في قضايا فساد، تخطيطا وتواطئا، مثل صفقة الكمامات. وأكبر صدمة للرأي العام هو في عدم تفاعل الوزير المكلّف بالوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد مع الملف، وهو الذي صُنِّف حزبه بالأمس في الخطّ الثوريّ لنجده اليوم عاجزا على “قول كلمة حقّ” بل يبدوانّه وحزبه يخطو على منحى الحكومات السابقة التي اتهمتها بالفساد والإفساد. ويبدو أنّ شعارات الخطّ الثوري لم يكن سوى ورقة انتخابية لا أكثر.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×